«لا لا لاند» ملك حفل البافتا اللندني بخمس جوائز رئيسة

دوق ودوقة كامبردج يخطفان الأضواء من نجوم السينما

الممثلة الأميركية إيما ستون تتوسط فريق عمل فيلم «لا لا لاند»  (أ.ف.ب).. وفي الاطار كيسي أفلك ينال جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم «مانشستر باي ذا سي» (إ.ب.أ)
الممثلة الأميركية إيما ستون تتوسط فريق عمل فيلم «لا لا لاند» (أ.ف.ب).. وفي الاطار كيسي أفلك ينال جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم «مانشستر باي ذا سي» (إ.ب.أ)
TT

«لا لا لاند» ملك حفل البافتا اللندني بخمس جوائز رئيسة

الممثلة الأميركية إيما ستون تتوسط فريق عمل فيلم «لا لا لاند»  (أ.ف.ب).. وفي الاطار كيسي أفلك ينال جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم «مانشستر باي ذا سي» (إ.ب.أ)
الممثلة الأميركية إيما ستون تتوسط فريق عمل فيلم «لا لا لاند» (أ.ف.ب).. وفي الاطار كيسي أفلك ينال جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم «مانشستر باي ذا سي» (إ.ب.أ)

هيمن الفيلم الغنائي الاستعراضي الأميركي «لا لا لاند» مساء أول من أمس في لندن على حفل توزيع جوائز بافتا السينمائية البريطانية، حاصدا خمس جوائز. وذلك وسط حضور نخبة عالم السينما من بريطانيا والولايات المتحدة ومختلف أنحاء العالم. كما شهدت الفعالية حضورا ملكيا، حيث قدم دوق كامبردج الأمير ويليام جائزة زمالة الأكاديمية للممثل والمخرج البريطاني المخضرم ميل بروكس بحضور زوجته دوقة كامبردج كيت ميدلتون.
ومن بين الجوائز التي فاز بها «لا لا لاند» جائزة أفضل فيلم وجائزة أفضل تصوير سينمائي وجائزة أفضل موسيقى تصويرية. وكان الفيلم قد رشح للفوز بعدد 11 جائزة من جوائز بافتا. ويأتي هذا النجاح في أعقاب فوز الفيلم بسبع جوائز غولدن غلوب، حسبما أوردت وكالة «رويترز» للأنباء أمس.
ويروي الفيلم قصة عازف بيانو جاز مكافح يدعى سيباستيان يقع في حب ميا وهي ممثلة طموحة في لوس أنجليس في العصر الحديث. ويحاول سيباستيان جذب اهتمام الناس من الشباب والكبار لموسيقى الجاز التقليدية، بينما تأمل ميا أن تنال فرصة عمل بالتمثيل من خلال أحد الاختبارات التي أجرتها من أجل هذا الغرض في نهاية المطاف.
وفاز داميان تشازيل مخرج الفيلم بجائزة أفضل مخرج. ونال الممثل كيسي أفليك جائزة أفضل ممثل عن فيلم «مانشستر باي ذا سي». ويدور الفيلم حول قصة أسرة من الطبقة العاملة تواجه عدة مآس.
وفازت إيما ستون بجائزة أفضل ممثلة عن مشاركتها في فيلم «لا لا لاند».
وحاز فيلم «آي دانيل بليك» جائزة أفضل فيلم بريطاني. وفاز ديف باتيل بجائزة أفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم «ليون». ويتناول الفيلم قصة حقيقية لصبي هندي يتبناه زوجان أستراليان.
وحصدت فيولا ديفيس جائزة أفضل ممثلة مساعدة عن دورها في فيلم «فنسز». ويتناول الفيلم تحويل مسرحية حاصلة على جائزة بوليتزر وتحمل الاسم نفسه إلى فيلم سينمائي. وتتناول أحداث المسرحية حياة العمال الأميركيين من أصل أفريقي في خمسينات القرن العشرين.
وحصل فيلم «ثالث عشر» الذي يتناول النظام القضائي الجنائي الأميركي على جائزة أفضل فيلم وثائقي، كما منحت جائزة أفضل فيلم رسوم متحركة لفيلم «كوبو آند تو سترنغز».
كما ذهبت جائزة أفضل مؤثرات خاصة إلى فريق عمل المؤثرات في فيلم «كتاب الغابة» الذي أنتجته شركة والت ديزني عن قصة الكاتب الإنجليزي الشهير راديارد كيبلنغ بالعنوان ذاته. ومنحت جائزة المونتاج للمونتير جون غيلبيرت عن عمله في الفيلم الملحمي عن الحرب العالمية الثانية «هاكسو ريج».
وذهبت جائزة أفضل نجم صاعد التي يصوت عليها الجمهور للممثل البريطاني، توم هولاند، الذي عرف بأدائه لدور الرجل العنكبوت ودور بيلي أليوت في المسرحية الموسيقية بالاسم نفسه.
وحصد الفيلم الأميركي «جاكي» الذي يتناول حياة جاكلين زوجة الرئيس الأميركي جون كينيدي لحظة اغتياله، جائزة أفضل تصميم أزياء.
ويعد حفل توزيع جوائز «بافتا» أكبر فعالية جوائز فنية عالمية تسبق حفل توزيع جوائز الأوسكار في الولايات المتحدة في وقت لاحق هذا الشهر.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)