محمد النغيمش
كاتب كويتي

مغالطات منطقية!

المنطق الذي نتكلم به قد يحمل في طياته مغالطات عدة. ولن يتخيل المرء سطحية طرحه إلا بتأمل تلك المغالطات جيداً. وحبذا لو كانت تلك المغالطات مكتوبة في قائمة مطولة أو كتاب. من تلك الهفوات مغالطة التعميم المتسرع (hasty generalization)؛ كمن يكرمه رجل تركي، فيقول: الأتراك كلهم كرماء. أو يصدمه عربي بشدة بخله، فينعت معاشر العرب بالبخل. وليس كل تعميم منبوذ. ففي عالم البحث العلمي، إذا خطى الباحثون خطوات كمية معينة من وجهة نظر الإحصائيين، صار يمكن تعميم نتائجهم على مجتمع الدراسة أو الشعب أو القرية أو قطاع عريض من الناس.

«قِصَّتي»

درسنا في جامعة «هارفارد»، على يد أحد كبار علماء فنون التأثير في الآخرين، البروفسور غاري أوون، أن تأثير القصة أقوى بكثير مما يتخيل المرء. وتدعم ذلك دراسات رصينة. والأعجب أن القصة، وإن لم تكن موضوعية، أي يغلب عليها السرد الوجداني، إلا أنها تُسهم في إقناع المستمع، ومن ثمة دفعه، أحياناً، لاتخاذ قرارات في هذا الاتجاه. ولذا كانت القصة تقف وراء كل صفقة، وإلهام، وإعجاب، وإقناع، وإمتاع. ولو توغلنا في ذاكرة البشر لعثرنا على جواهر مكنونة من درر ما تناهى إلى أسماعهم أو تجاربهم الذاتية. ذلك أن القصة ذات المغزى ترسخ في وجدان المرء وعقله. ناهيك إذا كانت قصة حقيقية.

نزعة العرب والاسكندنافيين

لا يحبذ العقلانيون النظر إلى الشعوب من منظور الانطباعات الفردية. ولذا حينما نخوض في مقارنة بين العرب وأكثر الشعوب تمدناً في العالم (الاسكندنافيين)، بحكم تقدمهم في مراكز متقدمة في معظم مؤشرات التنمية البشرية وغيرها، فإن الأمر يتطلب رأياً علمياً يثير اهتمام أولئك الموضوعيين. ومن أشهر من قارن الشعوب في العصر الحديث، العلامة هوفستد، الذي أسميه «ابن خلدون العصر الحديث»، إذ وجدت في أبحاثه الهائلة المنشورة في نحو 1000 صفحة بمجلد ضخم، أن العرب يختلفون اختلافاً جذرياً عن الاسكندنافيين في مجالات عدة، منها أربعة مؤشرات بارزة.

من يفسد حواراتنا؟

في كل اجتماع، ولقاء، وبرنامج حواري، هناك من يفسد علينا متعة الإنصات إلى أحاديث شيقة. هذه الآفة لا تدعنا وشأننا فهي تأبى إلا أن تحشر نفسها في كل شاردة وواردة. تجيب قبل أن تفهم السؤال وتنسى أن نصف الإجابة في فهم السؤال! تسأل قبل أن تدرك الفكرة. تهاجم قبل أن تستوعب. تلاسن قبل أن تحسن الظن. توئِد الفكرة قبل أن تصغي إلى آخر المتحدثين. تعارض قبل تدبر باقي الخيارات. هذه الآفة تظن واهمة أنها قبلة الجالسين وأنيسهم، وأن متعة الأحاديث لن تتجلى إلا بتعليقاتها السطحية! والأسوأ أن تصاحبك تلك الآفة الثرثارة في رحلة طائرة أو سيارة فيُسقط في يدك.

حالة التيه والرؤية

كلما رأيت مؤسسة أو قيادياً يتخبط في قراراته، تذكرت رواية «أليس في بلاد العجائب» التي كتبها عالم الرياضيات الإنجليزي تشارلز دودغسون، في نهاية القرن الـ18، باسم مستعار، خشية تندر الناس منه. غير أنه قد ضرب في قصته «الوتر الحساس» كما يقال، أو نكأ جراح البعض ممن يعاني من تخبط القياديين من حوله. وذلك حينما ذكر قصة «أليس» الخيالية، التي سقطت في جحر أرنب فتاهت به إلى بلاد العجائب. حيث سألت قطة رأتها صدفة: أي طريق يمكنني أن أسلك؟ فقالت القطة: هذا الأمر يعتمد على وجهتك المقصودة. فقالت «أليس»: لا أعلم.

