فشل البرلمان العراقي الجديد في جلسته الأولى أمس في انتخاب رئيس له، وسط فوضى دستورية عارمة وتراشق كلامي حاد، ليستنسخ بذلك الانقسام الذي ظلل عمل البرلمان السابق لأربع سنوات، في وقت تقاتل فيه البلاد لوقف زحف مسلحين باتوا يحتلون أجزاء واسعة منها.
ورغم أن مسألة تشكيل حكومة جديدة وإمكانية بقاء نوري المالكي على رأسها لولاية ثالثة بدت في الأسابيع الماضية وكأنها أكبر تحديات البرلمان الجديد، إلا أن فشل الالتزام بالدستور أمس، والتفسيرات المتناقضة له، أظهر أن الخلاف السياسي أعمق من ذلك.
وينص الدستور العراقي على أن «ينتخب مجلس النواب في أول جلسة له رئيسا، ثم نائبا أول ونائبا ثانيا، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس، بالانتخاب السري المباشر»، من دون أن يوضح كيفية التعامل مع فشل انتخاب هؤلاء في الجلسة الأولى. ورغم أنه ليس مذكورا في الدستور، فإن العرف السياسي السائد في العراق ينص على أن يكون رئيس الوزراء شيعيا، ورئيس البرلمان سنيا، ورئيس الجمهورية كرديا.
وقال النائب مهدي الحافظ الذي ترأس الجلسة لكونه أكبر الأعضاء سنا بعد تشاوره بشكل علني مع نواب قدموا تفسيرات متناقضة للدستور: «تعقد جلسة الأسبوع المقبل إذا ما توفرت إمكانية للاتفاق»، مضيفا أن موعد الجلسة المقبلة سيكون الثامن من يوليو (تموز) الحالي.
وكانت الجلسة التي حضرها المالكي وقياديون آخرون بينهم رئيس «الائتلاف الوطني» إبراهيم الجعفري ورئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي، بدأت بأداء اليمين الدستورية التي تلاها الحافظ على النواب، ورددها هؤلاء من بعده. ثم تلت النائب الكردية إلا طالباني اليمين الدستورية باللغة الكردية ليرددها من بعدها النواب الأكراد في البرلمان. وقال الحافظ إن 255 نائبا حضروا الجلسة من بين 328 نائبا، معلنا بذلك تحقق النصاب القانوني وبدء عملية اختيار رئيس المجلس النيابي الجديد.
وطلبت النائبة الكردية نجيبة نجيب التحدث، فدعت رئيس الوزراء إلى «فك الحصار» عن إقليم كردستان عبر دفع المستحقات المالية للإقليم من الموازنة العامة المجمدة منذ أشهر. وما إن تدخل الحافظ ليبلغ النائبة الكردية بأن هذه الجلسة مخصصة لموضوع انتخاب رئيس المجلس ونائبيه فقط، حتى صرخ النائب محمد ناجي المنتمي إلى منظمة «بدر» الشيعية: «تريدون أن نفك الحصار عن داعش؟»، في إشارة إلى تنظيم «الدولة الإسلامية».
وذكر مراسل وكالة الصحافة الفرنسية في القاعة أن نوابا سنة انسحبوا من الجلسة بعد عبارة ناجي.
ثم تدخل النائب كاظم الصيادي المنتمي إلى «ائتلاف دولة القانون» بزعامة المالكي ليقول إن رئيس إقليم كردستان «مسعود بارزاني أكبر عميل وخائن. تصدرون النفط إلى إسرائيل وتنزلون العلم العراقي. سنسحق رؤوسكم وسنريكم ماذا نفعل بعد انتهاء الأزمة».
وأعلن بعدها الحافظ عن استراحة لمدة نصف ساعة. وعاد إلى القاعة بعد انتهاء الاستراحة 175 نائبا، لتعصف بها فوضى عارمة، حيث قال نواب إن النصاب لم يتحقق؛ إذ إن عدد النواب الحاضرين أقل من الثلثين، بينما قال نواب آخرون إن النصاب متوفر لأن الجلسة بدأت صباحا بحضور 255 نائبا.
ثم بدأ يتناقش رئيس الجلسة مع النواب حيال إمكانية تأجيلها، أو إبقائها مفتوحة، أو فضها، فكان لكل من النواب الذين تحدثوا تفسيره الخاص للدستور، قبل أن يعلن الحافظ عن فض الجلسة والاجتماع مجددا بعد أسبوع.
وإلى جانب انتخاب رئيس مجلس النواب، ينص الدستور العراقي على أن يجري انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال ثلاثين يوما من تاريخ أول انعقاد للمجلس. ويكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، على أن يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية أعضاء وزارته خلال مدة أقصاها ثلاثون يوما من تاريخ التكليف.
وتطغى مسألة ترشح المالكي الذي يحكم البلاد منذ عام 2006 لتولي رئاسة الحكومة لولاية ثالثة على العملية السياسية في العراق، إلا أنه بدا أمس أنه حتى رئاسة البرلمان مسألة معقدة تحتاج إلى توافقات سياسية عابرة للكتل. وفاز ائتلاف المالكي بأكبر عدد من مقاعد البرلمان (92 من بين 328) مقارنة باللوائح الأخرى في الانتخابات التشريعية التي جرت في أواخر أبريل (نيسان) الماضي، إلا أن هذا الانتصار لا يضمن للمالكي البقاء على رأس الحكومة.
