بدأت تتضح «رؤية» الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون للحرب في سوريا و«خطوطها الحمراء»، «وسبل الخروج منها ولكيفية إعادة فرنسا إلى دائرة التأثير بعد أن تم استبعادها في الأشهر الأخيرة أي منذ انطلاق الهيئة الثلاثية، روسيا وتركيا وإيران» التي رعت بداية وقف إطلاق النار ثم اتفاق إيجاد مناطق تخفيف النزاع. وبعد لقاء الرئيس الأميركي في بروكسل يوم الخميس الماضي والرئيس الروسي أول من أمس في قصر فرساي، استقبل ماكرون رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب في قصر الإليزيه، أمس، الذي سبق له أن التقى والوفد المرافق في اليوم نفسه وزير الخارجية جان إيف لو دريان.
تقوم «الرؤية» الفرنسية بداية على تشخيص يبين أن الغرب «الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي» مغيبون عن الأزمة السورية وهو ما اعتبره ماكرون حالة «انكسار» يتعين الخروج منها.
بالنظر للواقع الميداني والسياسي، يبدو بوضوح أن باريس تسعى للعودة إلى الملف السوري من البوابة الروسية. ومن هذه الزاوية يتعين فهم عبارة ماكرون الذي أشار إلى الحاجة «للتعاون» مع روسيا بشأن كثير من البؤر المشتعلة، وألح على ضرورة استئناف الحوار «الصريح» معها. والأهم من ذلك تأكيد الرئيس الفرنسي رغبة بلاده في «تعزيز الشراكة معها» في الملف السوري «بمعزل عن العمل» الذي تؤديه باريس في إطار التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وعمليا، قدم ماكرون مقترحين: الأول، إنشاء مجموعة عمل مشتركة تكون الإطار المكلف متابعة تعزيز الشراكة. والثاني، الانطلاق في ذلك من خلال «تبادل المعلومات» الخاصة بمحاربة الإرهاب. وكـ«هدية» لبوتين، أفاد ماكرون بأنه لا يرى مانعا في التحاور مع ممثلين عن جميع الأطراف «ومن بينهم ممثلون عن بشار الأسد».
ورغم أن مفاوضات جنيف غير المباشرة تدور بين ممثلين عن النظام والمعارضة وكذلك حوارات آستانة، فإنها المرة الأولى التي تبدي فيها باريس التي كانت الأقرب إلى مواقف المعارضة، هذا الانفتاح على النظام والحوار معه. بيد أن باريس، وفق ما أكده ماكرون شخصيا، الذي لم يصل بعد إلى حد التخطيط من أجل إعادة فتح السفارة الفرنسية في دمشق، استبعد مبادرة قريبة في هذا الاتجاه.
وأمس، أصدر قصر الإليزيه بيانا مختصرا عن لقاء ماكرون وفد المعارضة. ولعل أهم ما حمله أنه أعاد التأكيد في فقرته الأخيرة على «التزام» الرئيس الفرنسي «الشخصي» بالعمل على الملف السوري و«دعمه للمعارضة السورية في السعي لعملية انتقال سياسية في سوريا». وتعيد هذه التعابير إلى اللغة الفرنسية التقليدية التي كانت سائدة في عهد الرئيس السابق فرنسوا هولاند.
تقول مصادر دبلوماسية غربية في باريس تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن «المبادئ مهمة ولكن الأهم كيفية ترجمتها على أرض الواقع». فبخصوص تأكيد العزم على معاقبة مستخدمي السلاح الكيماوي «مستقبلا» أيا تكن هويتهم، لا تبشر التجارب السابقة بقدرة ماكرون على تنفيذ تهديداته. وما حصل في صيف عام 2013 يظهر أن فرنسا وحدها «غير قادرة» لأسباب سياسية وعسكرية على أن تحذو حذو ما قام به الرئيس ترمب مؤخرا بعد ما حصل في خان شيخون وإعطائه الأوامر لضرب قاعدة جوية سورية بصورايخ موجهة من البحر. أما في موضوع إنشاء مجموعة عمل مشتركة لتعزيز التعاون في الحرب على الإرهاب، فقد سبقه هولاند على هذه الطريق عقب تعرض فرنسا لعمليات إرهابية ضخمة نفذها تنظيم داعش عام 2015. لكن مساعي هولاند لم تفض إلى نتيجة بسبب معارضة واشنطن تقاسم معلومات حساسة مع موسكو.
بيد أن إخفاقات العهد السابق في الملف السوري لا يبدو أنها ستثني ماكرون عن المحاولة بدوره، وفق ما تؤكده المصادر المشار إليها. وبالنظر لغياب «رؤية» أميركية واضحة لمستقبل سوريا السياسي، فإن الرئيس الجديد «يرى أن هناك فرصة يتعين استغلالها» وأن النجاح بها «لا يمكن أن يتم عن طريق التصادم مع موسكو سياسيا ودبلوماسيا بل عبر التعاون والانفتاح والحوار». من هنا، فإن محطة فرساي يمكن أن تكون لها تتمات، خصوصا إذا صدقت التحليلات القائلة إن بوتين أيضا «يبحث عن مخرج» من الحرب في سوريا وإنه يمكن أن «يستخدم ورقة ماكرون» للتقارب مع الغرب. وبأي حال، فإن ماكرون يريد التوصل إلى «خريطة طريق سياسية ودبلوماسية» يمكن العمل على تنفيذها وليس حصر الاهتمام فقط بالعمل العسكري.
مشكلة هذه القراءة أنها لا تحمل جديدا. فقبل ماكرون، حاول وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري التعاون والانفتاح على موسكو لكن من غير جدوى. أما عبارة أن بوتين «يبحث عن مخرج» فعمرها على الأقل عامان. وحتى الآن، ما زالت موسكو تعزز حضورها وإمساكها بالملف السوري ربما في انتظار أن تحين الفرصة لإجراء «مقايضة» من نوع ما بينه وبين ملفات أخرى، ليست أقل أهمية كموضوع العقوبات مثلا. وأخيرا، فإن خريطة الطريق موجودة وتم تقييدها في القرار الدولي رقم 2254، لكن الصعوبة تبقى في الانتقال من المبادئ إلى التنفيذ.
باريس تسعى للعودة إلى الملف السوري من «البوابة» الروسية
مصادر: النجاح في سوريا لا يتم عبر التصادم مع موسكو
باريس تسعى للعودة إلى الملف السوري من «البوابة» الروسية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة