«اللاجئ العراقي»... ثنائية الهجرة والحنين

عبد الله صخي يكمل بها ثلاثيته الروائية

غلاف اللاجئ العراقي
غلاف اللاجئ العراقي
TT

«اللاجئ العراقي»... ثنائية الهجرة والحنين

غلاف اللاجئ العراقي
غلاف اللاجئ العراقي

صدرت عن «دار المدى» رواية «اللاجئ العراقي» عبد الله صخي لتكتمل ثلاثيته الأولى التي ضمّت روايتي «خلف السدّة» و«دروب الفقدان». يتمحور المناخ العام للثلاثية على ثنائية الهجرة والحنين إلى الوطن، وما ينجم عنهما من شعور بالغربة، وإحساس بالضياع والاغتراب بغض النظر عن طبيعة هذه الهجرة سواء أكانت داخل الوطن من جنوب شرقي العراق إلى عاصمته، أو ضمن مدينة بغداد نفسها، أو الهجرة إلى المنافي العربية والأوروبية التي قد توفِّر للمُهاجر الحرية والعيش الكريم لكنها تستلب منه الأُلفة العائلية، والذكريات الحميمة، وعبق الأمكنة التي ترتبط بملاعب الطفولة والصبا، وقصص الحُب والغرام، والإرهاصات الفكرية الأولى التي تفضي دائماً إلى المساءلة القانونية، وتقود أصحابها إمّا إلى السجن والتعذيب والانكسار أو إلى قسوة الغربة، ووجع المنافي، ولوعة الاشتياق التي لا يعرفها إلاّ مَنْ ترك وطنه إلى الأبد ولم يجد أمامه سوى بوابة المتاهة والشَتات.
ما يميّز هذه الرواية هو كثرة الاستذكارات والاستعادات الذهنية للشخصية الرئيسية علي سلمان بحيث يتعرّف القارئ من جديد على أسرة سلمان اليونس وزوجته مكيّة الحسن وبناتهما الثلاث وأزواجهنَّ، كما يستعيد ذكريات بعض أصدقائه في سنوات الدراسة مثل موسى محمد لفتة، علوان عزيز، ورشيد المصوِّر، إضافة إلى بعض الشخصيات الشعبية التي أثثت المتن السردي للثلاثية برمتها مثل المجنون قاسم، والفرّاش عبيد شناوة، وعازف الطبلة سوادي حميد وسواهم من الشخصيات التي عززت هذه الرواية التي تصلح لأن تكون نموذجاً لأدب السجون في العراق لما تتوفر عليه من مطاردة، واعتقالات، واستجوابات متواصلة لمعظم أفراد هذه العائلة التي تُعتبر عيّنة مُصغّرة للمجتمع العراقي الذي تلبّسهُ هاجس الخوف والرعب من حُكم البعث الديكتاتوري السابق. ومن أبرز استرجاعاته الذهنية تعلّمه قراءة القرآن الكريم على يد الملالي، وتسجيله في المدرسة الابتدائية، وإتقانه عزف العود على يد الموسيقي علاء شاكر، ومواظبته على العمل في العطلة الصيفية، وتفكيره في الهجرة إلى سوريا أول الأمر ومنها إلى المجهول.
تبدأ أحداث الرواية من غرفة رقم 9 في حي أكتن تاون بلندن ثم يعود بنا الراوي بواسطة تقنية «الفلاش باك» إلى أربع عواصم عربية وهي بغداد ودمشق وبيروت وعدن ثم يختم الأحداث بنهاية فنية مؤثرة.
ومثلما نجح عبد الله صخي في اجتراح الثيمة الرئيسية وتعزيزها بثيمات مؤازرة تتضافر على مدار النص الروائي، فإنه يبدع في بناء شخصية البطل ويمدّها بمختلف العناصر الإشكالية العميقة، فهو عازف ماهر، ويمتلك موهبة غنائية أصيلة كانت على وشك الذيوع والشهرة لولا اعتقاله العشوائي الذي وُصِف في أحد التقارير «بأنه إجراء وقائي، تأديبي، تحذيري» (ص17). وقبيل إخلاء سبيله يوقِّع على وثيقة تعهد بعدم الانتماء إلى أي حزب سياسي ما عدا حزب السلطة. وحينما يصل إلى البيت مبتهجاً بحريته يكتشف وفاة أمه فيعقد العزم على الرحيل «والمضي بعيداً عن البلد الذي حرمهُ من والدته، ومن التعليم والموسيقى والحُب» (ص22) وما أن يضع قدميه في دمشق حتى يشترك في مؤتمر المعارضة العراقية الذي انعقد ببيروت وخرج منه بانطباعات سيئة لأن القوى السياسية لا تمتلك مشروعاً وطنياً يمكن أن ينقذ البلاد من الديكتاتور وحروبه العبثية المتواصلة.
