خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

رسالة أوباما للعالم

كتبت بالأمس القريب مقالة عبرت فيها عن الخيبة في أوباما. كنا قد عقدنا الأمل فيه بالنسبة لحل مشاكل الشرق الأوسط وسواها من المشاكل العالمية، فلسطين وسوريا و«داعش»... إلخ. ولكننا لسنا مدينين له بشيء في معظم هذه الحقول. كرس اهتمامه لمشاكل بلده ولكنه عجز هنا أيضًا عن تحقيق الكثير. فتجارة السلاح ما زالت حرة والخدمات الطبية والاجتماعية لم ينجز منها غير القليل.
يبدو أنه تسلم الحكم، بل وقضى جل حياته مشغولاً برسالة واحدة، وهي رفع الحيف والتمييز العنصري ضد الملونين. لا أدري كم عانى منها هو شخصيًا. دخل الجامعة وما زال التلميذ الأسود لا يدري أين يستطيع حلاقة شعره، أو أين يركب في الحافلة. والجميع، وليس في الولايات المتحدة فقط، ينظرون للملونين نظرة سلبية انعكست حتى في دنيا الأدب (ألف ليلة وليلة، وعطيل، ونحو ذلك).
عقد هذا الشاب عزمه على تصحيح هذا الأمر. وأعطاه الله هذه الفرصة لينجز ذلك، رئيسًا لأكبر دولة في العالم. لم يكن هنا في حاجة إلى تشريعات. لقد أنجز الآخرون ذلك قبله ومهدوا الطريق له. كانت هناك حاجة لتصحيح السلوك. وليس كالسلوك الشخصي من دليل في ذلك.
كان مجرد الترشيح والفوز بالرئاسة إنجازًا مهمًا بالنسبة له. ولكن البعض راحوا يتشككون في قدرته وسلوكه. وهو ما عقد العزم على اختراقه. تفادى أن يزج البلاد في مشاكل يحمّلونه وزرها. كان كمن يمشي على ساحة مبلطة بالصابون يوازن نفسه خوفًا من الانزلاق في أية لحظة. لا يريد أحدًا يقول إن الرجل الأسود عاجز عن إدارة الحكم؟ وهذا في رأيي ما مسك بذراعه وأقعده عن المبادرة والمخاطرة. كلا! لن أقع في خليج الخنازير كما وقع جون كيندي ولا أهوار العراق كما وقع جورج بوش. أترك المغامرات والحماقات للرجل الأبيض.
ولكنه أعرب عن عزمه على سحب الأولاد من ساحات القتال، العراق وأفغانستان مثلا. وبر بوعوده فيها.
وكما نعلم، اعتاد الغرب على اتهام السود بالنزق والانغماس بالجنس والتوله بالمرأة، بيد أن باراك أوباما لم يعرض نفسه أو أسرته لأية فضيحة أو نقيصة في الأمر. وكان سلوكه متباينًا جدًا عن سلوك سلفه، كيندي مثلا.
هذه هي الرسالة الكريمة التي أراد باراك أوباما أن يتركها وراءه، ويتركها للجميع بيضًا وسودًا، رجالاً ونساءً. ترك الشعب الأميركي يذرف الدمع على رحيله من البيت الأبيض وراح الكثيرون يتمنون لو كان بإمكانه أن يبقى في منصبه لدورة ثالثة، وهو الأمر الآخر الذي لم يشأ أوباما أن يورط نفسه فيه.