فرنسا تسعى لـ«تقشف متعقل» والشفاء من «إدمان» الإنفاق العام

الحكومة تتعهد بكبح الديون والبقاء تحت سقف عجز الموازنة الأوروبي

رئيس الحكومة الفرنسية إدوار فيليب متحدثا أمام البرلمان عن خطط الاقتصاد مساء الثلاثاء (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة الفرنسية إدوار فيليب متحدثا أمام البرلمان عن خطط الاقتصاد مساء الثلاثاء (أ.ف.ب)
TT

فرنسا تسعى لـ«تقشف متعقل» والشفاء من «إدمان» الإنفاق العام

رئيس الحكومة الفرنسية إدوار فيليب متحدثا أمام البرلمان عن خطط الاقتصاد مساء الثلاثاء (أ.ف.ب)
رئيس الحكومة الفرنسية إدوار فيليب متحدثا أمام البرلمان عن خطط الاقتصاد مساء الثلاثاء (أ.ف.ب)

بخطة طموحة ومتزنة، تحاول الحكومة الفرنسية الجديدة تجاوز مشكلاتها المستعصية المزمنة، التي يتمثل أبرزها في زيادة مستوى الديون بشكل كبير، واتجاه عجز الموازنة لتجاوز المستوى الأوروبي المسموح، في ظل ما انتهجته الحكومات السابقة من زيادات كبرى في الإنفاق العام لا تتناسب مع مدخلات الدولة من الضرائب.
وأبلغ رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب أعضاء البرلمان مساء الثلاثاء أنه حان الوقت لإنهاء «إدمان فرنسا للإنفاق العام السهل»، واعدا بخفض النفقات على مدى السنوات الخمس المقبلة وكبح الديون التي قال إنها وصلت لمستوى غير مقبول.
ويعدّ رئيس فرنسا الجديد إيمانويل ماكرون أن ترويض الإنفاق وخفض العجز في ميزانية البلاد بمثابة مفتاح كسب ثقة ألمانيا، شريك بلاده في الاتحاد الأوروبي، وإقناع برلين بالشروع في إصلاحات لتعزيز التكتل المؤلف من 27 دولة.
ورغم ذلك، فإن حديث فيليب عن التقشف يأتي بينما تشير اقتصادات كبرى أخرى مثل ألمانيا والولايات المتحدة وحتى بريطانيا إلى تيسير سياسة المالية العامة من أجل دعم النمو.
وكشف جهاز المحاسبات المستقل في فرنسا الأسبوع الماضي عن نقص في التمويل في ميزانية هذا العام يبلغ أكثر من 8 مليارات يورو، متوقعا أن يرتفع العجز مجددا فوق 3 في المائة من الدخل القومي، وهو الحد الأقصى الذي حدده الاتحاد الأوروبي.
وبمواجهة العجز المالي الموروث من الحكومة الاشتراكية المنتهية ولايتها، تواجه فرنسا تدقيقا لا سيما من جانب شركائها الأوروبيين، خصوصا ألمانيا. وتعهد فيليب بتأمين 4 مليارات يورو ضرورية لئلا يتجاوز العجز نسبة 3 في المائة عام 2017، كما سبق أن وعد الأسبوع الماضي. وأضاف خلال كلمته التي استغرقت ساعة كاملة أن «فرنسا المراوغة لن تنقذنا».
وأشار رئيس الوزراء إلى أن حجم الدين العام بلغ 2.147 تريليون يورو، وهو «مستوى لا يمكن تحمله». وتابع: «نحن نرقص فوق البركان الذي ما زال يرعد بقوة». وصفق أعضاء الجمعية الوطنية لفيليب وهو يقول: «الفرنسيون مدمنون للإنفاق العام. مثل كل أنواع الإدمان؛ فإنه لا يحل أيا من المشكلات التي يهدف لتخفيفها. ومثل كل أنواع الإدمان، فإنه يتطلب الإرادة والشجاعة لعلاجه».
وأوضح فيليب أنه في مقابل كل مائة يورو تجمعها ألمانيا من الضرائب، فإنها تنفق 98 يورو، في حين أن فرنسا تنفق 125 يورو مقابل كل 117 يورو تجمعها من الضرائب... متابعا: «من ذا الذي يعتقد حقا أن هذا الوضع قابل للاستمرار؟». مؤكدا أن هدفه هو خفض العجز عن الحد الأقصى للاتحاد الأوروبي هذا العام، وأنه سيستهدف تخفيضات في الإنفاق بنسبة 3 في المائة من الدخل القومي على مدار 5 سنوات. كما دعا إلى «وقف التضخم في أجور القطاع العام».
وأعلن فيليب أول من أمس أن فرنسا ستطلق «خطة استثمارية كبرى» بقيمة 50 مليار يورو، موضحا أن خطة الاستثمار تشمل مجالات البيئة والصحة والزراعة والنقل، مؤكدا أهمية «الاستثمار في قطاعات المستقبل»، فضلا عن التركيز على تنمية المهارات مستقبلا.
كما كشف فيليب عن برنامج طموح للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك تدابير تؤيد قطاع الأعمال. وأكد أنه يريد «تجنب تعميق الهوة بين فرنسا المعولمة وفرنسا الأرياف»، مضاعفا التصريحات حول التعليم والصحة، خصوصا الموازنة. كما رحب النواب بتصريحات له، مثل أن اللقاحات ستكون إلزامية للأطفال، وأن التعويضات ستكون أفضل في مجال أمراض العيون والعناية بالأسنان، وإصلاح البكالوريا، و«تجديد» نظام التقاعد والحماية الاجتماعية.
وفي سبيل إنعاش الاقتصاد، قال رئيس الوزراء الفرنسي إنه ينبغي «على الشركات أن تستعيد الرغبة في التمركز والنمو على أرضنا وليس في أي مكان آخر»، معلنا عدة تدابير ضريبية ينتظرها عالم الأعمال بفارغ الصبر، مثل خفض معدل الضريبة على الشركات من 33 إلى 25 في المائة بحلول عام 2022.
كما تعهد رئيس الحكومة ألا يكون دافعو الضرائب «العامل المتغير في تعديل الميزانية»، معلنا خفضا في «العبء الضريبي بنسبة نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي خلال 5 سنوات».
ولكي لا تفرغ الخزينة، فإن بعض وعود ماكرون لن يتم تطبيقها إلا عام 2019، مثل الإعفاء من الضريبة على الممتلكات. وأصبحت الوعود الانتخابية لماكرون أهدافا رسمية، ومنها أن اثنين في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ستنفق على الدفاع عام 2025، والتقريب بين سعر الديزل والبنزين، وبناء 15 ألف مكان إضافي في السجون.
وتطرق رئيس الوزراء أيضا إلى مسألة الهجرة قائلا: «نرحب بالطبع، ونساعد نعم بالطبع، لكن نرفض الخضوع». وأكد أنه في مجال مكافحة الإرهاب «لن نتهاون مطلقا». وستقدم الحكومة تدابير الأسبوع المقبل لخفض المدة التي تستغرقها طلبات اللجوء من 14 شهرا، إلى 6 أشهر فقط، والحصول على «إبعاد فعلي» للمرفوضين.



