كثير من التساؤلات رافقت إعلان قطر عن موافقة مجلس وزرائها على مشروع قانون يؤدي في نهايته إلى توطين الأجانب العاملين على أراضي الدوحة، ومنحهم الإقامة الدائمة وتمتعهم بالحقوق الأساسية من تعليم وصحة وشراء للعقارات مثلهم مثل المواطنين.
ولعل مرد تلك التساؤلات يعود إلى توقيت هذه الخطوة ومدى علاقتها بالأزمة الناشبة بين الدوحة من جهة والدول الأربعة الداعية لمكافحة الإرهاب من جهة أخرى، إذ تعلو المخاوف من مغبة أن يكون مشروع القانون الجديد بمثابة محفز للمقيمين بعد أن سرت أنباء عن تخوف كثير منهم من تداعيات الأزمة، وبدأوا دراسة الانتقال من الدوحة، فيما يرى البعض أن هذا الإجراء قد يكون هدفه تقديم الحصانة لبعض المطلوبين والفارين من العدالة ممن تؤويهم قطر على أراضيها.
وبدا واضحا أن الهواجس الأمنية من الخطوة القطرية باتت هي المسيطرة على المشهد، خصوصا في ظل إعلاء هذا الهاجس من قبل الدكتور فهد الشليمي وهو محلل سياسي وعسكري كويتي، طغى على تحليله نبرة الشك مما سماه «النوايا المخفية» من خلف الخطوة القطرية، التي رأى أنها تحمل تقديما رسميا لتجنيس المستفيدين من التشريع الجديد ما داموا سيقيمون إقامة دائمة داخل الدولة، وهو ما يعني أن التركيبة الديموغرافية للإمارة الخليجية مهددة بشكل كامل، إذ يشكل الأجانب العاملون فيها 80 في المائة من إجمالي عدد السكان، فيما لا يتجاوز القطريون الأصليون أبناء القبائل العربية حاجز الـ300 ألف مواطن، على حد قوله. ويبلغ عدد سكان دولة قطر 2.7 مليون نسمة بينهم 2.4 مليون أجنبي.
بينما قالت أليسون وود، المحللة المعنية بقضايا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في حديث لوكالة «بلومبرغ»، إن القرار «يحمل أهمية رمزية، وسيجعل بعض الأجانب داخل قطر يشعرون الآن أن لهم مصلحة أكبر بكثير في مستقبل البلاد»، الأمر الذي قد يخلق لديهم حافزا للبقاء داخل قطر وتوجيه استثمارات إضافية بها.
أيضاً، يتماشى هذا القانون مع استراتيجية العلاقات العامة التي تتبعها قطر في أعقاب القرار الرباعي بقطع العلاقات معها، وأضافت وود: «ترمي قطر بوجه عام من وراء هذا الأمر إلى تصوير نفسها كضحية. كما أن القانون الجديد يمثل فرصة أمامها لتصدر عناوين الأخبار باعتبارها دولة أكثر انفتاحا وإيمانا بالفكر التقدمي مقارنة بجيرانها الذين يفتقرون إلى برامج إقامة مشابهة».
وعلى الرغم من ثراء الدولة القطرية، فإن خدمات مثل التعليم والرعاية الصحية في المؤسسات الحكومية قد تمنى بمتاعب حقيقية جراء منح القانون الجديد الأجانب الذين يتم توطينهم أحقية التمتع بها، خصوصا في ظل تراجع الاقتصاد القطري منذ أزمة قطع السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقتها معها، وهو ما يجعل من تلك الخدمات أمام سيناريوهين لا ثالث لهما، يتمثل الأول بمزيد من الإنفاق عليها لمواجهة الإقبال الذي يتوقع أن تفرضه الإقامة الدائمة للأجانب، وهو ما يشكل إرهاقا للموازنة القطرية، فيما يتمثل الآخر بعجز الحكومة عن زيادة الصرف عليها ما ينبئ بانهيار الخدمات نتيجة الضغط عليها، فيما كان واضحا حث أمير قطر المسؤولين للإسراع في تنفيذ إجراءات لاجتذاب الاستثمارات وتقليص اعتماد الاقتصاد على الطاقة على خلفية المقاطعة التي تتعرض لها البلاد. وقال إن تحقيق الانفتاح على مستوى الاقتصاد لم يعد «رفاهية»، وإنما أصبح ضرورة.
ومن وجهة نظر الشليمي، فإنه يتوقع أن يتسبب مشروع القانون الجديد بـ«عبء اقتصادي كبير على الدولة القطرية مستقبلا قد لا تستطيع تحمله»، مبديا خشية حقيقية من أن يدفع السكان الأصليون لقطر تبعات تلك الخطوة، والتي ستحيلهم بلا شك إلى «أقلية في بلدهم».
وإلى جانب كل التداعيات الاقتصادية المحتملة نتيجة المشروع القطري الجديد، فإنه يبرز بالمقابل هواجس سياسية وأمنية، لخصها المحلل السياسي والعسكري الكويتي، بأنها تتمثل في إمكانية فتح هذه الخطوة الباب على مصراعيه لتجنيس من يتمتعون بحق الإقامة الدائمة، وهو ما يعني بأنهم سيتمتعون بالمحصلة بالقرارات الخليجية المشتركة الخاصة بحرية التنقل والحركة بصفتهم مواطنين قطريين، الأمر الذي يشكل تحديا أمنيا كبيرا، فضلا عن احتمالية أن تفضي تلك الخطوة إلى منح المطلوبين والفارين من العدالة ممن تحتضنهم قطر على أراضيها حصانة من الملاحقة.
يشار إلى أن وكالة الأنباء القطرية الرسمية، أعلنت أن الدوحة تعتزم السماح لبعض الوافدين بالحصول على إقامة دائمة، وذلك بعد أن وافق مجلس الوزراء القطري على مشروع قانون سيسمح بمنح الإقامة الدائمة لأبناء القطريات المتزوجات من أجانب وكذلك لغير القطريين «الذين أدوا خدمات جليلة للدولة وذوي الكفاءات الخاصة التي تحتاج إليها الدولة». بحسب النص الذي استخدمته الوكالة الرسمية، في وقت تواجه فيه الدوحة لضغوط دولية لتحسين ظروف معيشة مئات الآلاف من العمال الأجانب الذين يعملون في تشييد منشآت بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022.
ونقلت الوكالة عن بيان مجلس الوزراء «وبموجب أحكام المشروع لوزير الداخلية منح بطاقة الإقامة الدائمة لغير القطري إذا توافرت فيه الشروط التي حددها القانون».
وذكرت وكالة الأنباء القطرية أن بطاقة الإقامة الدائمة «تمنح حامليها عددا من الامتيازات والتي تتمثل في معاملتهم معاملة القطريين في التعليم والرعاية الصحية في المؤسسات الحكومية. كما يكون لحامل تلك البطاقة الحق في التملك العقاري وفي ممارسة بعض الأنشطة التجارية من دون شريك قطري»، في وقت ينص فيه القانون الجديد على إنشاء لجنة دائمة بوزارة الداخلية تسمى لجنة منح بطاقة الإقامة الدائمة وتختص بالنظر في طلبات منح بطاقة الإقامة الدائمة وفقا لأحكام هذا القانون.
قانون قطري للمقيمين الأجانب يخفف هواجسهم
اعتبره محللون حملة دعائية للدوحة أمام المجتمع الدولي
قانون قطري للمقيمين الأجانب يخفف هواجسهم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة