رغم الانخفاض الذي شهده سعر القطن العالمي في سوق نيويورك خلال الأيام القليلة الماضية، فإنه يبقى مرتفعاً هذه السنة حتى نهاية مايو (أيار) الماضي، وبنسبة تزيد على 30 في المائة.
وكان سعر رطل الخيوط البيضاء المحلوجة ارتفع إلى 85.57 سنتاً في 15 مايو، ثم انخفض الأسبوع الماضي إلى نحو 77.33 سنتاً، وهي أسعار لم تسجل منذ يونيو (حزيران) عام 2014.
وفي مطلع العام، كان السعر يراوح بين 61 و63 سنتاً للرطل، بعدما كان عام 2016 شهد ارتفاعاً بنسبة 36 في المائة.
وحبس المستثمرون والمنتجون والمضاربون أنفاسهم في النصف الثاني من العام الماضي والربع الأول من العام الحالي، في موازاة تنفيذ الصين وعدها بتصريف جزء من مخزونها الضخم... والخشية سادت بالنظر إلى إمكان تأثير ذلك على الأسعار. وباعت الصين في 2016 نحو 3 ملايين طن من مخزونها الضخم الذي كان يشكل 60 في المائة من المخزون العالمي. وأعلنت أنها ستبيع خلال 2017 نحو 3.75 مليون طن، أي بزيادة 25 في المائة مقارنة بحجم التصريف الذي نفذته العام الماضي. وشرعت منذ مارس (آذار) الماضي في تنفيذ مزادات ستتوالى حتى نهاية العام. ومع ذلك تماسكت الأسعار نسبياً ثم صعدت.
ويقول محللون: إن «المصنعين الصينيين يشترون الكميات لأن حاجتهم تقدر بنحو مليوني طن سنوياً، كما أن المستثمرين العالميين يراهنون على صعود الأسعار في موازاة عودة الطلب متأثراً بنمو الاقتصاد العالمي بمعدلات أعلى من السنوات السابقة».
ويرى المحللون، أن «الصينيين باتوا صناع سوق في هذا القطاع؛ لأن المخزون الذي لديهم يسمح لهم بسيطرة نسبية على مجريات التداول والأسعار، علما بأن إجمالي المخزون العالمي يقدر الآن بنحو 10 أشهر من الاستهلاك، أي 19 إلى 20 مليون طن. ورغم المزادات الأسبوعية للبيع من مخزونها، يبقى لدى الصين حتى الآن 45 في المائة من إجمالي مخزون كل الدول التي تخزن المحلوج».
في المقابل، يراهن مضاربون على انخفاض الأسعار هذه السنة، وحجتهم في ذلك أن «مساحات زراعية أميركية إضافية دخلت على خط الإنتاج؛ إذ تشير التوقعات إلى ارتفاع الإنتاج الأميركي بنسبة 12 في المائة بنهاية موسم القطاف المرتقب. ويذكر أن الإنتاج العالمي بلغ 24 مليون طن في 2016، وتجاوزت الهند في إنتاجها الصين منذ 2014 لتحتل المركز العالمي الأول، وتأتي الولايات المتحدة الأميركية في المرتبة الثالثة، تليها باكستان ثم البرازيل.
ويشير تقرير للجنة عالمية تجمع اتحادات منتحين إلى أن «أسعار القطن تدور فيما يشبه حلقة مفرغة؛ لأن الحديث عن منتجين ومصدرين ومستهلكين في هذا القطاع لا يشبه أي حديث مماثل في قطاع آخر. فإذا كانت الهند والصين تنتجان 46 في المائة من الإجمالي العالمي، فإنهما يستهلكان 53 في المائة من ذلك الإنتاج. وإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية في المركز الثالث من حيث الإنتاج فإنها الأولى عالميا في تصدير القطن».
ويضيف التقرير: «كانت الصين تستورد 4 ملايين طن سنوياً، أما الآن فتستورد 4 مرات أقل لأن بعض مصانع النسيج والألبسة الصينية انتقلت إلى دول آسيوية أخرى، حيث كلفة يد العاملة منخفضة جداً، وبذلك تقدمت بنغلاديش وفيتنام إلى رأس قائمة المستوردين العالميين للقطن الخام وخيوطه».
ويقول خبير أسواق: إن «الطلب على القطن سيبقى متماسكاً، بل قد يرتفع، على الرغم من منافسة الخيوط الصناعية المركبة مثل البوليستر؛ وذلك لأسباب عدة، أبرزها مشكلات التلوث ودرجات الحرارة، إضافة إلى الحساسية التي لدى كثيرين من الملابس المصنعة من الخيوط الصناعية المركبة كيميائياً، ولا يمكن الاستغناء عن القطن كما سبق وتوقع كثيرون، بل إن التوقعات تشير إلى أن السنوات الخمس المقبلة قد تشهد زيادة طلب الاستهلاك على عرض الإنتاج». ويذكر في هذا الصدد أن «البوليستر» ومنذ ظهوره في الأسواق في ستينات القرن الماضي شكّل منافسة شرسة للقطن، ولم يرتفع الاستهلاك العالمي للقطن، بل بقي متوسط استهلاك الفرد عند 3.2 كيلوغرام سنوياً فقط.
ويطرح المتشائمون أسئلة عن استدامة زراعة القطن في مواجهة الخيوط الصناعية. ففي 20 سنة انخفض استخدام القطن في المنسوجات والألبسة من نسبة 50 في المائة إلى 25 في المائة فقط، في مقابل ارتفاع استخدام الخيوط الصناعية بنسبة 500 في المائة. ويسعى المنتجون إلى التركيز على ما بات يسمى بـ«القطن الممتاز» الذي له هوية ثقافية وتنموية، ولا يستخدم المبيدات في زراعته ولا يستنزف الموارد المائية، ولا يستغل الأطفال في تلك الزراعة.
وتعول شريحة من المزارعين والمنتجين أيضا على تحرك دولي تقوده 13 شركة عالمية كبيرة مثل «إتش آند أم» و«نايكي» و«ليفي شتروس» و«إيكيا» وغيرها... للالتزام باستخدام القطن العضوي في منتجاتها وبنسبة 100 في المائة لتشجيع التنمية المستدامة في الدول المنتجة، ومحاربة التلوث الناتج من أساليب سيئة بيئياً في الزراعة والإنتاج. وتلك الشركات الموقعة على هذا الالتزام في لندن الأسبوع الماضي تستهلك 300 ألف طن سنويا. وتنص الوثيقة على ذلك الالتزام حتى عام 2025. وتقول: «هذا التعهد يدعم زراعة القطن العضوي، ولا سيما في الدول النامية، ويحمي البيئة. فالزراعة العضوية تخفض الانبعاثات التي تفاقم الاحتباس الحراري، وتخفض استهلاك المياه وتحافظ على التربة. وإذا كان هناك مستقبل لهذا القطاع فهو كامن في تلك التعهدات التي تعيد للخيط الأبيض بريقه ونبله».
أسعار القطن تصعد وتتماسك وتقاوم العوامل المضادة
الإنتاج العالمي مستقر عند 24 مليون طن سنوياً
أسعار القطن تصعد وتتماسك وتقاوم العوامل المضادة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة