لبنان: ترقّب حذر لانعكاسات «إعلان الرياض»... وباسيل يتنصّل من مسؤوليته

استبعاد تأثيره على التضامن الحكومي وعلاقة رئيسي الجمهورية والحكومة

لبنان: ترقّب حذر لانعكاسات «إعلان الرياض»... وباسيل يتنصّل من مسؤوليته
TT

لبنان: ترقّب حذر لانعكاسات «إعلان الرياض»... وباسيل يتنصّل من مسؤوليته

لبنان: ترقّب حذر لانعكاسات «إعلان الرياض»... وباسيل يتنصّل من مسؤوليته

ألقى البيان الختامي للقمة الإسلامية الأميركية الذي صدر من العاصمة السعودية الرياض، بثقله على الوضع اللبناني المتأزّم أصلاً بفعل الخلافات الداخلية، خصوصاً لجهة ما تضمنه من هجوم على إيران وسياستها الرامية إلى زعزعة أمن المنطقة، حيث استبق وزير الخارجية جبران باسيل، أي موقف لـ«حزب الله» وحلفاء إيران، بإعلان تنصّله من المسؤولية عن «إعلان الرياض» ومضمونه، في وقت سخر رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية من كلام باسيل، وعلّق عليه قائلا: «شاهد ما شافش حاجة».
وفي غياب أي موقف لـ«حزب الله» تجاه التلويح بإجراءات ضدّه وضدّ إيران، فإن الساحة اللبنانية المنقسمة جراء خلاف القوى السياسية على الملفات الداخلية وأولها قانون الانتخاب، تترقب بحذر انعكاسات نتائج قمّة الرياض على التضامن الحكومي، وعلى علاقة رئيسي الجمهورية والحكومة ميشال عون وسعد الحريري، خصوصا أن باسيل الذي رافق الحريري إلى الرياض، يعبّر عادة عن موقف عون شخصياً، غير أن وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا التويني، أوضح أن «كل الأطراف السياسية متفقة على تحييد خلافاتها الإقليمية عن الشأن اللبناني، وهي تركّز اهتماماتها على العمل الوطني، ضمن الحدود اللبنانية».
وأكد تويني المحسوب على الفريق الوزاري لرئيس الجمهورية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الرئيسين عون والحريري هما على تفاهم وتنسيق كاملين، ودولة رئيس الحكومة أبلغ مجلس الوزراء أنه متفق تماماً مع رئيس الجمهورية على الكلمة التي كان يفترض أن يلقيها (الحريري) في قمّة الرياض»، مشدداً على أن «الوضع الحكومي لن يتزعزع، لأنه مبني على تفاهم سياسي صلب، ولا أحد لديه الرغبة في زعزعة الاستقرار».
وكان «إعلان الرياض» الذي صدر في ختام القمّة مساء الأحد، أكد على «الرفض الكامل لممارسات النظام الإيراني المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، ولاستمرار دعمه للإرهاب والتطرف». ودان بشدة «المواقف العدائية للنظام الإيراني، واستمرار تدخلاته في الشؤون الداخلية للدول، في مخالفة صريحة لمبادئ القانون الدولي وحسن الجوار، وضرورة التصدي لذلك»، وأعلن عن «التزام القادة بتكثيف جهودهم للحفاظ على أمن المنطقة والعالم، ومواجهة نشاطات إيران التخريبية والهدامة بكل حزم وصرامة داخل دولهم وعبر التنسيق المشترك».
من جهته، اعتبر عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش، أن «رئيس الجمهورية يعرف تماماً أن هناك مشكلة حول دور إيران في المنطقة، ويعرف معنى الإحراج السياسي تجاه هذا الدور»، ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما قاله الوزير باسيل، ليس إلا محاولة للاعتذار من (حزب الله) وعدم الوقوع في الإحراج، ومن المؤكد أن أي وزير مخضرم يعرف تماماً أن قمة تاريخية بهذا الحجم، وعلى قدر كبير من الأهمية سيصدر عنها بيان، ويفترض أن يتوقع موقفاً حازماً تجاه إيران وسياستها في المنطقة». وقال علوش «كل المؤتمرات والقمم تصدر عنها بيانات، وهذا ما يدفعنا للاستغراب لو لم نكن على دراية بحساسية الوضع اللبناني»، معتبراً أن باسيل «أراد أن يبرر موقفه لـ(حزب الله) ليس أكثر من ذلك».
وعمّا إذا كان إعلان الرياض سيؤسس لأزمة داخل الحكومة، لفت علوش، إلى أن الحزب «يعرف أن لديه أزمة كبيرة، فبنفس القدر الذي يخرق فيه الاستقرار، ويستخدم كأداة إيرانية للعبث بأمن المنطقة، عليه أن يتفهّم أن هناك محاولة لتخفيف انعكاسات نشاطه العسكري والأمني على لبنان، من خلال الدور الذي يقوم به الرئيس سعد الحريري في الخارج». وقال: «إذا أثير هذا الأمر داخل مجلس الوزراء، فإن مقاربته ستجري من زاوية تسوية لن تغيّر من الواقع شيئا».
إلى ذلك، أكدت مصادر رئيس الحكومة سعد الحريري لمحطة (إم تي في)، أنه «كان من الطبيعي أن يتضمّن إعلان الرياض موقفاً حازماً من إيران». ولفتت إلى أن «الوفد اللبناني ليس مسؤولاً عن الكلام الذي ألقي في القمة، بل عن كلمة لبنان الرسميّة التي كان سيلقيها الحريري، علما بأن البيان لا يتضمّن أي موقف سلبي من لبنان». وشدّدت المصادر على أنّ «كلمة الحريري ألغيت بسبب ضيق الوقت، وقد حصل الأمر نفسه مع الكثير من كلمات رؤساء الدول المشاركة».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.