«رؤيا»... قناة أردنية طوّعت «التواصل الاجتماعي» لصالحها

تجربة شبابية حولت مواهب «يوتيوب» إلى برامج فضائية

«7 أطباء» البرنامج الطبي الذي بدأه شباب حديثو التخرج
«7 أطباء» البرنامج الطبي الذي بدأه شباب حديثو التخرج
TT

«رؤيا»... قناة أردنية طوّعت «التواصل الاجتماعي» لصالحها

«7 أطباء» البرنامج الطبي الذي بدأه شباب حديثو التخرج
«7 أطباء» البرنامج الطبي الذي بدأه شباب حديثو التخرج

انطلقت في الأول من يناير (كانون الثاني) من عام 2011، كأول محطة فضائية أردنية بإنتاج محلي لبرامجها المختلفة. وفي سنتها السادسة استطاعت «رؤيا» التميز بتوظيفها وسائل التواصل الاجتماعي وتحويل منابره إلى أدوات للتفاعل مع المشاهدين، واستقطاب المواهب من «يوتيوب» وغيره وتحويلها إلى برامج تلفزيونية.
وقد يكون السر وراء الرونق الشبابي المتحمس للقناة، مديرها رجل الأعمال الشاب فارس الصايغ، الذي يحرص دوما على دعم الطاقات المحلية الشبابية في الأردن، وعدم خسارتها للفضائيات خارج البلاد.
وعندما زرت مقر القناة في العاصمة الأردنية، اختلست الدقائق الأخيرة من تصوير البرنامج الصباحي «دنيا يا دنيا» عندما كانت مقدمته رندا عازر تتلقى الأسئلة من المشاهدين على «فيسبوك» و«تويتر»، وتطرحها على «الشيف» خلال فترة الطبخ. وفور الانتهاء، وخلال التهامنا للمعجنات، حدثتني الإعلامية عازر عن حكاية «رؤيا»، كونها أول وجه ظهر على شاشة القناة يوم انطلاقها. وقالت: «أصبحنا جزءا لا يتجزأ من صباح المشاهدين». وأضافت: «الذي يميز (رؤيا) في السنة السادسة هو التركيز وتوظيف مواقع التواصل الاجتماعي، حيث لدينا أكثر من نصف مليون متابع على صفحة (دنيا يا دنيا) وأكثر من 3 مليون ونصف على صفحة القناة». وأوضحت: «وُظف (سنابشات) والوسائل الاجتماعية الأخرى، لاستنباط رأي الناس وإنتاج حلقات حسب طلبهم».
واعتبرت عازر القناة «نقلة نوعية للإعلام الأردني، وتعديلا للصورة النمطية، وانعكاسا لشريحة واسعة من المشاهدين». وتأمل عازر في أن تنافس «رؤيا» الفضائيات العريقة في المستقبل القريب، ونوهت بأن «رؤيا» تحمّل جميع برامجها على «يوتيوب»، لتصبح متاحة بشكل أوسع للمتابعين.
وكشف اختصاصي التواصل الاجتماعي لدى «رؤيا»، الشاب حاتم الشولي، أن القناة بدأت بثها الفضائي بالتوازي مع إطلاق حضورها الإلكتروني. وأضاف: «لنا حسابات في جميع منابر التواصل: (فيسبوك)، و(تويتر)، و(إنستغرام)، و(يوتيوب)، و(سنابشات)، إذ نحن قناة مرنة وغير جامدة، نهتم بردود فعل مشاهدينا ونهتم بآرائهم وهذا سبب تطور القناة».
وعن الأمر الذي يميز القناة؛ وهو تحويل مقاطع «يوتيوب» إلى برامج فضائية، قال الشولي: «اشتهرت ظاهرة كوميديا (ستاند أب) في الأردن قبل بضعة سنوات على (يوتيوب)، ولفت أداء الشباب الأردني انتباهنا، وأصبح همنا استقطابهم وعرضهم على الشاشة، في برنامج كوميدي ذي محتوى مناسب للأونلاين والشاشة التقليدية، وبالفعل نجحنا».
وحول تجربة نجاح البرامج ذات الإنتاج المحلي، قال الشولي: «نميل لـ«يوتيوب» وللكوميديا، وعندنا في رمضان ساعة كوميديا يوميا، الأكثر متابعة، ومنذ عام 2015 أصبحنا ثاني أكثر قناة متابعة في الأردن (تنافس الفضائيات العربية الأخرى مثل «إم بي سي»)».
وأضاف: «لدينا أيضا في كل محافظة في المملكة مراسل، ونعتمد على المواطن الصحافي بشكل كبير أيضا، إلى جانب مراسلين في رام الله وغزة، وتغطيتنا تتعدى الشاشة، وننشرها على (السوشيال ميديا) عندما تكون الأحداث آنية». وأضاف: «إلى جانب ذلك، كثير من برامجنا حقق نجاحا كبيرا، ليس فقط بالأردن، ولكن في الوطن العربي وعند المشاهد العربي أينما كان».
وعن قاعدة المتابعين قال: «أكثر شريحة عمرية تتابعنا هي الشباب العربي من 18 – 45، ولا تقتصر فقط على الجالية الأردنية، فلدينا متابعون كُثر من المغتربين الأردنيين في أميركا وأوروبا».
ولأن القناة شاملة، يأتي برنامج «نبض البلد» لتعزيز الحوار السياسي والقضايا المحلية والإقليمية الشائكة كل مساء، وللتفاعل على مواقع التواصل دور كبير في انتقاء الموضوعات، وتسيير النقاش أيضا.
وبدوره، قال قاسم صالح، مساعد الإعداد في البرنامج: «نجس نبض الشارع من تفاعلهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ويلهمنا ذلك في تحضير الحلقات واختيار الموضوعات، وقياس جودة البرنامج»، وأضاف: «سقفنا مرتفع لأننا نتعامل مع النخب السياسية».
وللشباب حصة الأسد في البرامج، فإلى جانب الكوميديا، لدى القناة برنامج شبابي اسمه «كرفان» يحاكي احتياجاتهم واهتماماتهم. كما انطلق برنامج «7 أطباء» بناء على مقترح قدمه أطباء حديثو التخرج للقناة، فكّروا في تأسيس البرنامج من 7 تخصصات طبية، ويطلون على الناس منذ عامين، وتحول من برنامج صغير إلى كبير، باستديو وجمهور. كما تحتل الرياضة مكانة مهمة ضمن برامج القناة، إذ قال حسام نصار، محرر ومنتج نشرة الأخبار الرياضية، إنه إلى جانب النشرة، لدى القناة برنامج رياضي هو «إكسترا تايم»، الأكثر مشاهدة.
ولأن القناة تعتمد على الفضاء الإلكتروني، قررت إطلاق موقع إخباري ليكملها في عام 2013، وهو اليوم من بين العشرة مواقع الأوائل تصفحا في الأردن، حسب سهل الدمور، محرر الموقع. وكشف الدمور أنه يحدّث على مدار الساعة، ويغطي الأخبار المتنوعة من السياسة إلى الاقتصاد إلى الرياضة والمنوعات.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.