بعد انتهاء «مؤتمر آستانة» حول سوريا، وقبل أسبوعين من الموعد المقرّر لمفاوضات جنيف في 8 فبراير (شباط) المقبل، تقف المعارضة السورية أمام «الامتحان» نفسه لحسم موقفها النهائي بشأن الذهاب إلى سويسرا، وتحديدا الوصول إلى مرحلة تثبيت وقف إطلاق النار، خلال عشرة أيام، في موازاة الضغوط التي تتعرض لها نتيجة إصرار روسيا وتركيا للمضي قدما بجهودهما أو خطّطهما لفرض حلّ في سوريا.
ورغم تأكيد المعارضة عدم بحثها أي «مسودة دستور روسية» في آستانة معتبرة الأمر محاولة لشق صفوفها، عادت موسكو وأكّدت عبر وزير خارجيتها سيرغي لافروف، أنها عمدت «إلى توزيع مشروع في آستانة يعتمد على اقتراحات طرحتها الحكومة السورية والمعارضة ودول المنطقة». وهو المشروع الذي من المتوقع أن يكون على طاولة بحث اللقاءات التي سيعقدها وزير خارجية روسيا مع نحو 25 شخصية سورية تلقت دعوات للقائه في موسكو يوم غد الجمعة، إضافة إلى نتائج مفاوضات آستانة، وقد يكون مفتاحا أيضا لتوسيع وفد المعارضة إلى جنيف تحت الضغوط، بحسب ما أشارت مصادر في المعارضة، لـ«الشرق الأوسط».
الدعوات للحضور إلى موسكو أرسلت بصفة شخصية، بحسب ما أكّد مصدر في المعارضة، لـ«الشرق الأوسط»، وبين المدعوين «شخصيًا» أنس العبدة رئيس «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» ورياض حجاب رئيس «الهيئة العليا للتفاوض» وحسن عبد العظيم رئيس «هيئة التنسيق»، ومعهم قدري جميل، مما يسمى بـ«منصة موسكو» وآخرون في منصتي القاهرة وحميميم، إضافة لممثل عن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. وأكد المصدر أن الدعوات لم تشمل الفصائل العسكرية على اعتبار أنها كانت جميعها ممثلة في مؤتمر آستانة. هذا، ومن المتوقّع أن تبدأ المعارضة بإعادة تشكيل وفدها الذي سيمثّلها في سويسرا على أن يجمع بين شخصيات من الفصائل و«الهيئة العليا»، كما أشار هشام مروة، عضو «الائتلاف» الذي كان مشاركا في آستانة. وتابع مروة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن قرار المشاركة في جنيف أو عدمه «لن يكون سهلا إذا بقي الوضع على ما هو عليه لجهة الخروقات التي يقوم بها النظام السوري، وهي التي كانت قد قدّمت مقترحا وآلية لتثبيت وقف إطلاق النار».
ومن جهة ثانية، اعتبر المستشار القانوني أيمن أبو هاشم - الذي كان أيضا ضمن وفد المستشارين إلى آستانة - في تصريح لـ«الشرق الأوسط» مهمة المعارضة اليوم بعد «آستانة» «إعادة تقويم ما حصل ووضع آلية تنسيق بين المعارضة السياسية والعسكرية قبل موعد أي مفاوضات مقبلة». ورأى أبو هاشم أنّ عدم نجاح موسكو في تنفيذ وعودها لجهة ضمان وقف النار سيعني أن الذهاب إلى جنيف سيكون غير ذي فائدة، مشكّكا بقدرة موسكو على هذا الأمر لا سيما في ظل محاولات إيران والنظام لمنع التوصل إلى أي حل. وهذا ما أشار إليه أيضا، عضو المكتب السياسي في «الجيش السوري الحر» زكريا ملاحفجي، معتبرا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» «أن الأمر الوحيد الذي حقّقته موسكو في (آستانة) كان عقد المؤتمر وليس أكثر»، مضيفا: «وفي حين أثبت تركيا أنها قادرة على التأثير على المعارضة، كان الوضع مختلفًا بالنسبة إلى روسيا التي قدّمت نفسها كضامن ولم تنجح في مهمتها، وهو ما بات مستبعدا أن ينجح في المرحلة المقبلة».
وعاد مروة وأكّد عدم بحث المعارضة في «آستانة» «الدستور الروسي» (المسودة التي اقترحتها موسكو)، موضحا «رفضنا البحث به لقناعتنا أن مؤتمر آستانة كان مخصصا لوقف إطلاق النار، وهذا الأمر كان من خارج جدول الأعمال»، وأردف «قضية الدستور قضية سيادية، وهو من مهمة الجمعية التأسيسية على أن يخضع أيضا إلى استفتاء شعبي قبل إقراره، وليس من مهمة أي جهة خارجية».