يتعرّف علي سلمان بعد خروجه من العراق على ثلاث نساء وهنّ خولة العراقية، نسرين السورية، وساندرا البريطانية حيث يشعر أنه قريب جداً من خولة إبراهيم جميل، الشيوعية التي ألتقاها مُصادفة في رحلته إلى بيروت، وظل قلقاً عليها لأن ضابط الجوازات في المعبر الحدودي طلبها شخصياً بينما غادر سائق التاكسي رغم توسلات الرُكّاب الآخرين بأن ينتظر قليلاً. يقترن علي بخولة دون أن تغريه بالانتماء لحزبها، وتغامر بالهجرة إلى لندن لوحدها على أمل أن يلتمّ شملهما لاحقاً بينما يبقى علي في دمشق تحت وطأة البطالة وضيق ذات اليد بحيث يضطر للعمل في دار نشر، ومعمل لقصّ الحجر، ومكتب محاماة بينما كان يتغافل دائماً عن نصيحة صديقه أمين شاكر بالغناء في المطاعم ما دام أنه يمتلك خامة صوت جيدة يمكن أن يوظفها في كسب المال. أشرنا سلفاً إلى إشكالية هذه الشخصية التي تعرّض صاحبها للسجن في بغداد مدة ثمانية أشهر دون أن يرتكب جُرماً، وفي دمشق شعر بالذل وفظاظة الاستجواب الأمني الذي أفضى به إلى اليأس والخيبة والانكسار، فلا غرابة أن يفقد القدرة على الغناء لأن شيئا ما قد جفّ في روحه، شيئا «كالعطب يدفعه نحو العزلة الروحية، والاكتفاء بالهمس والمناجاة» (ص66). وفي غمرة هذا الفراغ الروحي والعاطفي يتعرف على نسرين السورية التي اندفعت صوبه كثيراً لكنه كان يتفادى عواطفها المتقدة، ويتذكر دائماً أنه متزوج من امرأة يحبها، ويتمنى أن يبدِّد وحدتها، ويجعل منفاها أخفّ وطأة وضراوة.
يذعن علي تحت وطأة الحاجة للغناء في مطعم «السهرانين» وتنبهر الفتيات بعذوبة صوته، وشجنه، ورخامته فتتحسن أوضاعه المادية ويحقق بعض الشهرة بين رواد هذا المكان غير أن هذه البحبوبة لم تستمر طويلاً، إذ هاجمه ثلاثة شبان وأشبعوه ضرباً وركلاً حتى أغمي عليه فأقسم ألاّ يغني في أي مطعم بعدما تشظت روحه من الإهانة والخذلان.
لا يعتمد عبد الله صخي على المبالغة في رسم شخصية اللاجئ فهو خائف، منكسر، ويمكن أن تتعرض حياته الأسرية إلى التفتت والضياع، تماماً كما حصل مع الراوي علي إذ انقلبت زوجته رأساً على عقب وطلبت منه الانفصال لأنها لم تعد قادرة على التواصل معه، والعيش تحت سقف واحد. تُرى، ما الذي غيّرها فجأة؟ هل هو المنفى، أم عذاباته اللامرئية؟ هل هي الوحدة أم الحنين إلى الوطن؟ هل هو التقوقع والانكفاء على الذات أم عدم القدرة على الاندماج بالمجتمع الجديد؟
يبدو أن نسرين السورية التي تعمل مضيّفة في إحدى الخطوط الجوية العربية قد جاءت إلى لندن لكي تنتقم منه بشكل ما بأساليب الأنثى التي أصبحت الآن عصيّة ومتمنعة على هذا الرجل الذي خذلها طوال إقامته في دمشق.
أما المرأة الثالثة فهي ساندرا الإنجليزية، صاحبة العينين الساحرتين «اللتين تنافسان الكواكب» (ص9) التي انفصلت هي الأخرى عن صديقها مارتن إثر عودتهما من رحلة إلى السواحل المغربية، فقد كانت مرشحة لأن تحتل مساحة عاطفية ما في قلب هذا اللاجئ المحطّم الذي أعياه المنفى فسقط مريضاً، وبينما كانت أصابعها الحريرية تمسه مسّاً رقيقاً «استبد به شوق جارف إلى بغداد، إلى نهرها ومقاهيها وشوارعها وحدائقها» (ص189) موقناً بأنه سيشفى إن عاد من كل أمراض المنفى التي تراكمت عليه مذ تجاوز معبر الرطبة الحدودي في رحلته المجهولة التي تسوقها المقادير.
مثلما تتألق لغة عبد الله صخي، ويتوهج إيقاعها السردي السلس على مدار النص تذهلنا النهاية التراجيدية لموت البطل المغترب الذي لم يبكِ عليه أحد من المشيّعين العراقيين «وحدها كانت ساندرا تبكي وهي تستند إلى سياج الشرفة» (ص192).



أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة
TT

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية، من كتب وتحف وصور فردية وعائلية عبر مراحل حياتها. قدمت إيزابيل الليندي عبر أربع ساعات ونصف الساعة نصائح إلى الكُتاب الناشئين أو مشروع الروائيين الجدد، من خلاصة تجربتها الشخصية في كتابة ونشر 28 كتاباً، تمّت ترجمتها لعشرات اللغات عبر العالم وبِيعت منها ملايين النسخ. يضم الكورس عشرين نصيحة أو درساً مع أمثلة من تجربتها الشخصية أو تجارب كتاب تعدّهم أعلاماً في الأدب اللاتيني والعالمي، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.

بدأت الليندي بنقطة أساسية في مقدمة الكورس، وهي أهمية «الصدق والأصالة» في أي حكاية، ثم انتقلت مباشرة إلى الحديث بإسهاب عن صنعة الكتابة بوصفها مهنة تحتاج إلى الكثير من التمرين والانضباط وتحديداً فترة البداية. كما تتطلّب طقوساً مهمة، وتنصح هنا بعدة أمور؛ من أهمها: اختيار يوم محدد يقرّر فيه الكاتب الالتزام بالكتابة. بالنسبة إليها شخصياً، فهو اليوم الذي تلقت فيه رسالة من ناشرتها الإسبانية التي تحدّتها بكتابة كتاب ثانٍ ناجح، بعد «بيت الأرواح»، ففعلت وكان ذلك يوم الثامن من يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم الذي لم تغيّره بعد إنجاز عشرات الكتب. تشبه الليندي بداية الكتابة بعملية زراعة بذرة، قد تبدو في بداية نموها نبتة ضعيفة، إلا أنها ستصبح شجرة قوية هي «الكتاب الأول». ركزت أيضاً على ضرورة إبقاء الكاتب مسافة ضرورية من المادة الأساسية، مستعيرة مثال الإعصار فتقول: «حين تكون داخل الإعصار لا يمكنك الكتابة عنه»، وكذلك في الكتابة يجب أن تكون لديك «غرفة توفّر لك الصمت الداخلي والعزلة». بهذا المعنى تتوفر للكاتب تصوراته ومسافته اللازمة؛ ليكتب عن الشخصيات والحدث في أي عمل.

أما عن أهمية القراءة على طول الخط فتقول: «لا يمكن أن تكتب أدباً إن لم تقرأ وتقرأ كثيراً. ربما لكاتبك المفضل، أو غيره، فبذلك تتقن السرد دون انتباه إلى ما تتعلّمه». تنتقل الكاتبة إلى الحديث في أحد الدروس عن صوت الراوي، فتعده موضوعاً بسيطاً للغاية: «إنه الشخص الذي يروي الحكاية بكل تفاصيلها، وقد يكون الحديث بصيغة المتكلم، وهو أسهل بكثير من الحديث بلغة الأنا». ثم تنتقل بنا الليندي إلى موضوع النبرة في السرد، معرفة إياها بالمزاج الذي يأخذ طابعه من الحبكة، فإما أن يكون مستفزاً، مشوقاً، مثيراً... حسب التيمة الأساسية للعمل، سواء كان تاريخياً، رومانسياً أو تراجيدياً إلخ... وهنا تحث الكاتب على التخلي عن إحساس الخوف من عيوب الكتابة مثل ارتكاب الأخطاء، قليلة أو كثيرة. فهي تعدّ ذلك أمراً طبيعياً في عملية الكتابة وتحديداً كتابة الرواية.

