جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

إيطاليا: اليمين المتشدد يزحف على روما

الطرقُ، هذه الأيام، لم تعد تقود إلى روما، بعد اكتساح الائتلاف اليميني المتشدد بقيادة السيدة جورجيا ميلوني، زعيمة حزب «إخوة إيطاليا»، للانتخابات النيابية في الأسبوع الماضي، ووصوله إلى السلطة. النجاح الانتخابي للائتلاف اليميني المتشدد لم يكن مفاجأة، بل كان متوقعاً. 26 في المائة من الناخبين الإيطاليين صوتوا لصالح حزب «إخوة إيطاليا»، وهو حزب يميني متشدد منبثق من إرث فاشي. هذه النسبة من الأصوات تفوق مجموع ما تحصّل عليه الشريكان الآخران في الائتلاف: حزب «فورسا إيطاليا» بقيادة سيلفيو بيرلسكوني، وحزب «الرابطة» بقيادة ماتيو سالفيني. الائتلاف تحصّل على نسبة 44 في المائة من الأصوات، الأمر الذي يضمن له أغلبية مريحة في مجلسي النواب والشيوخ. وهذه النسبة دون أغلبية الثلثين التي تتيح للبرلمان إجراء تغييرات دستورية من دون العودة للشعب. التقارير الإعلامية تعزو ذلك النجاح إلى انقسام اليسار الإيطالي، وفشل قادته في تجاوز خلافاتهم.
السيدة ميلوني ابنة الأزقة الفقيرة، في عاصمة الإمبراطورية الرومانية، وعاصمة الحركة الفاشية بقيادة بينيتو موسوليني، تستعد لتكون قريباً جداً، أول امرأة، منذ الوحدة الإيطالية عام 1861 تعتلي كرسي الحكم، وتتولى قيادة السفينة الإيطالية في بحر متلاطم الأمواج داخلياً، وشديد العواصف دولياً. وهي أول رئيس حكومة إيطالية تنتخب مباشرة من الشعب منذ 14 عاماً. الحكومات قبلها كانت تشكل باتفاقات من بقايا حكومات فاشلة أو تكنوقراط. رئيس الحكومة السابق ماريو دراغي وصل إلى كرسي الحكم من دون انتخابات. السيدة ميلوني لن تتمتع بشهر عسل طويل بسبب ما ستجده في انتظارها من مشاكل مستعصية. الدّيْن العام الإيطالي يبلغ نسبة 150 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، مضافاً إلى ذلك تفاقم التضخم وارتفاع الأسعار. والبرنامج السياسي للحكومة القادمة يقترح تخفيض الضرائب للأفراد والشركات، وزيادة الإنفاق على المعاشات التقاعدية، ورفع قيمة الإعانات العائلية، الأمر الذي يزيد من مخاوف الأسواق المالية. هناك أيضاً إشكالية أكثر من ثلاثة أرباع مليون مهاجر غير شرعي يعيشون في البلاد.
وفي بروكسل القلقة، ينهمك فريق من الخبراء والمحللين السياسيين في تخمين نوعية وطبيعة الطريق الذي من الممكن أن تسلكه رئيسة الحكومة الجديدة في روما، ومدى انعكاس تداعياته -سلباً وإيجاباً- على الاتحاد الأوروبي. الحرب الأوكرانية-الروسية وتعقد مساراتها، والتهديدات التي تشكلها على أوروبا والسلام الدولي، وتباين المواقف من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بين السيدة ميلوني والشريكين في الائتلاف اليميني بيرلسكوني وسالفيني، ستكون مشمولة في حسابات الفريق. والسبب: لأن إيطاليا عضو مؤسس في الاتحاد الأوروبي، وثالث أكبر اقتصاد بين أعضائه الثمانية والعشرين. وسقوطها في أيدي اليمين المتشدد، وفي هذه الأوقات العصيبة، سياسياً واقتصادياً، قد يضر كثيراً بالوحدة الأوروبية، التي تجلت خلال أزمة الوباء الفيروسي، وتقوّت في الموقف المتشدد من روسيا عقب اجتياحها لأوكرانيا. التقارير الإعلامية الأوروبية لا تتردد في الحديث عن قلة خبرة السيدة ميلوني سياسياً واقتصادياً، مقارنة بعمق الخبرة لدى رئيس الحكومة السابق السيد ماريو دراغي. ويراهن كثير من المعلقين الأوروبيين على أن السيدة ميلوني لن تحظى بنفس الدرجة من الاحترام والتوقير اللذين حظيا بهما السيد دراغي في الساحة الدولية، نتيجة الدور الذي لعبه في حشد دول الاتحاد الأوروبي على فرض العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وفي حُسن الأداء الاقتصادي خلال أزمة الوباء الفيروسي. المعلقون السياسيون الإيطاليون وغيرهم يقللون من المخاوف ذات الصلة بإمكانية تردي العلاقة بين روما وبروكسل.
ويرون أن السيدة ميلوني لن تغامر بتعريض العلاقة للخطر، لأنها ستحرم من المساعدات المالية المجانية الموعودة من قبل بروكسل، والتي تقدر بـ200 مليار يورو مخصصة للتعافي من أضرار الأزمة الوبائية، وتقدم على دفعات. والشرط الوحيد هو استمرار الحكومة الجديدة في مواصلة البرنامج الاقتصادي الذي صممه ونفذه رئيس الحكومة السابق السيد دراغي بالاتفاق مع رئاسة الاتحاد الأوروبي. إلا أن هذه المحاذير، على ما يبدو، ليست كافية لبذر الطمأنينة لدى قادة الاتحاد الأوروبي، الأمر الذى دفع رئيسة المفوضية الأوروبية إلى التهديد بأن الاتحاد الأوروبي يملك من الوسائل ما يكفي لردع الحكومة الجديدة في إيطاليا، إن سعت إلى نبذ قوانين الاتحاد ونظمه، أو تحدت مؤسساته.
رؤساء الحكومات السابقون في إيطاليا، منذ عام 1945، أخفقوا في البقاء على كرسي الحكم لفترات زمنية تزيد على 18 شهراً، وهم، على الإجمال، ضعفاء داخلياً. والاحتمال الأكثر بروزاً، في آراء المعلقين، هو أن السيدة ميلوني لن تكون استثناءً، بل من المحتمل جداً أن تواجه نفس المصير، ولن تتمكن من تكملة المدة المقررة في غرفة القيادة، لأن الائتلاف الذي تقوده لا يخلو من تناقضات واختلافات، ومن الممكن أن تبرز طافية على السطح بعد فترة قصيرة، خاصة من قبل زعيم حزب الرابطة ماتيو سالفيني، الذي جاء نجاح السيدة ميلوني على حسابه، وخاصة في منطقة فينيتو شمال شرقي إيطاليا، التي تعد معقل أنصاره.