هند مودي... القومية بدل الإصلاح؟

جعل من «عدم الانحياز» ذكرى بعيدة بتعزيزه العلاقات مع واشنطن وتل أبيب

هند مودي... القومية بدل الإصلاح؟
TT

هند مودي... القومية بدل الإصلاح؟

هند مودي... القومية بدل الإصلاح؟

رافقت راما نيغام في يوليو (تموز) 2015 عُمّالاً إلى بيت جدتها في قرية موخراي بولاية أوتار براديش المكتظة، لتشرف على بناء دورة مياه، في إطار برنامج «الهند النظيفة» الذي أطلقه رئيس الوزراء ناريندرا مودي. وتعهد مودي في حملته الانتخابية لعام 2014 بتزويد 60 مليون بيت بدورات مياه صحية، تحافظ على نظافة المدن والقرى وتحارب تلوث المياه وانتشار الأوبئة في مناطق الهند الفقيرة، ما يؤدي إلى 80 في المائة من حالات المرض وإلى موت أطفال تحت سن الخامسة، بحسب منظمة «يونيسيف».
اليوم، بعد سنتين على دخول دورة المياه بيت جدة نيغام، وقبل أيام من الذكرى السبعين للاستقلال، تعتبر الشابة العشرينية أن رجل الهند القوي متقدم في برنامج الإصلاحات الغني الذي وعد به مواطنيه، مبدية رغم ذلك تخوفاً مما اعتبرته احتقاناً للتوترات بين مختلف مكونات المجتمع (خصوصاً الهندوسية والمسلمة منها) وازدياد الجدل حول جرائم القتل بتهمة «امتلاك لحم البقر»، وبطالة الشباب.
نجح مودي في اكتساب شعبية قد تكون الأكبر منذ عقود في الهند، فحزب الشعب الحاكم «بهاراتيا جاناتا» يتمتع بغالبية كبيرة في الغرفة السفلى في البرلمان، ويسيطر على معظم الولايات الكبيرة في البلاد. كما فاز بانتخابات محلية عديدة، ويتوقع أن يفوز في الانتخابات العامة لعام 2019، فيما تجد المعارضة نفسها يائسة وغير قادرة على تحقيق أي انتصار تشريعي مؤثر.
في الوقت الذي يسجل فيه الاقتصاد الهندي تباطؤاً بنمو لم يتجاوز 6.1 في المائة حتى مارس (آذار) الماضي، يرى المراقبون أن الظروف السياسية والاقتصادية ملائمة أكثر من أي وقت مضى لتحقيق حكومة مودي سلسلة الإصلاحات التي انتُخِب على أساسها. وتشمل هذه إلى جانب مشروع «الهند النظيفة» بحلول 2019، إصلاح قانون الإفلاس واعتماد ضريبة موحدة على السلع والخدمات وتعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر. وبينما حقق مودي عدداً من وعوده الاقتصادية، كتوحيد نظام الضرائب على السلع وقانون الإفلاس، لم يُقنِع أداؤه المراقبين الدوليين بعد تراجع الهند إلى المرتبة الثانية كأسرع نمو في العالم لاقتصاد كبير، بعد الصين. ورأت مجلة «إيكونوميست» البريطانية أن هذه الخطوات، رغم كونها مهمة، تبقى بسيطة أمام التحديات الاقتصادية الحقيقية كنظام مالي تسيطر عليه مصارف حكومية مثقلة بالديون، ما أدى إلى تراجع الإقراض لقطاع الأعمال إلى أدنى مستوياته في عشرين عاماً، وصعوبة شراء الأراضي، وقوانين العمل «المتصلبة».
ورأى غورشوران داس، وهو محلّل اقتصادي هندي تحدث إلى صحيفة «الغارديان» البريطانية، أن قرار مودي سحب الأوراق النقدية من قيمة 500 و1000 روبية «تسبب بتراجع حاد في قطاعات الصناعة والبناء، ما جعل مهمة خلق فرص عمل للخريجين الجدد صعبة للغاية».
وبهذا الصدد، كان رئيس الوزراء الهندي السابق مانموهان سينغ قد انتقد، العام الماضي، حكومة خلفه لفشلها في استغلال أسعار السلع المنخفضة لتعزيز النمو الاقتصادي. وقال سينغ لمجلة «إنديا توداي» في مقابلة إن «حكومة مودي يجب أن تستغل تحسّن الأوضاع المالية في الهند، لتعزيز الاستثمار في الاقتصاد وزيادة التوافر الائتماني للشركات». وأضاف سينغ الذي يعتبر مهندس الإصلاحات الاقتصادية التي أدت إلى سنوات من النمو السريع، أن «الحكومة لم تتمكن من الاستفادة من تراجع أسعار النفط وأسعار السلع التي خفّضت فاتورة الواردات الهندية».
ويبدو أن تراجع النمو وفرص العمل لم يؤثر على شعبية مودي داخل حزبه، إذ يتكئ على سياسات يعتبرها البعض قومية، كإصداره قرار حظر بيع الأبقار لحمايتها من الذبح، وهي خطوة جمّدتها المحكمة العليا.

