رضوان السيد
كاتب وأكاديميّ وسياسي لبناني وأستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية

علاقة الدين بالدولة في السيرة العلمية

يعود اهتمامي بعلائق الدين بالدولة إلى بدء التحضير لاختيار موضوع الأطروحة بألمانيا عام 1974. كان الأستاذ جوزيف فان أس، وقد عرضتُ عليه أحد موضوعين للأُطروحة: «أهل الحديث ونشأة أهل السنة في القرن الثاني الهجري» - أو «ثورة ابن الأشعث والقراء 82 - 84هـ»؛ يفضّل الموضوع الأول. إنما وقتها قرأتُ لتلمان ناغل، الأستاذ بجامعة بون يومها أنّ «القراء» الذين ثاروا على الحجاج مع عبد الرحمن بن الأشعث، كانوا المجموعة الأولى، التي نافست الدولة على الاستئثار بالسلطة في الدين.

الأصدقاء والكتب ورمضان

نفتقد الكتب كما نفتقد الأصدقاء. وزعم الجاحظ أنّ صداقة الكتاب أهمّ وآنَسُ من صداقة الخلّان. وما قصّر المتنبي حين ذهب إلى أنّ خير جليسٍ في الأنام كتاب. وقصصي مع الكتب بالغة القدم والعراقة؛ فأول كتابٍ اشتريته من غير الكتب المدرسية كان كتاب «فتوح البلدان» للبلاذري في صيف العام 1964. كانت نشرته لأستاذين لبنانيين وله غلاف لمّاع، وقد عرفت فيما بعد عندما تقدمت في السن والدراسة بين مصر وألمانيا أنّ النشرة ليست علمية، والأفضل نشرتا المستشرق دي غويه وصلاح الدين المنجد للكتاب. لكنْ لِمَ أُزعجُ القراء بأخبار النشرات؟! أُغرمتُ بالنص التاريخي وقرأته خلال عامٍ أكثر من عشر مرات.

الحضارة باعتبارها عملاً من أعمال الإرادة

اشتهرت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي أطروحة المفكر الجزائري مالك بن نبي عن «القابلية للاستعمار» وهي ذات جانبين: جانب الضعف البنيوي بحيث يبعث ذلك على إغراء القوى الصاعدة بمهاجمتها - وجانب الأمارة على تلك القابلية بحيث يسود الولع من جانب «المغلوب بتقليد الغالب» بحسب القاعدة الخلدونية المعروفة. وبذلك فقد كانت رؤية مالك بن نبي هذه آخر صِيَغ تعليل انحطاط الألف عام الذي التقى على القول به المستشرقون ونقّاد التقليد من العرب والمسلمين منذ أواخر القرن التاسع عشر. وفي الحالتين أو الزمانين ما كانت رؤية الانحطاط هذه بديهية.

العربي واستقبال الجديد

ما بقي أحدٌ من المراقبين والمعلِّقين العرب إلاّ وأمّل أن تكون إيران صادقة في وعود عدم التدخل وعلاقات المصالحة وحُسن الجوار. ويرجع ذلك إلى الأضرار الهائلة التي تعمدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إنزالها بمجتمعات سائر دول المشرق العربي، ومعظم دول الخليج. وقبل ظهور المشكلة التي صارت حرباً داخلية باليمن، كان هناك ذلك الانقسام الطائفي الذي استند إلى وعي مستجد وانشقاقي نشرته دعاوى تصدير الثورة، ودعوات الثأر لآل البيت، ومحاولات التغيير الديموغرافي والمذهبي، بل التاريخي في سائر الأنحاء العربية.

كيف يحصل الإصلاح؟ أهمية التاريخ الثقافي

توماس باور، أستاذ ألماني يعمل منذ ثلاثة عقودٍ ونيف على التاريخ الفكري والأدبي للحضارة العربية والإسلامية بطرائق مختلفة عما اعتاده المستشرقون، وعما اعتاده المفكرون العرب في الأزمنة الحديثة. المستشرقون الذين أدان إدوارد سعيد مقارباتهم الشاملة للحضارة الإسلامية باعتبارها انحيازاً لوجهات نظر غربية تخدم السيطرة والسطوة في الزمن الاستعماري، يرى فيها باور تفسيراً ناقصاً أو بدءاً من الموقع الخطأ؛ ولذلك لا بد من البدء من الرؤية الغربية نفسها للحضارة الغربية.

