«نيويورك تايمز» تتأرجح بين {الورقية} و{الرقمية}

رغم ارتفاع الأرباح

مبنى «نيويورك تايمز»
مبنى «نيويورك تايمز»
TT

«نيويورك تايمز» تتأرجح بين {الورقية} و{الرقمية}

مبنى «نيويورك تايمز»
مبنى «نيويورك تايمز»

يبدو أن صحيفة «نيويورك تايمز» في طريقها لتركز على طبعتها الرقمية (الإلكترونية) أكثر من طبعتها الورقية (المطبوعة) انطلاقا من أن المستقبل مع الرقمية. وتوضح ذلك أرقام عن أرباحها أعلنت أول من أمس. في بيان من رئاسة الصحيفة، أعلنت ارتفاع إيرادات الإعلانات من النسختين الورقية والرقمية. لكن، ارتفعت أقل من الورقية. وأيضا، قل توزيع الورقية، بينما زاد توزيع الرقمية. حسب البيان، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2014، ارتفع إجمالي الإيرادات 2.6 في المائة، إلى 390 مليون دولار تقريبا. وذلك للمرة الأولى منذ عدة سنوات. سواء بالنسبة للطبعة الورقية أو عائدات الإعلانات الرقمية. وبلغت جملة الأرباح 22 مليون دولار.
لكن، تركز هذه الأرقام على أرباح الإعلانات الرقمية، وذلك لأنها زادت مع زيادة الاشتراكات الرقمية. زادت إيرادات الاشتراكات الرقمية بنسبة 13.6 بنسبة في المائة عن العام الماضي، إلى 40 مليون دولار تقريبا. وأضافت الشركة نحو 40 ألف مشترك رقمي خلال الربع الأول (ثلاثة شهور) من هذا العام. وبهذا، صار إجمالي عدد المشتركين الرقميين قرابة مليون اشتراك.
وقال مارك طومسون، الرئيس التنفيذي لشركة «نيويورك تايمز»: «بدأ هذا العام بداية طيبة. نمت الإيرادات في كل المجالات في الربع الأول. وأيضا، زاد الاشتراك الرقمي بسبب حملة جديدة في بداية أبريل (نيسان)».
تشمل الحملة أربع إضافات:
أولا: «تايمز أبليكيشان» (تطبيق).
ثانيا: «تايمز ناو» (أخبار مختصرة للتليفونات الذكية).
ثالثا: «تايمز بريميار» (خدمة خاصة لمدمني الصحيفة).
رابعا: «تايمز أبشوت» (موقع جديد يركز على السياسة والسياسيين).
في نفس الوقت، حسب تصريحات طومسون، تخطط الصحيفة لتوسيع ملحقاتها في الطبعة الورقية، وأيضا، توفير «آب» (تطبيق) لهذه الملاحق في الطبعة الإلكترونية. ويبدو أن الهدف، في المستقبل البعيد، هو تأسيس مجلات إلكترونية. مثل: «تايمز فود» (تطوير ملحق الطعام). و«تايمز ريك» (تطوير ملحق الترفيه). و«تايمز بيبول» (تطوير ملاحق أخبار المجتمع).
في الجانب الآخر، زادت دخول الإعلانات. سواء الورقية، أو الرقمية. وحسب تقرير كتبه رافي سميا، محرر اقتصادي في نفس الصحيفة، من أسباب هذه الزيادة:
أولا: تعيين ميرديث ليفاين مديرا للإعلانات، وهو من مشاهير الإعلانات في «ماديسون آفنيو» (شارع الإعلانات في نيويورك).
ثانيا: استعمال «نيوزاد» (إعلانات في صورة أخبار).
بسبب هذه النجاحات، في الإعلانات والاشتراكات، ارتفعت قيمة سهم شركة «نيويورك تايمز» في «وول ستريت» (شارع المال). في نفس يوم صدور بيان النجاحات، زادت قيمة السهم بنسبة اثنين في المائة (إلى 83 دولار). وقال كانان فينكاتوشوار، مستشار مالي في «باركليز كابيتال» (فرع بنك باركليز الاستثماري): «توضح هذه الأرقام أن الشركة حققت نجاحات كبيرة في تحقيق استقرار مالي (ومكتبي، ووظيفي). وإنها تريد الانطلاق نحو المستقبل. لكن، يتوقع أن يكون هذا أكثر صعوبة من انطلاق الماضي».
وأخيرا، قد يقصد أن شركة «نيويورك تايمز» تظل تحمل عبء الطبعة الورقية التي تستمر في الانخفاض في التوزيع. لا يمكن أن تغلق الشركة الطبعة الورقية. لكن، ستسمر في ظروف «أكثر صعوبة من الماضي»، كما قال.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.