رؤية استشرافية للتطرف

في ظل الحقبة الراهنة في أميركا

عناصر من جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) بعد إحدى معاركهم قرب مدينة حلب ({غيتي})
عناصر من جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) بعد إحدى معاركهم قرب مدينة حلب ({غيتي})
TT

رؤية استشرافية للتطرف

عناصر من جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) بعد إحدى معاركهم قرب مدينة حلب ({غيتي})
عناصر من جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) بعد إحدى معاركهم قرب مدينة حلب ({غيتي})

بينما كانت مفردة «البريكست» أكثر الكلمات الجديدة انتشارًا في اللغات العالمية، كان اسم دونالد ترمب الأكثر تكرارًا في مختلف لغات العالم طوال الشهور الماضية. وهو ما يبدو سيستمر طوال فترته، فالعالم يعيش على وقع تصريحاته وتغريداته مرشحًا منذ بدء حملته في يونيو (حزيران) 2015، إلى تنصيبه رئيسًا في 20 يناير (كانون الثاني) الحالي 2017، حيث سيستمر لـ4 سنوات مقبلة.
مما لا شك فيه أن الحقبة الترمبية، وصعود اليمين المتشدد غربيًا، الذي احتفى بفوزه واعتبره رفدًا ورصيدًا مضافًا له على عكس تيارات الوسط واليسار، تمثل هاجسًا عند اليمين والتطرف العنيف في المناطق الأخرى، من إيران لكوريا الشمالية لجماعات التطرف والإرهاب المنسوبة للإسلام، في سوريا والعراق.
إن الحسم هو عنوان الإجابة الترمبية على ما يبدو على التطرف العنيف، وفي حسم كثير من الأزمات المنتجة له، وضبط نشاطهم في المجال العام، حيث تضيق المسافة بين ما يعد معتدلاً وما يعد متطرفًا. وهي حالة أشبه بحقبة الرئيس جورج دبليو بوش بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 مباشرة، وما تم فيها من مساس بالحريات العامة وتقييدها، وفق قوانين وزير عدله جون أشكروفت، ولكنها تراجعت مع الحقبة الأوبامية.
وكما يتضح من خطاب ترمب وتوجهاته تتصاعد الهواجس لدى نظام كالنظام الإيراني وتنظيمات التطرف من هذا الحسم والإصرار على المجابهة الصريحة معه. وتساءلت الصحافة الإيرانية خلال الأسبوع الأخير عن مصير قاسم سليماني، الذي ظهر قبل أسابيع في معارك حلب، ويقود معارك في سوريا والعراق، وهو المطلوب بقرارات من مجلس الأمن والكونغرس الأميركي، وكيف يمكن أن تؤدي سياسات وتوجهات ترمب لتقييد حركته في المرات المقبلة، بل تتساءل وتطرح الصحافة الإيرانية ككل سيناريوهات بديلة أكثر تواءمًا وتكيفًا مع الحقبة الترمبية، تقوم على الاعتدال وتغيير سياسة التدخل والتقارب مع المحيط الإقليمي، وغير ذلك من أمور.
لكن لا يمكن نفي بعض تداعيات الحقبة الترمبية سلبيًا، على الاعتدال والوسط بشكل عام، شرقًا وغربًا، كما لا يمكن تجاهل استثمار وتوظيف جماعات التطرف العنيف لخطواتها وخطاباتها شحنًا وعنفًا مضادًا، وهو ما نحاول أن نستكشفه هنا في قراءتنا الأولية له.

الروافد المتشابهة لأفكار اليمين والتطرف
يفسر البعض صعود تيارات اليمين غربيًا نظريًا بفشل البدائل الاجتماعية، وفي مقدمتها الديمقراطية الاجتماعية أو ما عرف بـ«الطريق الثالث» وفشل البدائل السياسية والآيديولوجية في تحقيق الرفاه والأمن للمواطنين، ومما يعد كذلك رافدًا مهمًا من روافد صعود اليمين المتشدد، وكذلك أفكار التطرف، وصعود الفردية المفرطة المحمولة على سيولة شبكات التواصل الاجتماعي، وانتشار تصورات الكراهية والتمييز والرفض لفكرة الاختلاف أو التسوية أو الاقتناع بحكم الأغلبية. وهكذا غدا كل فرد يعتقد الصحة المطلقة فيما يقول. ويربط الكاتب الفرنسي جان بينون في مقاله بـ«اللوموند» الفرنسية يوم الخميس الماضي 26 يناير 2017 بين صعود ترمب وصعود هذه الفردية المفرطة، التي يمثل ترمب تحققًا كاملاً لها حسب وصفه، وأنه يمثل بدرجة ما تجسيدًا لفلسفة سوبرمان النيتشوية وإن لم يكن قرأ نيتشه. ولعل صعود وانتصار النزعات اليمينية عبر صناديق الديمقراطية - شرقًا وغربًا - هو نتاج لذلك، وأن ذلك إن فسر بانتصارات الديمقراطية، فلا شك أنه يمثل خطرًا على مستقبلها، وتهديدًا للمستقبل نفسه... بعيدًا عن الأنساق القيمية والأخلاقية التي استقرت طوال القرن العشرين، من الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق اللاجئين والتجارة الحرة وحرية التنقل واللجوء وغيرها.
لكن مما لا شك فيه، أن ثمة روافد أخرى عملية وواقعية كثيرة لهذا النزوع والصعود اليميني والانعزالي، في مقدمتها الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين في الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك صعود الإرهاب من جديد وصعود «الإسلاموفوبيا» معه، ونشاط «داعش» وأخواته في تنفيذ عمليات في كبرى العواصم الغربية، مع اشتداد الحرب الدولية عليه في العراق وسوريا، مما أعاد أيضًا هذا التشويه والربط القديم بين «الإسلام والإرهاب»، خصوصًا مع عودة مئات من المقاتلين الأوروبيين والغربيين إلى بلادهم منها، ويتوقع تنفيذهم عمليات باسمها داخلها من آن لآخر.
كما أن مفهوم «الإيرانوفوبيا» بدأ يصعد مع ترمب أيضًا، وقطعًا مع الإرث الأوبامي في تقاربه مع إيران ورفع العقوبات عنها، مقابل اتفاق نووي في يوليو (تموز) العام الماضي، أعلن ترمب رغبته في إلغائه أو تعديله على الأقل، مع بقاء تصنيفها (إيران) من قبل تقرير الخارجية الأميركية كأكبر داعم للإرهاب في العالم، وبقاء تدخلاتها وتوسعاتها في المنطقة ودعم ميليشيات وجماعات مسلحة موالية لنظامها.