الثقافة والسياسة والمعايير الأخلاقية

ازدهر التعليل الثقافي للأحداث والسياسات إبان الحرب على العراق عام 2003. فالعراق، بحسب الأميركان، يفتقر إلى ثقافة الدولة والمسؤولية؛ نظراً لافتقاره إلى المجتمع المدني وسواد الديكتاتورية. وهكذا فإنّ أميركا ذاهبةٌ إلى العراق ليس للقضاء على الخطر النووي فقط؛ بل لتعيد بناء ثقافة الدولة التي غابت عنه. لكن عندما فشل الغزو واتجهت أميركا للانسحاب من البلاد 2008 - 2010، كان هناك من قال من جديد إنّ الثقافة السائدة لا تساعد على بناء الديمقراطية. وبذلك جرى تعليل ظاهرة «داعش» بعد «القاعدة» وتعملق التطرف الذي اختطف الإسلام وسيطر باسمه، واضطر الجيوش الأميركية للعودة للعراق.

الأخلاق ومطالب السياسة الخارجية؟

عندما كنتُ أعد مع الزملاء في جامعة محمد بن زايد لإصدار العدد الأول من مجلة قراءات لمراجعات الكتب الجديدة، اقترح علينا الدكتور البدر الشاطري الأستاذ بكلية الدفاع الوطني بالإمارات، أن يراجع للمجلة أو يقرأ كتاب المفكر الاستراتيجي الأميركي جوزيف ناي عن دور الأخلاق في السياسة الخارجية الأميركية! ولأنني ما كنتُ قد اطّلعتُ على الكتاب الجديد وقتها، فقد سارعتُ لقراءته، ففوجئتُ بأنّ الكتاب الذي اشتهر بسرعة ليس تأليفاً نقدياً كما عودنا الاستراتيجيون الأميركيون في الأزمنة المفصلية مثل الزمن الحاضر. بل هو أدنى للتسويغ أو التبرير والمعذرة.

اخترتَ يومَ الهول يوم وداعِ؟!

هو أسبوعٌ نادراً ما يمرُّ مثله على العرب وعلى العالم. كان غسان شربل الصحافي المحقق البارز ورئيس تحرير جريدة «الشرق الأوسط» ينشر مقابلةً مع ليلى خالد عن عملها مع وديع حداد في مطالع سبعينات القرن الماضي في خطف الطائرات، من أجل «التنبيه» وقْتَها إلى عدم نسيان قضية الشعب الفلسطيني! وفي تفاصيل العمليات وخلالها يمرُّ ذكر الرئيس رفيق الحريري، باعتباره أحد من كانوا يهرّبون السلاح إلى أوروبا لصالح وديع حداد! وكان ذلك مفاجئاً لي بالفعل.

الحاجة إلى السلام وإمكان الإسهام

خلال الحرب الباردة (1950 - 1990) وأياً تكن نوعية الأزمات الباقية أو العارضة، كان القطبان الكبيران يلتقيان سراً أو علناً، فإذا جرى اتفاق من ضمن التعايش الدولي الذي يتجنب الخطر النووي، انعقد مجلس الأمن، وكانت هناك مهادنة أو تأجيل أو معالجات وحلول. وفي حقبة الهيمنة الأميركية بعد انقضاء الحرب الباردة (1990 - 2008) كانت الولايات المتحدة تفرض وجهة نظرها، ولو بالحرب. وعندما تعرضت الولايات المتحدة للهجوم الإرهابي (2001) جرّت العالم وراءها على مدى عقدٍ ونصف العقد، باعتبار أنّ ما يهدّد أمن أميركا يهدّد أمن العالم.

القرآن: قوة الرمز وتحدياته!

منذ نحو العقدين، ظلت أنجيليكا نويفرت الدارسة الكبيرة للقرآن تتحدانا وتتحدى المستشرقين الجدد بالإصرار على أنّ القرآن مثل العهدين القديم والجديد هو من الكتب المقدسة التي تبلورت رسالتها وثقافتها في العصور الكلاسيكية المتأخرة (بين القرنين الرابع والسابع للميلاد)، ولأنه كذلك فهو أوروبي أو ينبغي أن يكون كذلك مثلما هما الكتابان الآخران؛ نظراً لموقعهما المعتبر في ثقافة القارة القديمة! والأطروحة طويلة ومعقدة، لكنها صارت ديدن عشرات الباحثين في الكلاسيكيات، والذين تجاوزوا الأطروحات الساذجة أو التبشيرية في دَين القرآن للكتابين.