«بنك اليابان» أمام قرار تاريخي... هل يرفع الفائدة الأسبوع المقبل؟

العلم الياباني يرفرف فوق مقر البنك المركزي في طوكيو (رويترز)
العلم الياباني يرفرف فوق مقر البنك المركزي في طوكيو (رويترز)
TT

«بنك اليابان» أمام قرار تاريخي... هل يرفع الفائدة الأسبوع المقبل؟

العلم الياباني يرفرف فوق مقر البنك المركزي في طوكيو (رويترز)
العلم الياباني يرفرف فوق مقر البنك المركزي في طوكيو (رويترز)

يعقد «بنك اليابان» آخر اجتماع له بشأن سياسته النقدية لهذا العام الأسبوع الجاري، ليأخذ قراراً بشأن أسعار الفائدة وذلك بعد ساعات قليلة من قرار «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي المتوقع بخفض الفائدة.

فما الذي يمكن توقعه ولماذا يعتبر قرار «بنك اليابان» بشأن الفائدة ذا أهمية خاصة؟

في مارس (آذار) الماضي، أنهى «بنك اليابان» مسار أسعار الفائدة السلبية، ثم رفع هدف الفائدة القصيرة الأجل إلى 0.25 في المائة في يوليو (تموز)، مشيراً إلى استعداده لرفع الفائدة مرة أخرى إذا تحركت الأجور والأسعار بما يتماشى مع التوقعات.

وثمة قناعة متزايدة داخل «بنك اليابان» بأن الظروف باتت مؤاتية لرفع الفائدة إلى 0.5 في المائة. فالاقتصاد الياباني يتوسع بشكل معتدل، والأجور في ارتفاع مستمر، والتضخم لا يزال يتجاوز هدف البنك البالغ 2 في المائة منذ أكثر من عامين.

ومع ذلك، يبدو أن صانعي السياسة في البنك ليسوا في عجلة من أمرهم لاتخاذ هذه الخطوة، نظراً لتعافي الين الذي ساهم في تخفيف الضغوط التضخمية، بالإضافة إلى الشكوك المتعلقة بسياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي قد تؤثر على الرؤية الاقتصادية المستقبلية، وفق «رويترز».

وسيكون القرار بشأن رفع الفائدة في ديسمبر (كانون الأول) أو تأجيله إلى اجتماع آخر في 23-24 يناير (كانون الثاني) صعباً، حيث سيعتمد ذلك على مدى اقتناع أعضاء المجلس بأن اليابان ستتمكن من تحقيق هدف التضخم بشكل مستدام.

ناطحات السحاب والمباني المزدحمة في طوكيو (أ.ب)

ماذا قال صانعو السياسة في «بنك اليابان» حتى الآن؟

يحافظ صانعو السياسة في «بنك اليابان» على غموض توقيت رفع الفائدة المقبل. وفي مقابلة إعلامية حديثة، قال الحاكم كازو أويدا إن رفع الفائدة المقبل قريب، ولكنه لم يوضح بشكل قاطع ما إذا كان ذلك سيحدث في ديسمبر.

