على الرغم من كل التأكيدات بأن مباحثات آستانة لن تتناول سوى الجانب العسكري المتصل بتثبيت وقف إطلاق النار في سوريا، طرح الوفد الروسي المشارك في العاصمة الكازاخية على وفد المعارضة المسلحة حلا يقوم على صياغة دستور جديد وانتخابات برلمانية ورئاسية في سوريا.
هذا ما أكدته تصريحات ألكسندر لافرينتيف، المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا ورئيس الوفد الروسي إلى مباحثات آستانة، الذي قال عقب انتهاء المفاوضات يوم أمس، إن موسكو قدمت لوفد المعارضة السورية المسلحة مشروع دستور سوري، أعدته روسيا، وتنتظر الرد على ذلك المشروع. ولم يوضح لافرينتيف ما إذا كان قد سلم المشروع ذاته إلى وفد النظام السوري، لكن المسؤول الروسي قال، وفق ما ذكرت وكالة «تاس»، إنه «خلال المفاوضات مع المعارضة المسلحة، تم الإقرار بشكل عام بأهمية إطلاق العملية السياسية، وضرورة بدء العمل على صياغة دستور سوري جديد، وضرورة اعتماده فيما بعد، إما عبر استفتاء عام وإما عبر أي صيغة أخرى، يعبر فيها الشعب السوري عن إرادته، ومن ثم (ضرورة) انتخابات رئاسية وبرلمانية» في سوريا، معربا عن أمله في أن تكون المعارضة السورية المسلحة «أكثر نشاطا وفعالية في هذا المجال»، مؤكدًا «سنسعى لمساعدتهم في ذلك».
وأوضح لافرينتيف أن الوفد الروسي قدم لوفد المعارضة المسلحة خلال مفاوضات آستانة «مشروع دستور سوري (لسوريا)، قام بإعداده خبراء روس». ونظرًا لأن خطوة كهذه تتعارض مع الهدف المعلن من مفاوضات آستانة، والتأكيدات بأنها لن تتناول أي جانب من التسوية السياسية، تدارك لافرينتيف الأمر موضحًا: «لقد قمنا بهذه الخطوة بصورة استثنائية، والسبب أننا نريد تسريع هذه العملية، ومنحها نبضًا محفزًا إضافيًا». وشدد: «دون أن نتدخل في عملية النظر بمشروع الدستور وتبنيه، بحد ذاتها»، لأن «هذه العملية يجب أن يقودها السوريون بأنفسهم»، حسب قوله.
وتجدر الإشارة إلى أن الخطوات التي تحدث عنها لافرينتيف هي من صلب بعض نقاط الحل في القرار الدولي «2254». كما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد شدد على أهمية هذه الخطة بوصفها مخرجا من الأزمة السورية. وأكد في تصريحات على هامش منتدى بطرسبورغ الاقتصادي صيف العام الماضي، أن رأس النظام السوري «يشاطر موسكو موقفها حول ضرورة إجراء مثل تلك العملية السياسية تحت رقابة دولية صارمة».
وادي بردى شرط مسبق
وفي الشأن الميداني، اعتبر لافرينتيف مطالبة المعارضة المسلحة بوقف فوري للعمليات القتالية من جانب النظام في وادي بردى والغوطة الشرقية بأنها «شروط مسبقة». وقال، وفق ما نقلت عنه «ريا نوفوستي» في هذا الموضوع: «فيما يخص تنفيذ شروط مسبقة ما، فإنها تكون أحيانا غير قابلة للتنفيذ. نحن نعمل بالطبع كي يتم تنفيذ اتفاق وقف الأعمال القتالية في تلك المناطق، لكن لا يمكننا الحيلولة دون أعمال استفزازية قد تقع»، محاولا تحميل المسؤولية عن ذلك لقوى ترغب في إفشال لقاء آستانة، وهي «أكثر من كثيرة»، حسب قوله.
كذلك أعرب لافرينتيف عن اعتقاده أن «إيران يمكنها الانضمام إلى تسوية الوضع في وادي بردى، وعلى حد علمي، يوجد في وادي بردى قوات حكومية، ولا توجد هناك ميليشيات شيعية». وأردف: «سنبذل كل ما بوسعنا، لتسوية الوضع هناك... سيقوم العسكريون الروس بكل ما بوسعهم كي لا تكون هناك انتهاكات لاتفاق وقف الأعمال العدائية من جانب القوات الحكومية السورية».
واتهم المبعوث الرئاسي إلى سوريا وفد المعارضة بما قال إنها «بعض محاولات الابتزاز» خلال المفاوضات، التي وصفها بأنها «كانت معقدة لكن بناءة»، ودار الحديث خلالها حول نظام وقف إطلاق النار بصورة رئيسية، والخطوات الرئيسية من جانب الأطراف بدعم من الدول الضامنة. كما توقف عند آليات المراقبة على انتهاكات اتفاق وقف إطلاق النار، فقال إن «الخبراء العسكرييين الروس، بالاتفاق مع كل الأطراف، توصلوا إلى اتفاق حول تشكيل ما يسمى مجموعات عملياتية في إطار ثلاثي، ستبدأ عملها هنا في آستانة مع مطلع الشهر المقبل»، موضحًا أن «مهمة هذه المجموعات هي المسائل المتعلقة بمراقبة وقف إطلاق النار، وعدم السماح بأي انتهاكات».
وفي سياق متصل، أشار لافرينتيف إلى أن «الخبراء العسكريين ضمن الوفد الروسي في آستانة، بحثوا اليوم (أمس الثلاثاء) مع المعارضة المسلحة مسائل فصل المعارضة عن تنظيمي داعش و(جبهة النصرة)»، لافتًا إلى أنه «تم إنجاز حجم كبير من العمل، بما في ذلك من جانب عسكريينا على الخريطة. وتم الاتفاق على خطوط التماس وخطوط الفصل (بين المعارضة و«داعش»)». وتابع أن «العمل استمر لتحديد مواقع (جبهة النصرة) على الخريطة»، مضيفًا أن «عملاً كهذا يحتاج إلى أكثر من يوم ونصف اليوم لإنجازه». ولم يستبعد المسؤول الروسي توسيع قائمة الدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار، وبصورة خاصة احتمال انضمام الولايات المتحدة إلى هذه القائمة.
على صعيد آخر، كانت بعض وسائل الإعلام قد سرّبت يوم أمس «مسودة البيان الختامي» الذي يصف سوريا «دولة علمانية»، الأمر الذي تحفّظت عليه قوى المعارضة، مطالبة بوصف «سوريا دولة متعددة الأديان والقوميات»، وهو ما انعكس في بيان أمس، الذي جاء في مستهله أن «روسيا وتركيا وإيران، تؤكد احترامها سيادة سوريا ووحدة أراضيها، بصفتها دولة متعددة الأديان والقوميات. وتعرب تلك الدول عن يقينها بعدم وجود حل عسكري للأزمة السورية»، وأن «التسوية ممكنة فقط من خلال عملية سياسية على أساس قرار مجلس الأمن (2254)»، مؤكدة عزمها «التصدي معا» لتنظيمي داعش وجبهة النصرة.