استراتيجيات الاستنزاف

منذ بدء الخليقة، أيقن الإنسان أنه لن يحصل على مراده إلا عبر صورة من صور التفاوض. ولذا كانت التجمعات البشرية أو القبائل، تبحث عن بدائل أخرى غير المواجهة الحادة. فأنقذ مبدأ التفاوض البشرية. المفارقة أن البشر نجحوا في التفنن في تطوير أساليب كثيرة للتفاوض، وفي مقدمتها «استراتيجية الاستنزاف». فكما أن هناك حرباً لاستنزاف مقدرات العدو وجهوده، فإننا كخصوم أفراد، يمارس علينا نوع من أنواع استنزاف طاقاتنا، حتى نكون مضطرين للتسليم لما تبقى من شروط، قد تكون مجحفة بحقنا.

جعجعة بلا طحن

في اجتماعات العمل، نحكم على فعالية المشاركين من نسبة تبني مقترحاتهم أو أفكارهم إلى القرارات المتخذة في نهاية الاجتماع. فإذا تبنى المجتمعون ثلاثة مقترحات لمشارك من أصل 10 مقترحات إجمالية للمجتمعين، فإن نسبة فعالية ذلك المشارك كانت 30 في المائة، وهي نسبة كبيرة جداً، ودليل على أن غياب العناصر الفاعلة عن لقاءاتنا يؤثر سلباً. وعلى النقيض، هناك من يثرثر طوال الاجتماع، لكن أحداً لن يلتفت إليه حينما يتعلق الأمر باتخاذ القرارات، لأن محصلة مداخلاته لا تعدو كونها تعليقات هامشية. بعبارة أخرى، تنطبق عليه مقولة «أسْمَعُ جَعْجَعَة، وَلَا أَرَى طَحْناً».

العنب والناطور والقيادة

يروى أن الأميركيين حينما أرادوا الصعود إلى الفضاء الخارجي، اخترعوا قلم حبر مضغوط بحيث يستطيع رائد الفضاء التغلب على مشكلة انعدام الجاذبية. ورصدوا لذلك نحو مليون دولار. غير أن السوفيات، آنذاك، لم يشغلوا أنفسهم بعناء «إعادة اكتشاف العجلة»، فاستخدموا قلم رصاص يفي بالغرض! وأتخيل لو أن أحداً في «ناسا» اقترح فكرة القلم الرصاص لربما ناله سيل من التندر أو التجاهل من مسؤوليه. هذه القصة الشهيرة في أدبيات الإدارة تروى في سبيل التهكم أو التعريض بالمسؤولين الذين ينشغلون بالإجراءات، ويعقدون الأمور، وينسون منح العاملين معهم حرية اختيار الطريقة المثلى للوصول إلى النتيجة المرجوة من كلا الطرفين.

الغباء المستحكم

ما أسوأ أن تعمل مع أغبياء! ولذا تقدم بعض المؤسسات اختبار الذكاء (IQ) للتأكد من أن المنضم إلى صفوفهم قد اجتاز عتبة «الغباء المستحكم»! القصة التي نشرتها صحيفة «الشرق الأوسط» في صفحتها الأخيرة، تصور ورطة التعامل مع الأغبياء. وذلك حينما اقتحم لصوص متجراً في بلجيكا، فأقنعهم صاحب المحل بأنه سيكون لديه مبلغ أكبر من المال إذا ما حضروا في نهاية الدوام. لأول وهلة ظننت أنه كان يحاول عبثاً أن يصرفهم؛ لكنه كان بالفعل ذكياً؛ إذ نصب لهم كميناً بالتعاون مع عناصر الشرطة الذين لم يصدقوا أصلاً أن اللصوص بهذا الغباء؛ لكنهم جاؤوا على مضض.

أشهر شفرة في التاريخ

أكتب هذا المقال من المدينة الإنجليزية العريقة بليتشلي بارك؛ حيث اخترق رجالها أشهر شفرة في التاريخ الحديث لآلة «إنغما» للجيش النازي الألماني. هذه الشفرة المخترقة عبر جهاز، ابتكره آلن تورينغ، حفظت أرواح الملايين، في حرب قيل إنها قصرت مدتها عامين بفضل هذه الشفرة المخترقة. وربما لم تولد اليوم هذه الأجيال، لو أن هتلر نجح في الحرب العالمية الثانية. وكانت الآلة المبتكرة نواة لأول حاسوب من نوعه في العالم؛ إذ كان يحسب بسرعة هائلة الخيارات التي يجب استبعادها من قائمة الاحتمالات. «إنغما» enigma حسبما قرأت في قاموس «أوكسفورد»، هي كلمة إنجليزية تعني «لغزاً»، أو شيئاً غامضاً أو محيراً.