وأولت الليندي اهتماماً كبيراً بالبحث عن المزيد، خصوصاً في الروايات التاريخية. فالتفاصيل هي ما يبعث الحياة في القصص. وهنا قدمت مثالاً عن كيفية بحثها قبيل كتابتها لرواية «ابنة الحظ». فتقول: «لقد بحثت في موضوع الرسائل التي كان يرسلها عمال مناجم الذهب، ويدفعون أونصة منه، مقابل إيصال رسالة إلى عائلاتهم. لقد كانت مهنة ساعي البريد خطيرة وتستغرق مخاطرة السفر لمدة قد تستغرق شهرين لعبور مسافة وعرة من الجبال إلى مكان إرسال الرسائل»، قرأت الليندي مثل هذه المعلومات في رسائل من أرشيف المكتبة الوطنية في تشيلي.

في منتصف هذه الدورة التعليمية، وتحديداً في الدرس التاسع، ركزت الليندي على تفصيل رسم شخصيات مقنعة: «ليس مهماً أن تحب الشرير في الرواية أو المشهد المسرحي، المهم أن تفهم شره». وكما في مجمل أجزاء الكورس، أعطت الكاتبة أمثلة من تجربتها الروائية وطريقتها في رسم ملامح شخصياتها، فهي تتجنّب الوصف الشكلي إن لم يكن ضرورياً، وإن اضطرت تحرص أن يكون مختلفاً وبعيداً عن المعتاد والكليشيهات.

احتلّت الحبكة والبنية موضوع الدرس الثاني عشر، وفيه عدّت إيزابيل أن أهم نصيحة يمكن إعطاؤها هي تشكيل بداية بسيطة للحبكة، فذلك يفسح مجالاً للشخصية أو الشخصيات كي تتجول بحرية في الزمان والمكان. أما الجملة الأولى فكانت موضوع الدرس الثالث عشر، وتعدّه الليندي مهماً جداً، فهي «الباب الذي يفتحه الكاتب لقارئه كي يدخل في الحكاية». أما المقطع الأول فهو يهيئ للصوت الأساسي في الرواية. مع ضرورة تجنب الكليشيهات، خصوصاً في الاستعارات التي قد تنقلب وتصبح فخاً مملاً.

خصصت الكاتبة درساً أيضاً عن الروتين والانضباط وعملية خلق عادة للكتابة، فهي بمثابة تكوين «عضلات لجسد الكتابة»، يتطلّب التمرين والتكرار. يلاحظ المستمع في هذا الدرس نقاطاً طُرحت في الدروس الأولى عن طقوس الكتابة. وهنا كما في «سن الأربعين، وأنا أعمل في وظيفتين، استلزم مني ذلك العمل منذ الساعة السابعة صباحاً والعودة في السابعة مساء». لم أكن أفوّت وقتاً لتدوين ملاحظاتي في دفتر أحمله معي أينما ذهبت «كطفلي الصغير»، وخلال عام كتبت 560 صفحة شكلت مسودة «بيت الأرواح». لقد صممت الليندي على كتابة ما تراكم في داخلها خلال السنوات الماضية، بعد مغادرتها القسرية لتشيلي، بسبب انقلاب بينوشيه الذي أطاح بسلفادور الليندي. استخدمت الكاتبة هذه الاستعارة أكثر من مرة؛ لتؤكد أهمية الشغف «إن كنت تود الكتابة، يمكنك فعل ذلك في أي مكان، فالكتابة كممارسة الحب، إن أردتها من أعماقك فستجد دوماً الوقت والمكان لفعلها».