صعود القومية الهندوسية على حساب العلمانية
لم تقتصر الانتقادات لأداء مودي في رئاسة الوزراء الهندية على هفوات أدائه الاقتصادي، بل عبّر كثيرون في الداخل والخارج عن قلقهم من تنامي العنف في كشمير الهندية، وتكرر حوادث عنف من قوميين هندوس ضد مواطنين بحجة أكلهم لحم البقر أو بيعه، ما أدى إلى مقتل عشرات المسلمين. وأدى تعيين رئيس الوزراء لرجل الدين الهندوسي المتشدد يوغي أديتيانات في منصب الوزير الأول لولاية أوتار براديش إلى جدل واسع في البلاد، نظراً إلى تعليقات الأخير الإقصائية والمسيئة للمسلمين، وإعلانه في أحد التجمعات الشعبية عن استعداده لـ«حرب ديانات».
وخلال عهده، أصبح التعصب سمة بارزة في الحياة السياسية، ما اعتبرته إحدى افتتاحيات صحيفة «نيويورك تايمز» تهديداً لأساس الدولة العلمانية والديمقراطية الهندية. ودعت مؤسسات المجتمع المدني الهندي ونجوم بوليوود أمثال شاروخان وأمير خان وغيرهما، إلى الابتعاد عن سياسات التعصب.
وخلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة، دعا السيناتور الديمقراطي تيم كاردين رئيس الوزراء الهندي إلى مواجهة التعصب الديني في بلاده، وعمليات القتل الخارجة على القانون وتفشي الفساد.
ويرجع البعض هذا التوجه السياسي الداخلي لمودي، الذي أكسبه سلطة كبيرة داخل حزبه «بهاراتيا جاناتا» وفي البرلمان، إلى تاريخه السياسي. وبرز بائع الشاي السابق في محطة فادناغر للقطارات داعماً لحركة اجتماعية يمينية هندوسية في السبعينات، نقلته عام 1988 إلى «حزب الشعب الهندي» الذي انتُخِب أميناً عاماً له عام 1998 في ولاية غوجارات.
وفي عام 2001، انتخب مودي رئيساً للولاية التي شهدت أحداث شغب بين الهندوس والمسلمين راح ضحيتها أكثر من ألف شخص، معظمهم من المسلمين، وانتقد فيها لعدم القيام بما يكفي لوقف الاشتباكات. ورغم تبرئته من محكمة عليا، فإن مودي لا يزال يتعرض لانتقاد شديد لعدم اعتذاره عما حصل.

