كتب تاريخية ومراوحة ما بين الكلاسيكيات والروايات المعاصرة

قراءات المثقفين المصريين في 2016

غلاف «الفرعون الأخير محمد علي» - غلاف «جسد أسود - أبيض - أحمر»
غلاف «الفرعون الأخير محمد علي» - غلاف «جسد أسود - أبيض - أحمر»
TT

كتب تاريخية ومراوحة ما بين الكلاسيكيات والروايات المعاصرة

غلاف «الفرعون الأخير محمد علي» - غلاف «جسد أسود - أبيض - أحمر»
غلاف «الفرعون الأخير محمد علي» - غلاف «جسد أسود - أبيض - أحمر»

يقسم الروائي صبحي موسى صاحب «الموريسكي الأخير» قراءاته إلى شقين، الأول: يتعلق بمشروع كتابة رواية جديدة حول تاريخ الأقباط في مصر. يقول: «قرأت مجموعة من الكتب الهامة والتي تندرج تحت فئة المراجع ومنها(تاريخ البطاركة) لساويرس بن المقفع، وحققه عبد العزيز جمال الدين، وهو كتاب موسوعي صادر عن مكتبة مدبولي، وكتاب (الأديرة الأثرية في مصر) تأليف ك. ك. والترز وترجمة إبراهيم سلامة إبراهيم، وكتاب (باباوات مصر) عن المركز القومي للترجمة، وهو يتناول التاريخ غير الرسمي للكنيسة منذ القرن الأول الميلادي ومرورا بالعصر الفاطمي وحتى بداية الألفية الثانية». أما عن قراءاته الأخرى، فيقول: خلال عام 2016 صدر أكثر من عمل روائي مميز قرأت منها: «أن تحبك جيهان» لمكاوي سعيد، و«جبل الطير» لعمار علي حسن، و«الأزبكية» لناصر عراق، و«الكتيبة السوداء» لمحمد المنسي قنديل، أما في الشعر فقرأت ديوان علي منصور «بقايا ألبوم قديم لبرجوازي صغير»، و«أوراق العشب» لوالت ويتمن.
ومن الروايات العالمية قرأ موسى رواية ناتاليا فيكو: «جسد أسود، أبيض، أحمر» وهي «رواية عن الثورة الروسية تذكرنا بالأعمال الملحمية الكبرى مثل أعمال تولستوي، وتتضمن الرواية تشريحا للمجتمع الروسي بشكل جيد، وبلغة ناعمة».
أما الروائية سعاد سليمان، صاحبة مجموعة «شهوة الملايكة» القصصية، فتقول: «نوعت هذا العام قراءتي ما بين التاريخ والإبداع وإن كانت تغلب عليها القراءة التاريخية أكثر، واستمتعت للمرة الثانية بكتاب (رجال مرج دابق) للأستاذ صلاح عيسى وكتاب (الفرعون الأخير.. محمد علي)، تأليف جلبرت سينويه، وإن أخذت عليه بعض المأخذ في عدم توخي الدقة في بعض الحقائق التاريخية مثل ذكره أن هناك صداقة جمعت بين كل من نابليون وعمر مكرم والجبرتي، وهذا ليس صحيحا. هناك أيضا بعض المآخذ على الترجمة الذي تفتقد لكثير من المراجعة في ذكر أسماء الأماكن فيكتب موكا ويقصد بها مكة، وباب العذاب والمقصود (باب العزب)».
وبالنسبة لقراءاتها الأدبية، تقول: «استمتعت جدا بقراءة رواية (عدّاء الطائرة الورقية) للكاتب الأفغاني خالد حسيني، وروايته الأخرى (ألف شمس ساطعة). فقد تعرفت من خلال هاتين الروايتين على تاريخ أفغانستان وتراثها، حدائقها، أنهارها، ملابسها، حضاراتها، معاناة أهلها في ظل الاحتلال الروسي، ثم طالبان والقاعدة. وأنهيت عام القراءة برواية بديعة لأمين معلوف وهي روايته (سمرقند)».
أما الروائي منير عتيبة، فيقول: «قرأت عددا كبيرا من الأعمال الإبداعية والنقدية الجيدة، لكتاب كبار ولشباب ينشرون لأول مرة... الإبداع الجميل الجيد كثير، وهو يمنح إحساسا بالتفاؤل، لكن ما استغرقني حقا هو إعادة قراءة كل ما كتب المفكر الراحل خالد محمد خالد. وهو مشروع قراءة بدأته ولم أنهه بعد، فقد وهب خالد محمد خالد حياته وفكره للديمقراطية، ولحرية الشعوب ضد أي تغول للسلطة السياسية أو الاقتصادية والاجتماعية أو الفكرية تحت أي اسم».
وعن قراءاتها تقول الروائية منة الله سامي، صاحبة «مخدع»: عند مراجعتي لمكتبتي وإعادة ترتيبها كعادتي كل عام توقفت أمام ما قرأته خلال هذه السنة، وسعدت بأنني وقع اختياري على أجمل ثمار العام من كتب الأدب والنقد. يظل الأدب بروافده المختلفة من قصة، ورواية، وشعر، ومسرح له نصيب الأسد في قراءاتي، وإن تربعت الرواية والقصة على رأس اهتماماتي، فمن أجمل ما قرأت هذا العام في مجال الرواية والقصة رواية «خان الشابندر» للأديب العراقي محمد حياوي، ورواية «الأزبكية» لناصر عراق، ورواية «بياض ساخن» للدكتورة سهير المصادفة، و«يهود الإسكندرية» لمصطفى نصر، و«مريم والرجال» للدكتور شريف ماهر مليكة، و«بعد القهوة» للدكتور عبد الرشيد محمودي، و«زمن الحرية» للدكتور عبد البديع عبد الله، و«بنت صهيون» للدكتور شريف شعبان، وديوان «المنازلة» للشاعر عمارة إبراهيم، و«في شقة عازب» وهي أولى روايات القاصة الشابة دعاء عبده، والمجموعة القصصية «قانون صاحبة العطر» للقاص الشاب فرحات جنيدي.