إلا أن المفاجأة جاءت من عضو مجلس الإدارة تويواكي ناكامورا، الذي أشار إلى أنه ليس ضد رفع الفائدة، لكنه شدد في المقابل على ضرورة أن يعتمد القرار على البيانات الاقتصادية المتاحة.

وبينما يركز «بنك اليابان» على رفع الفائدة بحلول مارس المقبل، تشير التصريحات غير الحاسمة إلى أن البنك يترك لنفسه حرية تحديد التوقيت المناسب لهذه الخطوة.

متى تتوقع الأسواق والمحللون رفع أسعار الفائدة التالي؟

أكثر من نصف الاقتصاديين الذين تم استطلاعهم من قبل «رويترز» الشهر الماضي يتوقعون أن يقوم «بنك اليابان» برفع أسعار الفائدة في ديسمبر. كما يتوقع حوالي 90 في المائة من المحللين أن يرفع «بنك اليابان» أسعار الفائدة إلى 0.5 في المائة بحلول نهاية مارس 2024.

في المقابل، تقوم السوق بتسعير احتمال رفع الفائدة في ديسمبر بحوالي 30 في المائة فقط.

كيف يمكن أن تتفاعل السوق؟

سيأتي قرار «بنك اليابان» بعد ساعات قليلة من قرار «الاحتياطي الفيدرالي الأميركي»، الذي من المتوقع أن يقوم بتخفيض أسعار الفائدة. وقد يؤدي هذا التباين في التوجهات بين المصرفين المركزيين إلى تقلبات في قيمة الين وعوائد السندات.

ومن المحتمل أن يؤدي رفع الفائدة من قبل «بنك اليابان» إلى تعزيز قيمة الين. أما إذا قرر البنك إبقاء الفائدة كما هي، فقد يؤدي ذلك إلى ضعف الين، على الرغم من أن الانخفاض قد يكون محدوداً إذا قامت السوق بتسعير احتمالية رفع الفائدة في يناير بسرعة.

ما الذي يجب أن تراقبه السوق أيضاً؟

بغض النظر عن قرار «بنك اليابان» بشأن رفع الفائدة أو تثبيتها، من المتوقع أن يقدم محافظ البنك أويدا إشارات بشأن المسار المستقبلي لأسعار الفائدة ويحدد العوامل التي قد تحفز اتخاذ هذه الخطوة في مؤتمره الصحافي بعد الاجتماع.

وإذا قرر «بنك اليابان» الإبقاء على الفائدة ثابتة، فقد يتجنب أويدا تقديم إشارات حادة لتفادي حدوث انخفاضات غير مرغوب فيها في قيمة الين، مع توضيح العوامل الرئيسية التي سيركز عليها في تقييم توقيت رفع الفائدة.

من ناحية أخرى، إذا قرر «بنك اليابان» رفع الفائدة، قد يتبنى أويدا موقفاً متساهلاً لتطمين الأسواق بأن البنك لن يتبع سياسة رفع الفائدة بشكل آلي، بل سيتخذ قراراته بحذر بناءً على الوضع الاقتصادي.

إضافة إلى قرار الفائدة، سيصدر «بنك اليابان» تقريراً حول إيجابيات وسلبيات أدوات التيسير النقدي غير التقليدية التي استخدمها في معركته المستمرة منذ 25 عاماً ضد الانكماش، وهو ما يمثل خطوة رمزية نحو إنهاء التحفيز الضخم الذي تبناه البنك.

محافظ «بنك اليابان» في مؤتمر صحافي عقب اجتماع السياسة النقدية في أكتوبر الماضي (رويترز)

ومن المتوقع أن يستخلص هذا التقرير أن تخفيضات أسعار الفائدة تظل أداة أكثر فعالية لمكافحة الركود الاقتصادي مقارنة بالتدابير غير التقليدية مثل برنامج شراء الأصول الضخم الذي نفذه المحافظ السابق هاروهيكو كورودا.

ماذا سيحدث بعد ذلك؟

إذا رفع «بنك اليابان» أسعار الفائدة، فمن المحتمل أن يبقى على نفس السياسة النقدية حتى أبريل (نيسان) على الأقل، عندما ينشر التوقعات الفصلية الجديدة التي تمتد حتى السنة المالية 2027 لأول مرة.

أما إذا قرر البنك الإبقاء على الفائدة ثابتة، فإن انتباه الأسواق سيتحول إلى البيانات والأحداث الهامة التي ستسبق اجتماع يناير، مثل خطاب أويدا أمام اتحاد رجال الأعمال «كيدانرين» في 25 ديسمبر، وظهور نائب المحافظ ريوزو هيمينو في 14 يناير.

ومن المرجح أن يقدم تقرير «بنك اليابان» ربع السنوي عن الاقتصادات الإقليمية، الذي سيصدر قبل اجتماع 23-24 يناير، مزيداً من الوضوح لأعضاء مجلس الإدارة بشأن ما إذا كانت زيادات الأجور قد انتشرت على نطاق واسع في أنحاء البلاد.