مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

من لي برأس فأشتريه؟

في هذا العام سوف تجرى عملية نقل رأس إنسان وزراعته في جسد إنسان آخر.
وقبل أن تتعجبوا أو تسخروا أو تكذبوا أو ترفضوا، تمهلوا قليلاً ثم فكروا.
من وجهة نظري المحدودة ليس هناك بعد مشيئة الله أمر مستعص على علم الطب - إذا ابتعدنا وجنبنا (الحياة والموت) لأنهما بيد القدر -، أما ما عدا ذلك فميدان التجارب هو الحكم.
فقبل عام (1906) كان مجرد نقل الدم من إنسان إلى آخر ضرباً من الخيال، وتمت هذه العملية بنجاح، وأنقذت بعدها مئات الملايين من الأرواح، كان من المفروض أن تذهب كلها للمقابر.
وبعد ذلك (كرّت السبحة) ويا لها من كرّة، عندما بدأت زراعة الأعضاء ابتداء من أصغر ما في جسد الإنسان، وهي حدقة العين إلى جميع الأعضاء تقريباً، من القلب إلى الكلية إلى الرئة إلى الكبد إلى اليد، بل حتى إلى الخصية.
وفي الصين، على سبيل المثال، هناك عشرات عمليات نقل الأعضاء تجرى يومياً، حيث إن الحكومة هناك تفرض نقل أعضاء المتوفين دماغياً – أي سريرياً - وكل المحكوم عليهم بالإعدام تنقل أعضاؤهم إجبارياً للمرضى الذين هم في حاجة لها.
وقبل أن أدخل في موضوع زراعة الرأس، لا بد من الإشارة إلى أن زراعة الرؤوس قد تمت على الفئران والكلاب، وكانت مزدوجة - أي رأس بجانب رأس -، وهناك عملية نقل رأس كامل لقرد زرع في جسد قرد آخر، وعاش ثمانية أيام قبل أن يموت.
أعود للرأس العجيب هذا، وأقول إن الدكتور الإيطالي (سيرغيو كانافيرو) هو الذي سوف يجري هذه العملية الثورية إلى (سبيريدونوف) المصاب بالشلل الرباعي، وسوف يزرع رأسه في جسد سليم متوفى دماغياً.
وسوف يقطع رأسه ويبقى منفصلاً عن جسده لمدة ساعة، ثم تبدأ العملية، ومن المقرر أن يساعد الطبيب في ذلك (150) مختصاً، وستدوم العملية (36) ساعة، وتتكلف ما بين خمسة إلى سبعة ملايين دولار.
وسوف يبقى المريض لمدة شهر كامل تحت العناية المركزة، وبعدها يخرج صحيحاً معافى الجسد، ومن الممكن أن يذهب ويلعب (الفوت بول).
وانتظروا لا تستعجلوا، فقد يفتح الله على يد هذا الطبيب الإيطالي وتنجح العملية، وإذا حصل ذلك، فما أكثر الرؤوس التي سوف تنقطع وتزرع في من لهم (أجساد البغال وأحلام العصافير).
ورحم الله تلك الشاعرة العربية القديمة التي سبقت عصرها بمراحل عندما صرخت قائلة: (من لي برأس فأشتريه؟!).
والظاهر أن حبيبة قلبي تلك كانت (بشعة) ومقتدرة، وضاقت ذرعاً بوجهها القبيح، وأرادت أن تشتري بمالها رأس (ست الحسن) المسكينة.