وبعيدًا عن الرواية والقصة والشعر، قرأت صاحبة مجموعة «كيميت» القصصية، كتبًا في النقد الأدبي والفني، ومنها «القص الوامض» للناقد والقاص الدكتور شريف عابدين، و«تانجو من نافذة بيروت» لشوقي بدر يوسف، و«فن الأفيش في السينما المصرية» لسامح فتحي، و«الثائر الأول إخناتون بين الأدب والتاريخ» للدكتور خالد عاشور.
ما هي الكتب التي يمكن أن ترشحها منة الله سامي للقراء؟ تقول: «أرشح كتاب (توت عنخ آمون - مؤامرة الخروج) لأندرو كولينز وكريس أوجيلفي هيرالد، وترجمة رفعت السيد علي، لأنه يتحدث باستفاضة عن اكتشاف هوارد كارتر لمقبرة توت عنخ آمون والأسرار المتعلقة بها، وعن احتمالية اكتشافه للكثير من البرديات داخل المقبرة ولم يفصح عنها للإعلام أبدًا، ويحدثنا الكتاب عن فرضية خطيرة وهي وجود بردية تتحدث عن خروج اليهود من مصر بشكل يخالف ما تحدثت عنه الأساطير اليهودية وما يروج له الصهاينة حول العالم من أن فلسطين هي أرض الميعاد وأسطورة الأرض اليهودية من النيل والفرات».
أما الروائي حسام نور الدين، صاحب «خيط سحري» فيقول إن ما بقي في ذاكرته هو كتاب عظيم، وهو «جمهرة المقالات» التي كتبها العلامة محمود شاكر أو جاحظ عصرنا كما وصفه المفكر مالك بن نبي. «وهو كتاب مرجعي في تذوق الأدب واللغة. وفيه نلمح منهجا نقديا يصعب تكراره. والمقالات قام بجمعها د.عادل سليمان، فيما يربو على 1000 صفحة، في جزأين. وأنصح أي قارئ أو كاتب باقتناء هذا المرجع مع كتب محمود شاكر الأخرى».
ويضيف: «قرأت أيضًا كتابا معروفا للتوحيدي، وهو كتاب (المقابسات) عن علاقة الإبداع بالنفس والعقل والحس في منحى فلسفي صعب بعض الشيء على أصحاب القراءة العابرة. وأخيرا أقرأ الآن كتابا عن ابن رشد للدكتور إبراهيم عوض، ويطرق فيه نظرة مغايرة، مقيما مكانة ابن رشد الفكرية بمنهجية منطقية، وتتبع تاريخي صائب، وتحر علمي متين، وماتع، دون تهوين أو تهويل. وفي النهاية قرأت كتابا عن فلسفة الزن اليابانية، وأثرها على وجه الخصوص في إبداع المخرج الياباني الرائد ياسوجيرو أوزو».
لروائية عبير درويش، صاحبة مجموعة «حدود الكادر القصصية» قرأت في هذه السنة عددا من الكتب، أفضلها، كما تقول، كتاب «رادوبيس» لنجيب محفوظ و«أنا» للأديب عباس العقاد، ورواية «ظل الأفعى» ليوسف زيدان، و«سوبرمان عربي» للشاعرة جمانة حداد، و«هذا الإنسان» لنيتشه، و«الأولة باريس» لشيرين عادل، كما أنها أعادت قراءة بعض دواوين «وديع سعادة».
وتشير درويش إلى أن رواية «كافكا على الشاطئ» قد استهوتها بشكل خاص، قائلة: «استهواني جو الرواية الذي يتسم بالجو الغرائبي (الميتافيزيقي) والفلسفي الذي يسود هذه الرواية التي تدخل الموسيقى والأدب والفلسفة وألف ليلة وليلة كهامش يبني أفكار المتن: رجل عجوز يجيد محادثة القطط، أسماك تهطل من السماء، جنود يعيشون في غابة منذ الحرب العالمية الثانية، حجر سحري قد يقود إلى خراب العالم أو خلاصه... أجواء غرائبية تحفل بها تحفة الكاتب الياباني هاروكي موراكامي (كافكا على الشاطئ). لكنها بقدر ما هي غرائبية هي بسيطة تحتفل بسحر الحياة وتدافع عنها، وذلك من خلال حكايتين متوازيتين متقاطعتين، حكاية عجوز يبحث عن نصف ظله الضائع، وفتى في الخامسة عشرة هارب من لعنة أبيه السوداء، وبينهما عوالم ومدن وشخصيات ورحلات شبه ملحمية تلخص جميعها البحث عن الحب، ومعنى الموت، وقيمة الذكريات. رواية لا تدفع كل واحد منا فحسب إلى تأمل الحياة، بل تستفزه لكي يغيرها أو يغير نفسه فيها ويبدأ رحلة البحث عن بوصلته الضائعة».