ذكرى «عدم الانحياز» والتقارب مع أميركا
أعلن مودي في مقال رأي له نُشِر بصحيفة «وول ستريت جورنال»، قبل يوم من لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في واشنطن، أنه واثق من نمو التقارب بين الهند والولايات المتحدة. وعزا الثقة إلى «قوة قيمنا المشتركة واستقرار أنظمتنا»، مشيداً بزيادة «التقارب» بين المصالح والمثل الهندية - الأميركية.
لم تأتِ هذه العبارات المرحِّبَة بتقارب أميركي - هندي من فراغ، إذ شرع مودي منذ تسلُّمه رئاسة الوزراء في 2014 في إعادة هيكلة دور الهند في آسيا، طامعاً في مواجهة النفوذ الصيني في المنطقة عبر تعزيز علاقاته بواشنطن. ويوضح الزميلان هارش بانت ويوغيش جوشي في معهد «تشاتام هاوس» البريطاني، أنه على عكس الحكومات السابقة، يقود مودي «سياسة إعادة انحياز» تضع دلهي ضمن الاستراتيجية الأميركية في المنطقة. ويتابع الباحثان في دراسة تحليلية للعلاقات الأميركية - الهندية أن توجّه مودي المخالف لسياسات الحكومات السابقة يعود إلى ثلاثة عوامل: الأول يتعلّق باقتناع القائد الهندي بأن طموح بلاده الاقتصادي لن يتحقق بمعزل عن تعاون وثيق مع الولايات المتحدة. أما الثاني، فيعود إلى القوة التي يتمتع بها داخل حزبه الحاكم وفي الغرفة السفلى للبرلمان، فيما يتعلق الأخير بالمتغيرات الأمنية على الحدود الهندية التي رافقت سياسات الصين العدوانية ودعمها الاستراتيجي لباكستان.
منذ نهاية الحرب الباردة، أكدت الحكومات الهندية المتعاقبة التزامها بعلاقات جيدة مع واشنطن، إلا أن توازن القوى السياسية داخل الهند وبقايا سياسات حركة عدم الانحياز لم تشجعها على تحقيق تقارب وثيق مع الحليف الغربي وإبداء قطيعة تامّة مع السياسة الخارجية المعتمدة منذ سنوات.

