سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

2016: التونسيان

تحدثت إلى السيدة ميركل، أنجيلا ميركل، مهنئًا بالعام الجديد. تأخرت قليلاً في الرد على المكالمة، لكنني شرحت لمدير مكتبها أنها مجرد تمنيات وبضع كلمات امتنان. بدأت بالتحية لها ولزوجها. وقلت لها إنه يذكرني بالمستر دنيس ثاتشر، ذلك الزوج المنسي، مع أنها تختلف عن المسز ثاتشر. أكثر إنسانية ووداعة وكرمًا. وقلت لها إنني أحمل توضيحًا ضروريًا من عرب كثيرين: أنيس العامري لا يمثلنا إطلاقًا. نحن يمثلنا تونسي آخر، هو محمد بوعزيزي، الذي عندما واجه الجوع مع أمه وشقيقته، أحرق نفسه. لم يهرّب المخدرات ولم يتاجر بها. ولم يقرر أن يقتل الناس دهسًا بشاحنة سرقها بعد قتل سائقها. هل لاحظت الشبه، سيدة ميركل؟ تمامًا مثل خطف الطائرات في 11 سبتمبر (أيلول) من أجل قتل الناس بها: أولئك الذين عليها، وأولئك الذين سوف يصادفون في طريقها. جوًا أو برًا، الأسلوب واحد. لكن الفارق مع أنيس العامري هو سجله العدلي في تونس وإيطاليا وألمانيا.
أرجوك أن تتفهمي الأمر، أنيس لم يكن تونسيًا. هذه الفئة لا جنسية لها مثل بقية الناس، ولا عادات. ولا تقاليد. الذين اغتصبوا نساء ألمانيا في احتفالات رأس السنة الماضية لم يكونوا «عربًا». كانوا مجرمين منحلين مغتصبين. وهل تعرفين من كان أسوأ منهم؟ تافه «تويتر» الذي يدافع عن كل منحرفي الأرض، من لاجئي الاغتصاب إلى مفتون النووي كيم جون أون. أجل يا عزيزتي السيدة أنجيلا. هؤلاء أنفس مريضة، فاشلة، وخاملة، ولا تعرف في حياتها نجاحًا سوى السب. إنهم في كل مكان وزمان. ويحدث الآن في هذه الموجة الطاعونية، أنهم عرب. في شاحنة مسروقة، أو على «تويتر»، هلوسة، وكره، وفائض حسد لا يعرفه إلا الخاملون والفاشلون.
هل تعتقدين أنهم حقًا عرب أولئك الذين سحقوا أصول الضيافة؟ هل هو عربي الذي طعنك في صدرك وفي ظهرك بعدما قررت استقبال مليون سوري هائم في ديار الله؟ هل في قلبه ذرة إيمان؟ أو الإنسان الذي طاف على السوق الشعبية في برلين بشاحنة لها 12 إطارًا من كل جانب؟ نحن، عربنا في ألمانيا. هم مئات الآلاف القاطنون عندك والعاملون في ظل القانون، المراعون آدابهم وآدابنا، المستنكرون في قلوبهم، الاعتداء المجنون في شاحنة، أو الاغتصاب المجنون في الساحة العامة، أو الدفاع المجنون عن كل ذلك في «تغريدة» تشبه نعيق الغربان وتكرار البوم.
باسم الدين يعرفون معنى الاعتذار، ومعنى الضيافة ورحابة الصدور، نعتذر منك سيدة أنجيلا. نحن كنا نظن «ثورتنا» قامت من أجل محمد بوعزيزي، الباحث عن رزقه بكرامته، وعن رغيف لأمه، أما كيف تحول ذلك إلى شاحنات داهسة، وحالات اغتصاب، وتغريدات تستنكر انتقاد وحش برلين، فإنما هو عصر الجنون وفقدان الخلق والعقل والحس الإنساني. عفوًا، وكل عام وأنتِ بخير.
إلى اللقاء..