مسلمون أيدوا ترمب ولوبان
لم يكن مستغربًا أن بعضًا من مسلمي الولايات المتحدة وأوروبا يؤيدون سياسات اليمين المتشدد، رغم ما يصرح به قادته من مواقف معادية أو مقلقة تجاه المهاجرين أو التطرف المنسوب للإسلام أو الإسلام نفسه أحيانًا. وهو ما يعود لكونهم مواطنين بدرجة أولى، وثانيًا لمشاركتهم مواقف اليمين في العداء الشديد للتطرف الإسلامي الذي صار عبئًا ثقيلاً على أكتافهم يتبرأون منه، وقد يريدون التأكيد على هذه البراءة، وسنكتفي بمثالين على هذا التأييد فيما يلي:
1 - تأييد ترمب: في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي نشرت شبكة «بي بي سي» التلفزيونية مقطع فيديو تصدر أعلى نسبة مشاهدة بعدة عدة ساعات من نشره، لسيدة أميركية مسلمة من مؤيدي ترمب وناخبيه، بررت تأييدها المستغرب له ساعتها، أنها بعد كثير من التفكير والمناقشات، كان دافعها بسبب نظرته المتشددة للإرهاب والتطرف العنيف المنسوب للإسلام، وإصراره على مواجهته والقضاء عليه. ونقلت السيدة عن ترمب قوله إن «التطرف الإسلامي مشكلة آيديولوجية وتصورات»، معقبة أن هذا بعيد كل البُعد عن كونه هجومًا على الإسلام كديانة أو على المسلمين. ودعت السيدة المسلمين أن ينخرط في حوار لمناقشة هذه القضية، وألا نقع ضحايا رهاب الإسلام والفوبيا منه.
2 - مسلمون يؤيدون لوبان: في السياق نفسه، نشرت مجلة «الإكسبرس» الفرنسية في 4 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تحقيقًا حول تأييد أهالي جزيرة مسلمة بجنوب شرقي أفريقيا لزعيمة اليمين المتشدد الفرنسي مارين لوبان، التي تخوض الانتخابات الرئاسية الفرنسية المزمعة في شهر أبريل (نيسان) 2017. إذ استقبل المسلمون في جزيرة مايوت الفرنسية الذين يمثلون أغلبية سكان الجزيرة (التي كانت تتبع أرخبيل حزر القمر) بالورد والحفاوة التي لم تكن هي نفسها تنتظرها، وأعلنوا دعمهم الكامل لها في الانتخابات، على اعتبارها الأجرأ والأكثر تشددًا في مواجهة الجماعات الإرهابية التي تسيء إلى صورة الإسلام. وهو ما وصفته «الإكسبرس» في حينه بأنه «مفاجأة وهبة من السماء» حين صرحت القيادات المسلمة في مايوت بأنهم يصلون كي تغدو لوبان رئيسة للجمهورية عام 2017، مطالبين بالمحافظة على دورها في مكافحة الأصولية والتطرف العنيف المنسوب للإسلام. وجاء رد زعيمة التشدد الفرنسي - حسب المجلة نفسها - على هذه الحفاوة بقولها: «أحيي القادة الدينيين من المسلمين الذين يلعبون دورًا كبيرًا في استقرار المجتمع». كما أعلنت في مؤتمر صحافي أن للأديان دورًا في النسيج الاجتماعي، ويجب أن تظل لها المكانة الروحية. وأكدت مارين لوبان خلال هذه الزيارة: «أنا أحترم كل الأديان، أنا ضد التطرف العنيف، وأنه يمثل خصمًا مشتركًا لنا وللإسلام المتسامح».
وهكذا مثل التطرف العنيف المنسوب للإسلام رافدًا لليمين المتشدد ولمؤيديه ولمسلمين يخشون الخلط بينه وبين ما يعتقدون من وسطية وقدرة على التعايش.

