غسان الإمام
صحافي وكاتب سوري

لا مستقبل لسوريا مع هكذا نظام ومعارضات

انتهت أميركا في حلب إلى ما رسمته لها سلفًا روسيا. فقد وُضع جون كيري في «برواز» الصورة على هامش سيرغي لافروف. لا في صميم الحل والموضوع. «بروزة» وزير الخارجية الأميركي، على هذه الصورة المزرية، تتناسب مع وضع إدارة أميركية فاشلة، تتسلى بعدِّ أيامها الأخيرة على أصابعها. وعلى حساب سمعتها ومكانتها في العالم، أمام حلفائها قبل أعدائها. ربما بدأت الآن معركة محافظة إدلب الجارة الغربية لمحافظة حلب. فقد تم تجميع أكوام المدنيين الذين هجَّرهم النظام. وتحشيد المعارضات المسلحة المتزمتة والمعتدلة، تحت قيادة وإشراف «جبهة النصرة» القاعدية. محافظة إدلب جاهزة الآن لتلقي «الخبيط» الجوي الروسي والسوري.

سيجار ولحية وضمير ثوري

الثورة فعل غاضب. نادرًا ما كان الثائر باسمًا. كان فيدل كاسترو الذي مات منذ أيام ساخرًا. سخر الثائر الكوبي من كل الذين حاولوا قلبه. أو اغتياله: أعطني العمر. وألقني في البحر. كل مياه البحار والمحيطات لم تكن كافية لإغراق كاسترو. كان أطول وأعلى من الأمواج. ومات خصومه وأعداؤه أقصر عمرًا منه. وعاش هو إلى التسعين. عندما أدرك كاسترو أن الموت قادم لا محالة. والفناء حقيقة محتمة، أمر بأن يحرق جثمانه. رفض أن يحنط كماو ولينين. أبى أن يودع في صندوق زجاجي جثة. هامدة. باردة. مخيفة. مقززة. حتى في موته، كان كاسترو غريبًا. غير مفهوم. كان ساخرًا. هازلاً. هازئًا بالنقيضين.

عن الديمقراطية والعولمة والحرية التجارية

هل الغرب (أميركا وأوروبا الغربية) في انحدار؟ هناك مَنْ ينفي. لكن يعترف بنشوب أزمات متعاقبة، بعد انهيار النظام الشيوعي (1991)، هزت وتهز النظام الرأسمالي. والمؤسسة الديمقراطية الليبرالية التي حكمت الغرب 70 سنة، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وتعصف بالحكومة المالية التي تتحكم بالعالم خفية، عبر العولمة. والحرية التجارية. لم تعد السلطة التشريعية المنتخبة تتحكم بالقرار السياسي. فقد اهترأ فن المساومة والتسوية. وتسيطر على القرار المؤسسة الرئاسية. ونزل الحوار إلى الشارع. وباتت تشارك في إدارته قوى غير ديمقراطية، كقوى اليمين المتطرف والشعبوي في الغرب.

ملاحم الحرب والسلم عند العرب

السلم في حياة العرب المعاصرين هدنة قصيرة في حروب مفجعة بينهم وبين مستعمريهم. وجيرانهم. وأقلياتهم الدينية والعرقية. وكلها دارت على مساحة وطنهم البالغة 12 مليون كيلومتر مربع. والمعادلة لمساحة الولايات المتحدة الأميركية. هالني عدد هذه الحروب. أحصيت نحو 25 نوعًا من الحروب العربية التي دارت منذ مطلع القرن العشرين إلى الآن. مع هذه الحروب، يصح التساؤل: هل العرب أمة واحدة حقًا؟ نعم، العرب أمة واحدة، ولو كره المترددون. والناكرون. فالأفراح. والآلام. والعواطف. والمصالح. واللغة. والثقافة. والدين، دليل شاهد على أنهم أمة واحدة.

التعايش مع رئيس يجافي العرب

منذ أن وعيت العيش على كوكبنا الأرضي، تابعت باهتمام ما يجري على الكوكب الفضائي المجاور. الكوكب الأميركي. وكان اهتمامي مركزًا على سذاجة الحراك السياسي الأميركي الذي لم يتجاوز قط محدودية فكر حمار ديمقراطي. وضحالة فيل جمهوري. لكن دهشتي تركزت على الثقافة الشعبية الأميركية، كما صاغها وصورها اليهود المهاجرون من «الغيتو» المعزول في القارة الأوروبية القديمة. هذه الثقافة فرضت أميركا على الأجيال الشبابية العالمية، كالقوة الأكبر والأجمل في الفضاء الكوني الذي نسبح فيه مع أميركا، متأثرين بسيجارة همفري بوغارت. وشارب كلارك غيبل. ومسدس جون وين. و«كاسكيت» مارلون براندو.