في الدرس السادس عشر، تشبه الكاتبة تفاصيل الرواية بخصلات الشعر التي يمكن ضفرها بإتقان خصوصاً الخصلة الوسطى، فهي التي تجمع طرفي الحكاية بجزالة. يمكن للكاتب أن يضيف خصلات إضافية لجديلة الحكاية، ويجعل الشخصيات أكثر عدداً وقصصها أكثر تعقيداً. استخدمت الليندي مثال أي مسرحية من مسرحيات شكسبير، مشبهة إياها بعشرات الخصل المعقدة التي تتضافر معاً وتخلق نصاً مذهلاً.

أما عن التعاطي مع أصوات الرواية والانتباه لأصالة المكان الذي قد يتطلّب استخداماً معيناً بثقافة أو جغرافية ما، فقد خصّصت له الكاتبة أيضاً درساً مستقلاً أتبعته مباشرة بالحديث عن أهمية الحوار بين الشخصيات. وهنا أشارت الليندي إلى إمكانية تجريب أي كاتب للقراءة الشخصية بصوت عالٍ. مخطوط روايته مثلاً، قد يضطره الأمر إلى تعديل الحوار أو اختصاره.

بالاقتراب من نهاية تلك الدورة التعليمية المصغرة، تطرّقت الليندي إلى موضوع التصعيد، مستعيرة مثال نقاط الصمت بين العلامات الموسيقية ومدى أهميتها. وكذلك مثال من يلقون النكت الساخرة أو المزحات، حين يؤجلون جوهر المزحة تقريباً للنهاية، مما يجعل المستمع متشوقاً.

أربع ساعات ونصف الساعة أطلّت خلالها الكاتبة الشهيرة عبر منصة «مايسترو» في «هيئة الإذاعة البريطانية»، قدّمت خلالها إلى قرّائها ومحبيها خلاصة تجربتها في محبة الكتابة وطرائق صناعتها

أما عن نهاية القصة أو الرواية التي صمّمت على أن تكون نهاية النصائح، في آخر الكورس، فتكثفها بالقول: «في سياق الكتابة وتطوير الحبكة وتصعيدها، ليس مستغرباً أن يفهم الكاتب جميع شخصياته ويحدّد نبرات أصواتهم، وكذلك منتهى الحكاية ومآل الشخصية الأساسية أحياناً أو الشخصيات. قد تغيّر جملة أو حركة مسار الحكاية كلها، وتُعطي للنهاية لمسة لا تُنسى». استعارت الكاتبة كلمة واحدة من المشهد الأخير في رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، عن العاشقين الأبديين في لقائهما المتأخر بعد خمسين عاماً من الفراق: «لقد أبحرا، أبحرا إلى الأبد». فتعلّق بالقول: «لو اكتفى الكاتب بجملة (أبحرا)، لن يكون لتلك النهاية ذات التأثير. حين أضاف لهما (إلى الأبد) منح الخلود لتلك النهاية، وأعطى القارئ مشهداً لا يُنسى».

اختتمت الليندي نصائحها المهمة بخلاصة شخصية وعامة عن النشر، مركزة على ضرورة الكتابة من أجل المتعة، لأنها بصفتها مهنة لن تمنح الشهرة أو المال بسهولة أو بسرعة. ومع ذلك حثت المستمع والمشاهد على الكتابة بكل الأحوال. وهنا نبهت الكاتبة على أهمية العلاقات الاجتماعية والمهنية لجميع الكتاب الناشئين، وحتى المشهورين. وكذلك على حضور مؤتمرات ومهرجانات تساعد جميعها على توسيع دائرة المعارف.

نصائح إيزابيل العشرون، أشبه بحكاية حب حقيقية عن تجربة الروائية الثمانينية التي لم يوقفها شيء عن الكتابة، لا المنفى ولا إخفاقات الزواج والطلاق لأكثر من مرة، ولا خسارة ابنتها الوحيدة... بل جعلت من كل محنة نقطة انطلاق، أو سبباً للكتابة، وهذا ما ذكرته في لقطة الدعاية للكورس: «إن الأدب العظيم غالباً ما ينطلق من المحن الشخصية أو العامة».

يُذكر أن هذه الدورة التعليمية وشبيهاتها غير مجانية، إلا أنها بالقياس لقيمتها وأهميتها تُعدّ رمزية، بل متواضعة وقد استقطبت «هيئة الإذاعة البريطانية» قبل إيزابيل الليندي كتاباً آخرين؛ مثل: مارغريت أتوود وسلمان رشدي وغيرهما؛ لتقديم محتويات مشابهة.