زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

المعبد العكسي داخل الكرنك!

هناك فرق كبير بين أثري يبحث ويحفر ويرمم ليحل لغزًا ما أو يصل إلى كشف جديد يقدم به إضافة إلى العلم؛ وأثري آخر يمتلك موهبة الكلام ويعرف كيف يقدم الموقع الأثري للزائر ويستحوذ على إعجابه؛ ويعرف كيف يكسب الشخصيات المهمة. أما الدكتور مصطفى وزيري مدير عام آثار الأقصر؛ فهو حالة فريدة، حيث جمع بين تلك الصفات كلها. وقد عمل معي في بداية حياته عندما كنت مديرًا لمنطقة آثار الهرم، وقد تعلم الكثير عن العمل الأثري خلال تلك الفترة. والمعروف أن «الكرنك» يجب أن يعرف دائمًا بمعابد الكرنك وليس معبد الكرنك؟! والسبب في ذلك هو أنه يوجد بالكرنك عشرة معابد تحكي تاريخ مصر عبر العصور وتحديدًا من الدولة الوسطى وحتى العصر الروماني؛ ومما لا شك فيه أن الفترة الزاهية لهذا المعبد هي خلال الدولة الحديثة عندما حكمت مصر العالم القديم قبل 3500 سنة. لقد استطاع مصطفى وزيري الكشف عن معبد جديد كان مغطى بالكتل الحجرية والترميم بالإسمنت الأسود من بدايات القرن الماضي؛ ولم يكن ظاهرًا للعيان على الرغم من اكتشافه منذ نحو مائة سنة. وبإعادة الكشف عن هذا المعبد تزيد معابد الكرنك إلى أحد عشر معبدًا.
يرجع تاريخ المعبد إلى عصر الفرعون رمسيس الثاني، وكان قد بدأ في بنائه من قبله الفرعون تحتمس الثالث والرابع وحور محب، وقد وصل إلى قمة بنائه خلال عصر رمسيس الثاني؛ وبعد ذلك أكمله طاهرقا وبسماتيك الذي عمل مائدة القربان؛ وأضاف إلى عمارته كل من بطلميوس السابع وبطلميوس الثامن؛ ومن بعدهما الإمبراطور ديميانوس. وأطلق على هذا المعبد أمون رعم سجم نخث أي معبد أمون سامع الصلوات، بينما سماه علماء المصريات بالمعبد العكسي، نظرًا لاتجاهه ناحية الشرق بجوار بوابة نختانبو الأول، أي أنه بني على عكس اتجاهات معابد الكرنك الأخرى.
لقد فطن مصطفى وزيري ومعه مجموعة رائعة من الأثريين الشباب ومن المرممين إلى أهمية الموقع ولذلك قاموا بإعادة اكتشافه مرة أخرى. واستغرقت أعمال الكشف قرابة الثلاثة أشهر؛ وهذه تعتبر مدة قصيرة بالنظر إلى حجم الاكتشاف وأعمال الترميم المطلوبة والتي تأخذ قرابة العام وقد تصل إلى العامين للانتهاء منها؟! لقد كان لدى الأثريين رغبة شديدة في إعادة الكشف عن المعبد وتقديمه للسياحة العالمية، خاصة أن الأقصر تعاني من قلة السياحة مثلها مثل باقي الأماكن السياحية بمصر! على الرغم من أنه لا يوجد سبب واحد يمنع السياحة عن بلد مثل مصر بها كل المقومات التي تؤهلها لاستقبال ملايين السائحين، وهو أمر ضروري ليس فقط للاقتصاد المصري ولكن أيضًا للآثار التي تعتمد كل المشروعات بها على دخل المناطق الأثرية والمتاحف من السياحة؛ ويستخدم هذا المال في أعمال الترميم وعمل مشروعات تطوير ورفع كفاءة المناطق الأثرية وبناء المتاحف الجديدة.
لقد أراد مصطفى وزيري وفريق العمل معه تقديم شيء يساعد على جذب الأنظار مرة أخرى إلى الأقصر وإعادتها إلى الحياة من خلال إحياء معبد كان في حكم المنعدم؛ وبفضل العمل الجاد المدروس أضافوا جديدًا إلى العمل الأثري وهم بكل تأكيد يستحقون منا كل الشكر والتقدير.