اختيارات موفقة وقصور في فهم الجملة الشعرية

دراسات وقصائد لوليم بتلر ييتس بترجمة عربية

آيرلندا وأساطيرها ملهمة ييتس الأولى
آيرلندا وأساطيرها ملهمة ييتس الأولى
TT

اختيارات موفقة وقصور في فهم الجملة الشعرية

آيرلندا وأساطيرها ملهمة ييتس الأولى
آيرلندا وأساطيرها ملهمة ييتس الأولى

صدرَ عن «دار المدى» كتاب «العنف والنبوءة» لوليم بتلر ييتس، ترجمة ياسين طه حافظ. يضمّ الكتاب دراستين نقديتين اختارهما المترجم بنفسه، الأولى تحمل عنوان «العنف والنبوءة» التي أخذها من كتاب «و.ب. ييتس: شعره وفكره» للناقدة أ. ج. ستوك، والثانية دراسة لنورمن جيفرز عن «البرج» وهي مُستلّة من كتابه «و.ب. ييتس إنسانًا وشاعرًا»، كما انتقى حافظ 42 قصيدة من تسع مجموعات شعرية لييتس وهي «الوردة» و«الغابات السبع» و«مسؤوليات» و«البجعات البرية في كول» و«البرج» و«السلّم اللولبي وقصائد أخرى» و«مايكل روبارتس والراقصة» و«قمر مكتمل في آذار» و«قصائد أخيرة». ولعل القارئ الكريم يتساءل عن سبب هذا التشتّت الذي يجمع بين دراستين نقديتين وقصائد منتقاة من تسع مجموعات شعرية! لن يتأخر المتلقي في الحصول على الإجابة السريعة التي يجدها مُجسّدة في الفِقرة الأولى من التمهيد المُقتضَب للكتاب بأنّ ييتس «من أكثر الشعراء افتقادًا لمزاياهم حين يُترجمون إلى لغة أخرى، فقصيدته قائمة أصلاً على هذا التوازن العجيب بين الفكرة والعبارة. وعندما يختل التوازن، تختل القصيدة كلها». لا يجد المُترجم حرجًا في الإفصاح عن حيرته، والتعبير عن قصوره في فهم بعض الصور الشعرية التي يتراسل فيها المعنى بالمبنى حيث يقول: «مُحيّر ييتس في الترجمة، فحين أكون حرفيًا في ترجمة بعض عباراته، أخلّ بسِحر العبارة، وحين أريد لها تعبيرًا شعريًا أجمل، يحتجُّ علي المعنى». بكلمات موجزة أن المترجم لا يحيط بعملية التناضح بين الشكل والمضمون في جملة ييتس الشعرية. ولهذا السبب الوجيه تخلى عن ترجمة كثير من قصائده خشية أن يلحق بها ضررًا كبيرًا فلا غرابة أن يترك أمر القصائد المستعصيّة على الترجمة إلى الأساتذة من ذوي الاختصاص الذين يفكّون أسرار الكلام مهما تعددت مستوياته، وتعقّدت تراكيبه الشكلانية والمضمونية، فهدف المُترجم هو «التعريف بهذا الشاعر الكبير» وكأنّ القرّاء العرب يجهلون تمامًا شاعرًا فذًّا، وكاتبًا مسرحيًا مشهورًا اسمه وليم بتلر ييتس حصل على جائزة نوبل عام 1923. كما أن شعره يُدرّس في الجامعات العراقية والعربية منذ سنوات طوال.
اختار المترجم خمس قصائد من مجموعة «الوردة» الصادرة عام1893 وهي اختيارات موفقة جدًا لكن القارئ لم يعرف شيئا عن المرأة التي يخاطبها الشاعر، وكان حريًا بالمترجم أن يضع هامشًا يوضّح فيه أهمية هذه المرأة ودورها الكبير في حياة الشاعر. فالمعروف عن ييتس أنه وقع في حُب مود غَنّ Maud Gonne الثائرة، والممثلة، وزعيمة حركة الاستقلال الآيرلندية لكنها رفضت هذا الحُب ولم تستجب لمشاعر ييتس الجيّاشة لسبب غريب مفاده أنّ وطنيته لم تكن قوية بما فيه الكفاية، وأنه لم يكن شخصًا عنيفًا، بل على العكس كان يستهجن الكراهية، وينتقد بشدّة التعصب الأعمى لحركته القومية الأمر الذي دفع «غَنّ» لمجافاته، ورفض عروضه المتعددة للزواج منها.