ويتعرض رئيس الوزراء إلى انتقادات داخلية وخارجية خصوصا حيال استراتيجيته الأمنية في ظل التدهور الأمني الكبير في البلاد وسيطرة المسلحين المتطرفين على مساحات واسعة من العراق، ويواجه كذلك اتهامات بتهميش السنة واحتكار الحكم.
ويطالب خصومه السياسيون كتلة «التحالف الوطني»، أكبر تحالف للأحزاب الشيعية، بترشيح سياسي آخر لرئاسة الوزراء، فيما يصر هو على أحقيته في تشكيل الحكومة، علما بأنه ترأس حكومته الثانية رغم أن لائحته النيابية لم تفز في 2010 بأكبر عدد من مقاعد البرلمان.
وعد الخبير القانوني طارق حرب، رئيس جمعية الثقافة القانونية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «مجرد عقد الجلسة وحضور عدد كبير من الأعضاء الجلسة الأولى وترديد القسم يعد إنجازا بحد ذاته يجب أن لا نغمطه حقه. وبشأن ما إذا كان رفع الجلسة بالطريقة التي بدت قسرية إنما يمثل التفافا على قرار المحكمة الاتحادية بعدم إبقائها مفتوحة على غرار ما حصل عام 2010 حيث بقيت الجلسة مفتوحة لمدة سبعة أشهر، قال حرب إن «المسألة الأولى هنا أنه إذا كان النواب الذين أدوا القسم هدفهم هو منحهم الحصانة النيابية والامتيازات من رواتب ومخصصات وحمايات فقط فإنه يعد التفافا على إرادة الشعب الذي انتخبهم، أما إذا كان الهدف هو إتاحة الفرصة ولمدة معينة للخروج باتفاق حول مرشحيهم للمناصب السيادية فهذا أمر لا غبار عليه»، مبينا أنه «في حال استمر رفع الجلسات بدعوى عدم الاتفاق لأكثر من مرة ولمدد مختلفة فإنه بلا شك يمثل التفافا لأن المحكمة الاتحادية أصدرت قرارها لكي تلزم القيادات والكتل السياسية نفسها بأوقات دستورية محددة لإنهاء الأزمة السياسية والاتفاق على الرئاسات الثلاث».
وبينما أخفق التحالف الوطني الشيعي في التوصل إلى مرشحه لرئاسة الحكومة فإن كلا من كتلتي التحالف الكردستاني وتحالف القوى الوطنية العراقية امتنع عن تقديم مرشحه لرئاستي الجمهورية والبرلمان وذلك بهدف «ممارسة أقصى قدر من الضغط على التحالف الوطني لحسم أمره»، طبقا لما أبلغ به «الشرق الأوسط» قيادي كردي طلب عدم الكشف عن اسمه. وأضاف القيادي أن «الأكراد والعرب السنة رأوا حتى ربما دون تنسيق مسبق أن طرح المرشح لرئاسة البرلمان (سني) والجمهورية (كردي) يعني مجازفة من قبلهما خشية أن يكون المرشح لرئاسة الحكومة هو رئيس الوزراء الحالي وزعيم دولة القانون نوري المالكي المرفوض من قبلهما». وأوضح القيادي الكردي أن «العرب السنة والكرد يريدون معرفة مدى قدرة كل من الصدريين والمجلس الأعلى الإسلامي على الضغط على باقي قوى التحالف الشيعي لاختيار بديل عن المالكي، عندها فإنهم لن يجدوا رغم الخلافات بين مكوناتهم صعوبة كبيرة في الاتفاق على مرشحيهم لرئاستي الجمهورية والبرلمان». وأكد أن «لدى العرب السنة والكرد خيارات أخرى قد تصل إلى عدم المشاركة في الحكومة في حال بقاء المالكي».
من جهة ثانية، نصح مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، المالكي بعدم الترشح، وذلك عشية عقد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد. وقال الصدر في بيان: «أنصح الأخ المالكي بأن يكون مقدما للمصالح العامة على الخاصة بأن لا يرشح نفسه لولاية ثالثة، فإن ذلك ما يرغب فيه الشركاء أجمعون، بل هي رغبة المرجعية أيضا والكثير من أطياف الشعب، فإذا فعل فهو يستحق منا الشكر لتقديمه مصالح العراق، وستحفظ مكانته الجديدة على كل حال».
في السياق نفسه، أكد عضو البرلمان العراقي عن كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري حاكم الزاملي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «ائتلاف دولة القانون لم يقدم أي مرشح بديل عن المالكي وما قيل بشأن ترشيح طارق نجم وعلي الأديب مجرد تكهنات من أطراف أخرى؛ لأن ائتلاف دولة القانون يصر على ترشيح المالكي في وقت لم تتمكن فيه اللجنة المشكلة من قيادات التحالف من حسم المرشح لرئاسة الحكومة من بين المرشحين الثلاثة المالكي وعبد المهدي والجلبي». وأضاف الزاملي أنه «في حال لم يجر اختيار المرشح وفق الآليات التي وضعت لهذا الغرض فإنه قد يجري اللجوء إلى البرلمان بالمرشحين الثلاثة للتصويت على واحد منهم، إذ إنه من ضمن الضوابط التي وضعت لاختيار رئيس الوزراء أن يكون مقبولا من الكتل الأخرى وليس من داخل التحالف الوطني فقط».
سجال في البرلمان العراقي.. و«داعش» يدعو «مسلمي العالم» للهجرة إلى «دولته»
بارزاني: استفتاء على الاستقلال خلال أشهر * قصف بالهاون يستهدف مرقدي سامراء
الأربعاء - 4 شهر رمضان 1435 هـ - 02 يوليو 2014 مـ


بغداد: حمزة مصطفى