بين العولمة والانعزالية
عودة إلى دونالد ترمب. لم ينتظر ترمب طويلاً قبل أن ترتفع التوقعات بإمكانية تراجعه، بل كان واضحًا منذ البداية حين ألغى «أوباما كير» كما وعد. ثم انطلق في تنفيذ أجندته فيما يخص المهاجرين، فشرع منذ يوم تنصيبه في توقيع كثير من القرارات التي وعد بها أثناء حملته، وكان في مقدمها قراره فيما يخص جدار المكسيك وتحميل حكومة الأخيرة تكلفته، وهو ما ترتب عليه إلغاء رئيس المكسيك زيارته لأميركا. كذلك ترتبك إيران بشكل واضح مما ينتظرها معه، ولكن يبدو القلق الأكبر من مواقفه موجودًا لدى الأقليات والمهاجرين. إذ كان من أول قراراته حظر الهجرة واللجوء على مواطني 7 دول في الشرق الأوسط، بينها إيران وسوريا. ويبدو أن الرجل لن يختلف مرشحًا عنه رئيسًا، مصرًا على القطيعة الكلية مع الحقبة الأوبامية السابقة، التي اتسمت بالرتابة وانعدام الحسم.
في المقابل، يرى البعض في تصريحات ترمب وقراراته تهديدًا لقيم العولمة المستقرة منذ انتهاء الحرب الباردة. ويحذر سلفه الرئيس السابق باراك أوباما ونائبه جون بايدن ترمب من هدمها والتجرؤ عليها، كما أعلنت وزيرة الخارجية السابقة (في عهد بيل كلينتون) مادلين أولبرايت يوم الخميس 26 يناير استعدادها لتسجيل نفسها كمسلمة تضامنًا مع المسلمين بعد قرارات ترمب التي أصدرها بخصوص حصر شامل لهم في المجتمع الأميركي، وحظر مؤقت على المهاجرين منهم.
إلا أن ثمة رأيًا آخر يرى ما يطرحه ترمب هو أن شعار «أميركا أولاً» أو «بريطانيا أولاً» ليس قطعًا مع العالمية والعولمة، بل ظل كامنًا فيه. فالدولة الوطنية والهم القطري لم تنكره يومًا النزعات الاتحادية أو الوحدوية أو العالمية، والعلاقة بينهما جدلية وليست احتواء، فيتقدم أحدهما مرة ويتقدم الثاني مرة أخرى.
ولم يعد ممكنًا لأي رئيس أميركي العودة إلى خيار الانعزالية الذي كان قبل الحرب العالمية الأولى، كما ليس ممكنًا لمؤمن بالدولة الوطنية أو «أميركا أولاً» تجاهل حقيقة العولمة الماثلة والمستمرة.
لذا جاء كثير من تصريحات ترمب وقراراته ذات طابع عالمي. فهو يطمح لقيادة مختلفة للعالم أكثر حسمًا، ولم تحصر رسائله فقط في الداخل الأميركي. وهذه هي الترجمة الفعلية لشعاره «أميركا أولاً» وقد حادثته فيه تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا، أثناء زيارتها للولايات المتحدة يوم الخميس 26 يناير من ضرورة قيادة مشتركة للعالم، بينهما، وما تدعوه له مارين لوبان من قيادة اليمين المتشدد في أوروبا والعالم. وهذا يعني أن الترمبية تتوجه نحو العالمية، ولكن بشكل مختلف، أكثر حسمًا وأكثر تشددًا في آن، وقطعًا كلية مع الحقبة الأوبامية السابقة.

حسم يربك التطرف
ختامًا، فإن حسم ترمب يربك التطرف أكثر من الوسط بشكل واضح. فهو لا يمكن له أو لليمين المتشدد في أوروبا الخروج عن إطار الحداثة والتنوع الغربي في معاداة ما هو اعتدال ديمقراطي، خصوصًا أن كثيرين من مؤيديه من الأقليات والمهاجرين الذين يشاركونهم المواقف نفسها من التطرف. ولذلك يبدو قلق البعض مفهومًا، كما أن دعايات الخصوم ترفع من مستوى هذا القلق. وكان القلق الإيراني الصاعد من الترمبية مفهومًا، بعدما تكرست «الإيرانوفوبيا» شرقًا وغربًا، وأعلن ترمب الحملة والحرب عليها، وصار تغييرها ضرورة يفرضها الواقع الجديد.
ولا شك أن هذا القلق يوجد مثله لدى تنظيمات كـ«داعش» و«القاعدة»، بل وتنظيمات أخرى كـ«الإخوان المسلمين» و«الحرس الثوري الإيراني»، الذي يرجح تصنيفهما كمنظمتين إرهابيتين من قبل الإدارة الأميركية قريبًا، وليس فقط «فيلق القدس» المصنف الوحيد بين فصائل الحرس الثوري والجماعات المرتبطة به.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».