معركة الرقة: هجمات معاكسة لـ«داعش» لكبح اندفاعة «قسد»

«غضب الفرات» تعترف بمقتل قائد عسكري وتؤكد سيطرتها على أحياء جديدة

مقاتل من أفراد ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية يراقب آثار غارات «التحالف الدولي» على مدينة الرقة السورية ومحيطها (رويترز)
مقاتل من أفراد ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية يراقب آثار غارات «التحالف الدولي» على مدينة الرقة السورية ومحيطها (رويترز)
TT

معركة الرقة: هجمات معاكسة لـ«داعش» لكبح اندفاعة «قسد»

مقاتل من أفراد ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية يراقب آثار غارات «التحالف الدولي» على مدينة الرقة السورية ومحيطها (رويترز)
مقاتل من أفراد ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية يراقب آثار غارات «التحالف الدولي» على مدينة الرقة السورية ومحيطها (رويترز)

شنّ مقاتلو تنظيم داعش المتطرف هجمات معاكسة من داخل معاقلهم في مدينة الرقّة، شمال وسط سوريا، لوقف الهجوم الذي تشنّه ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) ذات الغالبية الكردية والمدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وعرقلة توغلها نحو عمق المدينة. وجاء هجوم «داعش» بعد سيطرة «قسد» على 4 أحياء، وأدت هجمات التنظيم إلى مقتل القائد العسكري لقوات العشائر العربية المنضوية ضمن «قسد» يحيى محمد شحادة، وعدد من عناصره. كذلك تحدثت معلومات عن مقتل قائد بارز في ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية في تفجير استهدف موكبه في بلدة عين عيسى بريف محافظة الرقة الشمالي.
«المرصد السوري لحقوق الإنسان» أفاد أمس بأن الهجمات المعاكسة لـ«داعش» أوقعت قتلى وجرحى في صفوف «قسد»، كما أنها تسببت في إبطاء تقدّم هذه القوات «نتيجة الهجمات المعاكسة وكثافة الألغام المزروعة من قبل التنظيم في أحياء المدينة ونشر قناصته في معظم مبانيها»، وأن محاور القتال شهدت اشتباكات عنيفة بين «قسد» وقوات «النخبة السورية» التي يقودها رئيس الائتلاف السوري السابق أحمد الجربا المدعومة بقوات التحالف الدولي من جهة، ومقاتلي «داعش» من جهة أخرى، على حدود حي بتاني الواقع في الطرف الشرقي للمدينة، وعلى أطراف أحياء البريد وحطين والرومانية بالقسم الغربي للرقة.
وما يذكر أن قوات عملية «غضب الفرات» (التي تشارك فيها «قسد» وحلفاؤها) كانت قد سيطرت على 4 أحياء من المدينة هي المشلب والصناعة والرومانية والسباهية، وقالت مصادر ميدانية، إن التنظيم المتطرف شنّ هجمات معاكسة، واستهدف 3 مواقع لـ«قسد» في ضاحية الجزرة الواقعة غرب الرقة، بالقرب من الضفاف الشمالية لنهر الفرات. واعترفت القوات المهاجمة، بأن العملية المعاكسة للتنظيم كبدت قواتها خسائر في الأرواح. وأكد قائد عسكري في «قسد» لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ)، أن المسؤول العسكري لقوات العشائر المنضوية ضمن صفوفها، يحيى محمد شحادة، الملقب بـ«العتيق»، قتل إثر الاشتباكات مع «داعش» في الرقة.
وتابع القائد العسكري للوكالة أن «عددًا من القتلى والجرحى من مقاتلي (قسد) سقطوا خلال هجوم (داعش) فجر اليوم (أمس) الجمعة على حي الجزرة في المدينة التي جعلها التنظيم المتطرف عاصمة له في سوريا». ووفق التقارير يشارك 18 فصيلاً في عملية تحرير مدينة الرقة، تدعمها قوات التحالف الدولي، أبرزها ميليشيات «وحدات حماية الشعب» الكردية وقوات العشائر و«صقور الرقة» و«قوات النخبة» التابعة لأحمد الجربا.
وفي السياق نفسه، اعترف المسؤول السياسي في الإدارة المدنية في الرقّة عمر علّوش، بمقتل «العتيق»، وقال إنه حصل خلال مهاجمة أحد أوكار «داعش» في حي الجزرة. وأفاد علّوش «الشرق الأوسط» بأن «عددًا من العناصر استشهدوا مع العتيق»، لكنه نفى أن يكون هجوم «داعش» المعاكس «فرمل» اندفاعة «قسد» أو حدّ من تقدمها. وتابع علّوش - وهو قيادي كردي: «لقد تم في الساعات الماضية، تحرير 4 مناطق جديدة في الرقة، وهي ساحة الجزرة وتل هرقالة والفرقة 17 ومعمل السكّر، بالإضافة إلى قرية السحيل الواقعة على بعد 7 كيلومترات جنوب غربي الرقة»، مشيرًا إلى أن «قسد» ضبطت دراجات نارية مفخخة وسيارات عسكرية محملة بالمتفجرات، كان يستخدمها التنظيم في هجماته، كما احتفظت بجثث 35 إرهابيًا، مؤكدًا أن نحو 15 من مقاتلي «قسد» قتلوا في المعارك.
في المقابل، أفادت وكالة «أعماق» التابعة لـ«داعش» بأن «11 عنصرًا من التنظيم نفذوا هجومًا انغماسيًا على مواقع (قسد) في حي الجزرة بغرب الرقة»، وأن الانغماسيين تجاوزوا خطوط دفاعهم الأولى، قُبيل منتصف ليلة الخميس، وبدأوا هجومهم عند بزوغ الفجر، حيث جرت مواجهات قُتل خلالها 19 عنصرًا من «قسد»، بينما فجر «انغماسيان» سترتيهما الناسفتين بعناصر من «قسد» وقُتل آخران.
وحول مجريات معركة الرقة، أيضًا، أعلنت وكالة الأبناء الألمانية (د ب أ)، أن سيارة تابعة لميليشيا «وحدات حماية الشعب» كانت تقل قائدًا بارزًا في «الوحدات» وعددًا من العناصر انفجرت على أطراف بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، مما أدى إلى مقتل القائد العسكري على الفور وإصابة 3 عناصر آخرين تم نقلهم إلى مشافي مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي. وأشارت الوكالة إلى أن الميليشيا الكردية نفذت على الأثر حملة مداهمات في الحي الجنوبي واعتقلت عدداً من الشباب. وبخصوص هذا الحادث، نفى القيادي الكردي عمر علّوش، مقتل القائد العسكري في الميليشيا، قائلاً إن الانفجار «الغامض» وقع بالفعل، على إحدى طرق عين عيسى وأدى إلى جرح شخصين، لكنه لم يؤدِ إلى قتلى.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.