في المقابل، قال قدري جميل، عضو «منصة موسكو» ورئيس جبهة التغيير والتحرير السورية، لـ«الشرق الأوسط» إن «وضع الدستور هو من مهمة لجنة خاصة على أن يتم عرضه في استفتاء، لكن قد تكون الخطوة الروسية تهدف إلى تحفيز الأطراف الروسية على التقدم في الحل السياسي». واعتبر أن مؤتمر آستانة، سمح للدخول إلى الحل من الباب العريض ومتوقعا أن اتفاق وقف إطلاق النار «يسير نحو الحسم النهائي».
ويوم أمس، أعرب محمد علوش، رئيس وفد المعارضة السورية لمؤتمر آستانة والقيادي في «جيش الإسلام»، عن عدم رضا المعارضة الكامل عن المؤتمر، نافيا ما تردد عن تقديم المعارضة تنازلات خلاله نتيجة لخسائرها الميدانية. كذلك نفى ما تردد عن نجاح النظام في استمالة فصائل عسكرية وإقناعها بالانضمام إليه مقابل منحها إدارات محلية وصلاحيات موسعة في المناطق التي تسيطر عليها. وقال علوش لـ«وكالة الأنباء الألمانية»: وعدنا بأن ينفذ وقف إطلاق النار، وسلمنا ورقة تتضمن إجراءات وآليات ذلك الأمر إلى الأطراف المعنية، خاصة الجانب الروسي، ووعد أنه خلال عشرة أيام سيتم التوصل لاتفاقية يتم تطبيقها بين الطرفين بهدف تحسين الظروف المعيشية والإفراج عن المعتقلين.
وتابع علوش «لقد خرجنا بهذه الورقة... وبلغنا رسالتنا للعالم أجمع وسمع صوتنا ولم نخش مقابلة أحد... ولا نزال نصر على كل مواقفنا وفي مقدمتها رفض أي دور لإيران بحل الأزمة وكذلك بتشكيل مستقبل سوريا، فقط عليها الخروج منها هي وأدواتها لأنهم بحكم المحتل والمعتدي». وأكّد أن «الهدنة أي وقف إطلاق النار أمر مقبول، أما المصالحة فهي غير مقبولة».
من ناحية أخرى، أقر علوش بصحة ما تردد عن أن المعارضة ذهبت مضطرة لمؤتمر آستانة نتيجة انعدام الأفق في الحرب الراهنة وما تعرّضت له من خسائر كبيرة بالميدان، غير أنه شدد على أن «هذا لا يعني بأي حال تقديمها لتنازلات أو أن مؤتمر آستانة كان بمثابة وسيلة لفرض إملاءات روسية تحديدا على المعارضة كما ردد البعض».
وعلى صعيد «ائتلاف»، رأى أمينه العام عبد الإله فهد أن تحقيق الانتقال السياسي الكامل في سوريا هو الحل الوحيد لإنهاء معاناة الشعب السوري والقضاء على الأزمة الإقليمية والدولية الحاصلة. وأضاف: «أي حل سياسي في سوريا يجب أن يستند إلى بيان جنيف1 والقرار 2254 اللذين ينصان على ضرورة تحقيق الانتقال السياسي، إضافة إلى تلبية طموحات الشعب السوري في الانتقال إلى دولة الحرية والكرامة». وأضاف: «ملتزمون بالحل السياسي، وبمرجعية القرارات الدولية الخاصة بسوريا»، مشيرًا إلى أن أي حل «يحاول أحد الأطراف فرضه بالقوة لن يكتب له النجاح».
كذلك اعتبر فهد أن الحل العادل والقابل للتطبيق هو الذي يجتمع عليه الشعب السوري، بناءً على المرجعية الدولية والقرارات الأممية ذات العلاقة ولا سيما القرارين رقم 2118 و2254 والتي تم التوافق عليها بين القوى الدولية. ولفت إلى أن النظام وإيران يستخدمان قوتهما العسكرية لابتزاز المجتمع الدولي، وفرض مطالبهم خلال العملية التفاوضية، مشيرًا إلى أن قوات النظام والميليشيات الإيرانية تهاجم عددا من المناطق في سوريا أثناء انعقاد اجتماعات في الآستانة، وهو الأمر الذي يجب أن تنظر له روسيا والأمم المتحدة بعين الاعتبار.
بعد «آستانة» وقبل «جنيف»... المعارضة السورية مجددًا أمام امتحان تثبيت «وقف إطلاق النار»
المرحلة الفاصلة ستشهد العمل على إعادة تشكيل أو توسيع وفد «الهيئة» إلى سويسرا
بعد «آستانة» وقبل «جنيف»... المعارضة السورية مجددًا أمام امتحان تثبيت «وقف إطلاق النار»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة