في أوائل التسعينات، استعرض باحثو «زيروكس بارك» تصميماً مستقبلياً سموه «المكتب الرقمي». وقد بدا التصميم كأي محطة عمل معدنية الصنع، عدا ما يحيطها من معدات.
مكتب رقمي
يتضمن «المكتب الرقمي» كاميرتين معلقتين فوقه لالتقاط كل حركة يقوم بها الشخص الجالس عليه، وإلى جانب الكاميرتين، كشاف ضوئي مسلّط على شاشة الكومبيوتر المضيئة الموجودة فوق المكتب.
يتيح «مكتب زيروكس Xerox» لمستخدميه القيام بأشياء جنونية كإبراز فقرات من نص كتاب، وجرّ الكلمات إلى ملف «وورد إلكتروني». أما جدولة التكاليف، فلا تتطلب أكثر من النقر على الوصل بالقلم الإلكتروني المخصص وجرّ الأرقام إلى الجدول الرقمي. وهكذا وفجأة اختفت الخطوط التي كانت تفصل بين الكلمات المادية والكلمات الرقمية. ولم يعد الناس بحاجة للوحة مفاتيح، أو فأرة، أو حتى شاشة لتسخير قوة جهاز الكومبيوتر، وكلّ ما عليهم الاكتفاء بالجلوس ليظهر الكومبيوتر أمامهم.
ولكن على الرغم من حداثته، أو ربما بسبب هذه الحداثة، لم ير اختراع «المكتب الرقمي» النور. بل مضت التكنولوجيا في الاتجاه المعاكس، نحو الصناديق الزجاجية ذات التصميم المستقل من هواتف، وأجهزة لوحية، وأجهزة لابتوب. ولكن الباحثين لم يتخلوا يوماً عن رؤيتهم، واليوم وبعد 35 عاماً، باتت محطات العمل التي تتألف من نصف رقمي ونصف مادي مشروعاً قابلا للتطبيق إلى حد ما.
يقول روبرت تشاو، عالم متخصص بالكومبيوتر في جامعة «كارنيغي ميلون»، الذي يركز أحدث مشروع له المعروف بتقنية الـ«ديسكتوبوغرافي» على تنفيذ «المكتب الرقمي» على أرض الواقع، إنه يرغب فعلاً بتحويل تفاعل الناس اليومي مع الشاشات الصغيرة، للاستفادة منه في العالم القائم من حولنا.
طوبوغرافية المكتب
تماماً كما «المكتب الرقمي»، تقدم تقنية «ديسكتوبوغرافي Desktopography» للمستخدمين تطبيقات رقمية كالتقويم والخرائط ومستندات غوغل، يستطيعون نقرها وتحريكها والضغط عليها على المكتب. ولكن مشروع «ديسكتوبوغرافي» قدم نتائج أفضل بكثير من التي توقعتها شركة «زيروكس» بفعل عقود من التقدم التكنولوجي. استخدم تشاو كاميرا للأعماق وكشافا ضوئيا صغيرا وبنى وحدة صغيرة يستطيع الناس أن يصلوها بشكل مباشر بمقبس مصباح كهربائي تقليدي.
تعمل الكاميرا على وضع خريطة ثلاثية الأبعاد لسطح المكتب، لملاحظة حركة الأشياء ودخول اليدين إلى نطاق المكتب. من ثم تنتقل هذه المعلومات عبر المعدات التي برمجها فريق تشاو للتمييز بين الأصابع وأي شيء آخر كممحاة القلم الجاف مثلاً؛ والتمييز هنا مهم جداً لأن الـ«ديسكتوبوغرافي» تعمل كشاشة كبيرة الحجم. يقول كريس هاريسون، مدير معهد التفاعل بين الإنسان والكومبيوتر في جامعة «كارنيغي ميلون» إن المستخدم يريد واجهة التفاعل أن تغيب عن الأشياء المادية وليس عن يدي المستخدم.
ولكن المشكلة الأكبر في تسليط التطبيقات الرقمية على مكتب حقيقي تكمن في الفوضى التي تعاني منها مواقع العمل عادة. تستخدم أدوات شاو الحلول الحسابية لتحديد الأشياء كالكتب والأوراق وأكواب القهوة، ومن ثم ترسم أفضل المواقع لتسليط التقويم أو مستند «إكسل». تعطي الـ«ديسكتوبوغرافي» الأفضلية للخلفيات المسطحة والخالية، ولكن في حالات المكاتب المبعثرة، ستسلط التطبيقات على البقعة التالية التي يعتبرها مناسبة.
في حال حرك المستخدم صحيفة ورقية أو شريط تسجيل، يمكن للحلول الخوارزمية، والخوارزميات برامج تتبع نهجا محددا، أن تتعرف عليها بشكل أوتوماتيكي، وتعيد قياس التطبيقات على المكتب لتناسب المساحة الإضافية أو الناقصة. وشرح هاريسون أن الأدوات هي الحلول الأمثل، ورأى أن هذا مكان التسليط قد يكون فوق كتاب مثلاً، ولكنه بالطبع أفضل من يكون واقعاً بين شيئين أو تحت فنجان قهوة.
يشبه العمل بمشروع «ديسكتوبوغرافي» العمل على شاشة اللمس الخاصة بالهاتف المحمول أو الجهاز اللوحي إلى حد بعيد. تجدر الإشارة إلى أن تشاو صمم بعض التفاعلات الجديدة، كالنقر بالأصابع الخمس لإظهار التطبيقات أو رفع اليد للخروج من تطبيق معين. ولكن في الأغلب الأعم، لا تزال تقنية «ديسكتوبوغرافي» تعتمد على النقر والضغط والسحب. وبذكاء ملحوظ، صمم الباحثون ميزة تسمح للتطبيقات الرقمية بالانتقال إلى الحواف الصلبة في اللابتوب أو الهاتف، مما سيسمح للسطوح البينية المسلطة أن تعمل كإضافة في الأشياء المادية كلوحة المفاتيح. ولفت تشاو إلى أنهم يسعون إلى وضع العامل الرقمي والعامل المادي في البيئة نفسها، بحيث يتمكنون أخيراً من دمج العاملين بطريقة ذكية.
يعتزم مختبر جامعة «كارنيغي ميلون» دمج الكاميرا وتقنية التسليط في مقبس مصباح كهربائي «LED» تقليدي، مما سيساهم في وضع هذه التكنولوجيا الجديدة في متناول الزبائن العاديين. تقدر تكلفة بناء وحدة من هذا الجهاز اليوم بنحو 1000 دولار، ولكن هاريسون يعتقد أنه وبعد بلوغ مرحلة التصنيع، سينخفض سعر تصنيع الوحدة إلى 50 دولارا، معتبراً أن التكلفة قد تكون مرتفعة بالنسبة لمصباح كهربائي، ولكنها زهيدة بالنسبة لجهاز لوحي.