تودد استراتيجي لإسرائيل
في سياق آخر، شكّلت زيارة مودي إلى إسرائيل الشهر الماضي سابقة، إذ جعلت منه أول رئيس حكومة هندي على الإطلاق يزور تل أبيب. كما أنه لم يسافر إلى رام الله ولم يلتقِ الزعماء الفلسطينيين، كما هي العادة مع الزوار البارزين. ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارة مودي بأنها «تاريخية»، وقال إنها «ستعمق التعاون في عدد واسع من المجالات، بينها الأمن والزراعة والمياه والطاقة».
واعتبر كثير من المراقبين هذه الزيارة نقطة تحول في موقف الهند إزاء إسرائيل. فعندما يتعلق الأمر بالعلاقات الهندية - الإسرائيلية، فمن الصعب تماماً تجاهل القضية الفلسطينية، إذ بدأ التضامن الهندي مع الشعب الفلسطيني منذ عهد الراحل نهرو. وأدى قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين في عام 1947 إلى نشوب الصراع غير المنتهي في منطقة غرب آسيا. وصوتت الهند ضد قرار تقسيم فلسطين الذي مهد الطريق لإنشاء دولة إسرائيل.
ورفضت دلهي إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل لأكثر من أربعة عقود حتى عام 1992. ورغم التحول في موقف رئيس الوزراء الهندي السابق بي في ناراسيمها راو، فإن الهند ظلت في طليعة الدول الداعمة للقضية الفلسطينية، حتى بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة على مستوى السفراء مع تل أبيب. وفي الواقع، رفض رئيس الوزراء السابق أتال بيهاري فاجبايي، حين كان زعيماً لحزب «بهاراتيا جاناتا» الهندي الحاكم وقتذاك، الطلب الإسرائيلي بأن تدرج الهند حركة «حماس» على قائمة المنظمات الإرهابية. لكن الأمر برمته تغير في عام 2014 بعد تولي حكومة الحزب نفسه الحكم في الهند تحت قيادة مودي.
وبمرور السنين، خففت الحكومات الهندية المتعاقبة من حدة لهجتها حيال المعاملة الإسرائيلية للفلسطينيين. ولم تعد الهند تقدم مشروعات القرارات المعادية لإسرائيل في الأمم المتحدة، واتخذت محاولات جادة لتلطيف قرارات حركة عدم الانحياز ضد الدولة العبرية.
ورغم اختلافهما حول القضية الفلسطينية، فإن الهند وإسرائيل عملتا، على مدى سنوات، عن كثب في القضايا الدفاعية، وكانت الهند من المشترين المنتظمين للسلاح من إسرائيل. والهند التي تعمل لتحديث جيشها لمواجهة باكستان والصين، هي أكبر سوق للسلاح الإسرائيلي، ويُعتَقَد أنها تشتري من تل أبيب أسلحة تبلغ قيمتها السنوية مليار دولار، حسب وكالة «رويترز».
ولمودي في هذا التوجه دور كبير، إذ ربطته علاقات طويلة مع إسرائيل التي زارها عندما كان رئيساً لوزراء ولاية غوجارات الهندية في 2006. وحين تولى رئاسة وزراء البلاد التقى مع نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماعات الجمعية العام للأمم المتحدة في دورتها السنوية التي عُقِدت العام الماضي.
ويقول مراقبون إنه من الناحية الآيديولوجية، ينتمي نتنياهو ومودي إلى المدرسة القومية ذاتها، فكلاهما يؤمن بالقومية وبـ«أصالة» عرقيهما وثقافتيهما وديانتيهما، في حين كانت القيادة الهندية السابقة تؤمن بالتنوع. ويتابع أن السبب الثاني لاهتمام مودي الفائق بإسرائيل هو أنه يعتبرها «مفتاحاً لأميركا»، ويود تحقيق توازن في ترسانة بلاده العسكرية التي تتكئ اليوم بشكل كبير على روسيا. في الوقت نفسه، يعتبر مودي أن دول الشرق الأوسط تميل إلى باكستان أكثر من الهند لاعتبارات دينية، وأن الوجود الباكستاني في الجيوش العربية كبير. ويحاول مواجهة هذا التقارب كذلك بالميل إلى إيران، عبر الاستثمار في مشاريع اقتصادية كبيرة، مثل مشروع تشابهار جنوب محافظة بلوشستان.

المعادلة الهندية - الصينية وتهديد التصعيد
لا يكون الحديث عن مكانة الهند في المنطقة كاملاً من دون التطرق إلى المقاربة الهندية - الصينية الاقتصادية والأمنية والسياسية. فالصين هي ثالث أكثر دولة في العالم تتشارك حدودها مع دول مجاورة، بعد روسيا وإيران، وتعاني من مشكلات حدودية متفاوتة الحدة مع معظم «جاراتها». وقارن أحد المحللين المخضرمين الصين بـ«جزيرة» ليست محاطة بالبحر، بل بخصوم. وتسعى بكين إلى الخروج من هذه العزلة بأسلوبين اثنين؛ الأول عبر الاستثمار في مشاريع اقتصادية بدول الجوار، وأبرز مثال على ذلك هو طريق الحرير الجديد الذي يُقيَّم بنحو تريليون دولار، ويهدف إلى تشييد سكك حديدية تمر عبر بلدان عدة ومشاريع اقتصادية في قرغيزستان وكازاخستان وتركمنستان وباكستان وغيرها.
في الوقت ذاته، يتخوف الصينيون من إحياء العلاقة الوثيقة التي جمعت روسيا والهند في الستينات، حيث قامت حروب بين هاتين الدولتين والصين. فانتصر الروس في حربهم على الصينيين وغزوا أراضي شاسعة على طول نهر أوسوري. وفي المقابل، خسرت الهند أمام الصين في عام 1962 أراضي في كشمير وشمال بوتان وغيرهما. ولا تزال فكرة الانتقام لهذه الحروب حاضرة في أذهان القادة الهنود، ويغذي هذا الطموح الدعم الصيني القوي لباكستان، عدو الهند الأول.
يُشار إلى أن بكين بدورها تتخوف من الصعود الهندي لأسباب عدة، أحدها يتعلّق بالنمو الديموغرافي. ففي وقت اعتمدت بكين سياسة الطفل الواحد، لم تتدخّل نيودلهي في تحديد النسل، وهي اليوم في طريقها لتصبح الدولة الأكبر في العالم من حيث عدد السكان الشباب.
أما التخوف الصيني الآخر، فيكمن في النموذج الاقتصادي. تعتمد الصين بالدرجة الأولى على تصدير منتجات رخيصة الثمن إلى الخارج، وتساعدها في ذلك التكاليف المنخفضة لليد العاملة. أما الهند، فتعتمد على نظام اقتصادي يقوم على إشباع السوق المحلية الضخمة أولاً ثم تصدير ما تبقى إلى الخارج.
النقطة الثالثة والأخيرة هي أن ديمقراطية الهند تقلق الجارة الصينية ذات الحزب الواحد، خصوصاً أن وسائل التواصل الحديثة تتيح للصينيين الاحتجاج ضد نظامهم السياسي والمطالبة بتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية وحرياتهم.
وفيما يُعتبر رداً صينياً على «التهديد» الهندي، اعتمدت بكين سياسة تكاد تكون استفزازية تجاه نيودلهي عبر «طريق الحرير الجديد» الذي يشكل، في نظر الهنود، مشروعاً لتطويق البلاد عسكرياً، إذ إن الصين ستصبح موجودة غربَ الهند فضلاً عن شمالها وشرقها.
بالإضافة إلى ذلك، شرعت بكين في بناء طريق عسكرية بالقرب من بوتان ستسهل اجتياح هذه المملكة الصغيرة، ما يتيح الوصول إلى الحدود الشرقية الهندية. وفي هذا الصدد، طالب الزعيم الروحي للتبت الدالاي لاما، الأربعاء الماضي، الصين والهند، بالعمل على حل المواجهة الحدودية بينهما من خلال الحوار، بعد أن أظهر الخلاف المتسارع غياب أي إشارة لتخفيف التوتر. وقال حامل نوبل في العاصمة الهندية إن «هذا (الحوار) هو السبيل الوحيد». ونقلت عنه وكالة أنباء «برس تراست» الهندية أن «تراجع طرف وهزيمته هو تفكير قديم. في الأزمنة الحديثة كل بلد يعتمد على الآخر»، لافتاً إلى أن «تدمير جارك هو تدمير لذاتك، على الهند والصين أن تتعايشا جنباً إلى جنب». ويعيش الراهب البوذي البالغ 82 عاماً في المنفى في الهند منذ هروبه، إثر انتفاضة فاشلة في التبت قبل 60 عاماً. ويعتبر وجوده في الهند منذ وقت طويل مصدر توتر في العلاقة الشائكة أساساً بين دلهي وبكين.
وتمركزت القوات الهندية في الأيام الماضية في مواجهة القوات الصينية في هضبة نائية، لكنها مهمة استراتيجياً في الهيمالايا، حيث تلتقي أراضي الهند والصين وبوتان. وتعطي الهضبة الصين مدخلاً إلى ما يسمى «عنق الدجاجة»، وهي قطعة ضيقة من الأرض تصل ولايات الهند الشمالية الشرقية ببقية البلاد. ويستعر الخلاف الحدودي منذ أكثر من شهر بعد رفض دلهي وبكين التراجع في هذه الهضبة البعيدة.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.