«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل
TT

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

في كتابه «هوامش على دفتر الثقافة» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يستعرض الشاعر عزمي عبد الوهاب العديد من قضايا الإبداع والأدب، لكنه يفرد مساحة مميزة لمسألة «الحزن»، وتفاعل الشعراء معها في سياق جمالي إنساني رهيف. ويشير المؤلف إلى أن ظاهرة الحزن لم تعد ترتبط بأسباب عرضية، أو بحدث يهم الشاعر، ويدفعه إلى الحزن كما كان الحال في الشعر العربي القديم.

ومن بين بواعث الحزن ومظاهره في الشعر قديماً، أن يفقد الشاعر أخاً أو حبيبة، فيدعوه هذا إلى رثاء الفقيد بقصائد تمتلئ بالفقد والأسى، مثل الخنساء في رثاء شقيقها، وأبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه، وجرير في رثاء زوجته، وهناك من يشعر بقرب الموت فيرثي نفسه، كما فعل مالك بن الريب، وقد يعاني الشاعر مرضاً، فيعبر عن ألمه.

أما في الشعر الحديث، فيعد الحزن ظاهرة معنوية تدخل في بنية العديد من القصائد، وقد استفاضت نغمتها، حتى صارت تلفت النظر، بل يمكن أن يقال إنها صارت محوراً أساسياً في معظم ما يكتبه الشعراء المعاصرون حتى حاول بعض النقاد البحث في أسباب تعمق تلك الظاهرة في الشعر العربي. ومن أبرزهم دكتور عز الدين إسماعيل الذي يعزو أسباب الظاهرة إلى تنامي الشعور بالذات الفردية بدلاً من الجماعية، وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن «اغتراب» الإنسان المبدع؛ إذ يأخذ أشكالاً متعددة، ولعل أقسى أشكال ذلك الاغتراب ما عبر عنه أبو حيان التوحيدي بقوله: «أغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه».

ذكر إسماعيل عدة أسباب للحزن منها تأثر الشاعر العربي الحديث بأحزان الشاعر الأوروبي وبالفنين الروائي والمسرحي، وقد توصل إلى أن أحزان الشاعر مصدرها المعرفة، وكأن شاعرنا الحديث تنقصه أسباب للحزن وبالتالي يعمد إلى استيرادها أوروبياً من شعراء الغرب.