هل يمكن كسب الحرب من الجو؟

طار عباس بن فرناس. فوقع على مؤخرته. وانكسر عموده الفقري. لو أنه أدرك كيف يحط الطائر على مؤخرته، لكانت لدى العرب اليوم صناعة طائرات حربية متقدمة على الـ«إف» الأميركية. والسوخوي الروسية. بعد طوفان سيدنا نوح، دارت الحروب التي فتكت بملايين البشر، على البر. وكانت نصيحة أبي العلاء المعري للناس، بتخفيف وطأة أقدامهم على الأرض: «فما أظن أديم الأرض، إلا من هذه الأجساد». ولأن الفيلسوف المعري اكتشف سر التراب المجبول بالعظام الفانية، فقد كفرته «جبهة النصرة». وأطاحت برأسه من نصبه التذكاري في مدينة المعرة. ابتكرت الرأسمالية الصناعية المدافع. والقنابل.

تصدُّع الكتلة السنيّة في المشرق العربي

حجزت تركيا لنفسها مقعدًا إلى مائدة تشريح سوريا والعراق لتغييبهما. أو لرسم مستقبل لهما يحافظ على وحدة كل منهما. وأثبت رجب طيب إردوغان أنه رسام مناور. ماهر في رسم خرائط الجغرافيا السياسية، تمامًا كما فعل الرسام مصطفى كمال (أتاتورك) الذي استغنى عن الإمبراطورية العثمانية، من أجل المحافظة على تركيا كدولة. ووطن. ودور في المنطقة والعالم. إردوغان مع التاريخ. فهو مسكون بالحنين إلى استعادة الطيف الديني للإمبراطورية العثمانية. وحماية غالبية شعوبها السنية من التصدع والتفتت، بمعاول إيران. و«داعش». والأكراد. وروسيا. والنظام العلوي السوري. وإردوغان ضد التاريخ.

عون المرشح المسافر في «سلة» الحريري!

أمضى رياض الصلح الزعيم التاريخي للسنة اللبنانية أربعينات القرن العشرين، وهو يشكل الحكومات. ثم يستقيل منها، لإسناد رئاستها إلى زعماء سنة آخرين يمارسون الثرثرة ضده، بانتظار دورهم لمشاركته في كعكة الحكم. السياسة في لبنان ثرثرة فضائية تمارسها الطبقة السياسية. هذه الثرثرة تحول دون تشكيل مشروع سياسي. أو اقتصادي جاد ومتكامل. وهي تنتقل إلى المجتمع الطائفي بردًا وسلامًا حينًا. وحينًا آخر تصل إعصارًا تحريضيًا كافيًا لإشعال حرب أهلية. في الثمانينات اللبنانية، استطاع مقاول كبير أن يعيد الحياة إلى مدينة بيروت التي أنهكتها الحرب الأهلية. ويشد من معنويات طائفته السنية.

انهيار فن المساومة والتسوية

الإنسان كائن ناطق. الكلمة إذن هي الأداة التي جعلته يتفوق على سائر الكائنات بسهولة الاتصال والتفاهم. الكلمة هي اللغة الصريحة الأرق من الأصوات المبهمة التي تطلقها الحيوانات. ولا ترقى إلى مستوى لغة لها قواعدها في صيانة مفرداتها واشتقاقاتها. هل نحسن استخدام الكلمة واللغة؟ لعل أحد أسباب فرادة الإنجليز كون الإنجليزية لغة عملية. محكمة البنيان (compact language). الفرنسية لغة موسيقية أجمل من الإنجليزية. لكنك تحتاج أحيانًا إلى ثلاث مفردات لتشكيل كلمة واحدة. العربية لغة صوتية رائعة. أتيح لي ذات يوم أن أخترق غابات أفريقيا الغربية. فوجدت أن لغة العبور السلمي للقبائل ما زالت العربية.

مسعى إيراني لإشعال حرب عراقية / تركية

رويت في ثلاثاء الأسبوع الماضي كيف حمل «ظريف» الخارجية الإيرانية تحذيرًا من خامنئي إلى رجب طيب إردوغان، يطالبه بعدم التدخل، لإحباط الهجوم الإيراني على حلب. ثم تبيَّن أن الهدهد الإيراني حمل أيضًا «مرسالاً» عليه طابع بريد عراقي، يبلغه فيه أن العراق دولة مستقلة عن إيران. ويطالبه بانسحاب تركيا من العراق. وكأن المنطقة العربية الموبوءة بالحروب، لا ينقصها سوى حرب عراقية / تركية! فقد كان المرسال بمثابة صفارة استنفار من طهران إلى بغداد، لشن حرب إعلامية صاخبة على تركيا. وامتلأت الحملة فورًا بالتجريح. والهياج. والاتهام. والمبالغة. والتهديد بسحب السفراء. وقطع العلاقات. وتقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد تركيا.