مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

«ألغام» تاريخية لا نريد عودتها

من أغرب التصريحات التركية بقيادة الرئيس رجب الطيب إردوغان بخصوص المشكلة «الحقيقية» مع سياسات قطر الحالية، هو عرضه لإنشاء قاعدة عسكرية تركية في السعودية!
هذا العرض العجيب، فيه قدر من القفز على واقع الأزمة، والتورط في «ألغام» تاريخية قديمة لا نريد أن نذكر بها الآن حدثت في جزيرة العرب.
أما القفز على الواقع الحالي، فالسعودية ليست بحاجة لأي وجود تركي عسكري في أرضها، وهذا - بصراحة - التفاف على الخطوة التركية المثيرة في الوجود العسكري بقطر، بعد المشكلة الأخيرة.
وأما التوغل في ألغام التاريخ، فلأن الذاكرة المحلية لأهل الجزيرة العربية لا تحمل الودّ للتدخلات العسكرية والسياسية التركية في الجزيرة العربية، بل الذكريات ممزوجة بالأحزان، ولحظات المواجهة.
حتى قطر نفسها، ومن خلال مؤسسها التاريخي، الشيخ قاسم أو «جاسم» آل ثاني، تنظر للصدام مع الدولة العثمانية، معركة «الوجبة» التي حاولت إلحاق الدوحة بها، والغدر باستضافة قاسم لهم، من أجل حب الأخير لدولة «الخلافة» ولحمايته.
قاسم رفض هيمنة العثمانيين، وأرسل أخاه ليفاوضهم، وهو مقيم ببقعة قطرية يقال لها «الوجبة» فغدرت الحامية العثمانية بأخيه ورفاقه، وذهبت قوة تركية، لمواجهة قاسم بالوجبة، لكنه كان مستعداً جيداً، فأوقع بهم، ومعه أهل قطر وشرق الجزيرة العربية، والنتائج كانت معروفة، كان ذلك في 13 مارس (آذار) 1893 كان يوسف أفندي قائد القوات العثمانية من بين القتلى، وفرّ الوالي محمد حافظ الذي كان في مؤخرة قواته إلى الباخرة التركية المريخ الراسية في ميناء الدوحة.
توسعنا بنموذج قطر مع الترك، وإلا فإن عسير وجازان ومكة والجوف والأحساء وحائل والقصيم والرياض وحوطة بني تميم، وغيرها من ربوع الجزيرة، صارت لها وقعات وصولات ضد هذا التدخل في جزيرة العربية، تحت أي حجة وتسويغ. يكفي تذكر ما حدث للدولة السعودية الأولى والثانية بسبب التدخل التركي. وهذا موضع كثير التفاصيل.
لقد صار «للعصمنلية» حضورهم الخاص في الأمثال والمقولات والأشعار والقصص مشكلاً وجداناً «سيئاً».
دعنا من «بدع» التمجيد الإخوانية الحديثة، وبعض منابعها القديمة أيام «البروباغندا» الحميدية - نسبة للسلطان عبد الحميد - فتلك قصة أخرى.
في معركة البكيرية 1904 الحاسمة بين قوات الملك عبد العزيز وخصومه الذين كانت من ضمنهم قوات عثمانية، قال الشاعر العوني:
الميمنة دارت وصارت خفيفة/ دارت على الإسلام صارت خفيفة
والترك لاقتهم موارث حنيفة/ ما خايروا.. يوم إن بعض العرب خار!