وفي كتابه «حياتي في الشعر» يواجه صلاح عبد الصبور مقولات النقاد حول أنه شاعر حزين، موضحاً أن هؤلاء يصدرون عن وجهة نظر غير فنية، لا تستحق عناء الاهتمام مثل آراء محترفي السياسة أو دعاة الإصلاح الأخلاقي التقليديين. وانبرى عبد الصبور لتفنيد النظريات التي يأتي بها هؤلاء النقاد لمحاكمة الشعر والشاعر قائلاً: «لست شاعراً حزيناً لكني شاعر متألم، وذلك لأن الكون لا يعجبني ولأني أحمل بين جوانحي، كما قال شيللي، شهوة لإصلاح العالم، وهي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر، لأن كلاً منهم يرى النقص فلا يحاول أن يخدع نفسه، بل يجهد في أن يرى وسيلة لإصلاحه».

يتحدث الشاعر أيضاً عن قضيتين أثارهما بعض النقاد عن شعره، أولاهما أن حزن هذا الجيل الجديد من الشعراء المعاصرين حزن مقتبس عن الحزن الأوروبي، وبخاصة أحزان اليوميات. وكذلك قولهم إن الشعراء يتحدثون عن مشكلات لم يعانوها على أرض الواقع كمشكلة «غياب التواصل الإنساني» من خلال اللغة، كما تتضح عند يوجين يونيسكو أو «الجدب والانتظار» عند صمويل بيكيت وإليوت، أو «المشكلات الوجودية» عند جان بول سارتر وكامو، وبخاصة «مشكلة الموت والوعي».

وشرح عبد الصبور كيف أن الحزن بالنسبة إليه ليس حالة عارضة، لكنه مزاج عام، قد يعجزه أن يقول إنه حزن لكذا ولكذا، فحياته الخاصة ساذجة، ليست أسوأ ولا أفضل من حياة غيره، لكنه يعتقد عموماً أن الإنسان «حيوان مفكر حزين».

ويضيف عبد الصبور: «الحزن ثمرة التأمل، وهو غير اليأس، بل لعله نقيضه، فاليأس ساكن فاتر، أما الحزن فمتقد، وهو ليس ذلك الضرب من الأنين الفج، إنه وقود عميق وإنساني».

لكن ما سبب الحزن بشكل أكثر تحديداً عن الشاعر صلاح عبد الصبور؟ يؤكد أنه هو نفسه لا يستطيع الإجابة ويقول: «أن أرد هذا الحزن إلى حاجة لم أقضها، أو إلى فقد شخص قريب، أو شقاء طفولة، فذلك ما لا أستطيعه».

ومن أشهر قصائد صلاح عبد الصبور في هذا السياق قصيدة تحمل عنوان «الحزن» يقول في مطلعها:

«يا صاحبي إني حزين

طلع الصباح فما ابتسمت

ولم ينر وجهي الصباح»

لقد حاول التحرر فيها من اللغة الشعرية التقليدية عبر لغة يراها أكثر مواءمة للمشهد، لكن كثيرين اعترضوا على تلك اللغة، في حين أنه كان يريد أن يقدم صورة لحياة بائسة ملؤها التكرار والرتابة. ويؤكد الناقد د. جابر عصفور أن السخرية والحزن كلاهما ركيزتان أساسيتان في شعر عبد الصبور، وهو ما جعل عصفور يسأل الأخير في لقاء جمعهما: «لماذا كل هذا الحزن في شعرك؟» فنظر إليه عبد الصبور نظرة بدت كما لو كانت تنطوي على نوع من الرفق به ثم سأله: «وما الذي يفرح في هذا الكون؟».

وتحت عنوان «ظاهرة الحزن في الشعر العربي الحديث»، يوضح الباحث والناقد د. أحمد سيف الدين أن الحزن يشكل ظاهرة لها حضورها وامتدادها في معظم التجارب الشعرية الحديثة، خلافاً لما كان عليه الحال في الشعر العربي القديم. ويميز سيف الدين بين حزن الإنسان العادي وحزن المبدع الذي يتسم بحساسية خاصة، حيث يستطيع أن يحول حزنه وألمه إلى مادة إبداعية.

ويلفت الكتاب إلى أن هناك أسباباً متنوعة للحزن، منها أسباب ذاتية يتعرض لها الشاعر في حياته كالمرض أو الفقر أو الاغتراب. أيضاً هناك أسباب موضوعية تتصل بالواقع العربي، وما فيه من أزمات ومشكلات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ومن ثم، فالحزن ليس فقط وعاء الشعر، إنما هو أحد أوعية المعرفة الإنسانية في شمولها وعمقها الضارب في التاريخ.