د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

تجاهل إرادة الليبيين

اختزال الحوار الليبي بين طرفين هما تحالف القوى الوطنية وحزب العدالة والبناء التابع لتنظيم الإخوان المسلمين، يفسر بصورة جليّة أن هناك محاولة مستميتة لتركيع جميع الليبيين لإرادة هذين التيارين اللذين لا يحظيان بتزكية الشعب الليبي أصلا، فهذا الشعب قال لا لهيمنة جماعات الإسلام السياسي، من خلال صناديق الاقتراع، إذ انتخب برلمانا شرعيا على غرار ما يفعله الأوروبيون، لكن الأوروبيين انقلبوا على الديمقراطية في ليبيا، وتجاهلوا إرادة الليبيين، وشكلوا لهم حكومة غصبا عنهم في تراجع مخزٍ عن الديمقراطية.
أين بقية الليبيين؟ معظم الليبيين لا يريدون مطلقا أن يكون الإسلام السياسي ممسكا بزمام السلطة في بلدهم، إذاً من يتجاهل إرادة هذا الشعب ينبغي أن يُقصى من المسرح السباسي لأن الليبيين لا يريدونه.
إفشال الحل الداخلي، الذي قد يعزى سببه لتعنت البعض بالرأي واحتكار رؤية الحل، ومصادرة الرأي الآخر واتباع أسلوب «كرسي في الكلوب» على الطريقة الشعبية المصرية في مواجهة الأزمات، مما تسبب في عدم الوصول إلى اتفاق أو حتى توافق، وتسبب في اللجوء إلى الحل الخارجي حتى ولو قد يحمل أفكارًا ميتة أو مميتة أحيانًا، وقد تصحبه فرض أجندات وربط الدولة به، التي تحولت من دولة الشعب إلى «النخبة» فلجأت بعضها للخارج للبحث عن الحل، ولو كان في حاضنة استعمار قديم، وتناست أن الليبيين قدموا قوافل من الشهداء للتحرر من الاستعمار وخلع عباءة الانتداب من بعده.
لكن يبقى هناك من يحن للمستعمر ولو في جلب الحل من عنده، ولهذا نقول لهؤلاء: «أخرجوا المستعمر من أنفسكم يخرج من أرضكم»، فللبعض قابلية للمستعمر، فلا تكفي سلامة النية للحصانة من الخطأ، فلست أشكك في وطنية أحد، ولكن المسار الخاطئ يهدر مزيدًا من الوقت، فقد كان موسيليني ينظر لليبيا على أنها «La Quarta Sponda» (الشاطئ الرابع) التي لها 2000 كم، شاطئ في مواجهة روما، الحاضنة التاريخية لأوروبا اليوم وخطر الهجرة وتأثيرها على الديموغرافيا والأمن فيه.
لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، ويبقى هذا كلامًا تحدد مصداقيته الخطوات التي سيسلكها المجتمعون في الخارج، تجاه ليبيا وأهلها، وهل سيكون محاولة أممية لمساندة شعب ينهض من عبء ومخاض «ثورة» أم سيكون مجرد «تلييب» لمؤتمر يالطا لتقاسم ليبيا، كما حدث لألمانيا.
فالدرس المستفاد والمفقود اليوم، هو عمر المختار حين قال: «لِم المغالطة، فنحن لسنا أنتم»، ولهذا رفض أن يفاوض الطليان كعاصٍ، إنما حاربهم كثائر على مستعمر محتل لوطنه رغم أن الاستعمار الفاشستي حاكمه كعاصٍ للسلطة، رغم أنه لم يخضع يومًا لسلطة الاحتلال الحاكمة.
لا أعتقد أن أي مؤتمر خارج ليبيا، ولو في حاضنة مستعمر سابق أو حديث سيخرج بحل، فقط سندخل في عداد المؤتمرات؛ 1، 2... إلخ، دون إيجاد حل، فالحل لا يمكن له أن يصلح إلا من الداخل، فالقضية ليست في الجلوس كخصوم في الخارج، أو حجم المشاركة الكبير جدًا، ولا في التشاكي للغير من غضب الشعب الذي أفقرته سياسات النهب وإهدار المال العام والنزوح والتهجير، بسبب حروب ميليشيات «القاعدة» و«داعش» ودروع وسرايا الإخوان.
التفاصيل التي سيكتبها المؤتمرون في الخارج تبقى في حاجة للتمحيص والتدقيق، خصوصًا أن من سيكتبها من عرب وعجم، تحركهم بوصلة المصلحة وحصتهم من «الكعكة» الليبية، فالشيطان قد يكمن فيها، فلا يزال هناك من بين الجالسين في الخارج من ينظر لليبيا على أنها مجرد برميل نفط، فلا بد من التمحيص والتدقيق في جميع البنود حتى لا نسمح لعودة الاستعمار والوصاية في ثوب جديد.