لا بد من الإشارة إلى أنّ «الوردة» هي من المجموعات الشعرية المهمة التي تعكس اهتمام ييتس بالأساطير والخرافات الآيرلندية القديمة. ففي قصيدة «وردة العالم» التي تتمحور حول جَمال «مود غَنّ» الخالد، ثمة إشارة إلى «حرب طروادة» و«أطفال أوسنا» وليس «الأوسنا» كما ترجمها حافظ، فـ«أوسنا» في الأسطورة الآيرلندية هو اسم والد الفتيان الذين ساعدوا «ديردري» على الهروب من آيرلندا قبل أن يجدها «كونجبار»، ملك أولستر ويجبرها على الزواج منه. يفنِّد ييتس في هذه القصيدة الكليشه القائلة بأنّ «الجمال يمرّ كالحلم»، وهو يلمّح إلى أن الجمال الأبدي لمود غنّ قادر على إحداث الدمار الذي أوقعته حرب طروادة أو موت أطفال أوسنا، فلا غرابة أن ينحني كبار الملائكة أمام هذا الجمال الثابت الذي لا يتغيّر مهما تقادمت الأعوام.
لا يمكن أن نحلل ثيمات قصائد هذه المجموعة برمتها لكننا سنتوقف عند بعض الموضوعات الرئيسية التي شغلت الشاعر وعالجها عبر مراحل تطوره الشعري وصولاً إلى نمط القصيدة الحداثية التي بدأ يكتبها في الثلث الأخير من حياته كما هو الحال في «البُرج» و«السلّم اللولبي» و«قصائد أخيرة».
تنطوي غالبية قصائد «الوردة» على أبعاد رمزية، ووردة هذه المجموعة الشعرية هي من دون شك مود غَنّ مثلما هي «آيرلندا» نفسها التي تعني في المثيولوجيا الآيرلندية القديمة «الوردة السوداء».
تعتمد قصيدة «الكونتيسة كاثلين» في بنيتها الشعرية العميقة على أسطورة هذه الكونتسية التي باعت كل ممتلكاتها ووزعت الأموال على الناس الجائعين كي لا يبيعوا أرواحهم للشيطان. أما القصيدة الأخيرة التي انتقاها المترجم من هذا الديوان فهي «حين تكونين عجوزًا» التي يؤكِّد فيها الشاعر أنّ الحُب الحقيقي لا يقترن بمرحلة الشباب فقط، وإنما يجب أن يمتد إلى مرحلة الشيخوخة لأنه أبعد غورًا، وأكثر ديمومة.
وقع اختيار المترجم على قصيدتين من ديوان «الغابات السبع» وهما «لعنة آدم» و«أغنية هانراهان الأحمر عن آيرلندا». تنتمي القصيدة الأولى إلى المرحلة الثانية من تقنية ييتس الشعرية التي تفادى فيها المفاهيم الرومانسية السابقة، كما استعمل لغة شعرية متقشفة تذكِّرنا بأسلوب الشاعر البريطاني وولتر سافيج لاندور صاحب الكتاب النثري المعروف «محادثات خيالية». جدير بالذكر أن «لعنة آدم» قصيدة خماسية التفاعيل يروي فيها الشاعر لقاءه مع مود غنّ وأختها كاثلين.
تتسم قصيدة «البجعات البرية في كول» بهيمنة الصور الجميلة المؤثرة فقد كتبها الشاعر بعد أن رأى في غسق خريفي 59 بجعة برية تلهو على سطح بحيرة «كول بارك» التي تملكها الليدي أوغستا غريغوري. حينما طارت البجعات كلها في السماء، كان المشهد مثيرًا ومخزيا في آنٍ معا حيث شعر الراوي بثقل الكآبة ووطأة الزمن الذي تبدد في لمح البصر.
تدور غالبية قصائد هذا الديوان حول الحرب العالمية الأولى ولعل قصيدة «طيّار آيرلندي يتنبأ بموته» هي من أكثر قصائد هذه المجموعة إشكالية، فالطيار الآيرلندي لا يكره الألمان الذين يحاربهم، ولا يحب البريطانيين الذين يحميهم، وأكثر من ذلك فهو لا يشعر بأنه بريطاني أو آيرلندي، وإنما هو مواطن من قرية «كروس كلتارتن»، وليس «صليب كلتارتن» كما اعتقد المترجم، فهي قرية معروفة في غرب آيرلندا وقد عاشت فيها السيدة غريغوري، والطيار الذي فُقِد في الحرب العالمية الأولى هو ابنها. لم يُوفَق حافظ في ترجمة البيتين الأخيرين من هذه القصيدة:
The years to come
seemed waste of breath
A waste of breath
the years behind
In balance with
this life this death
«حيث صاغهما بالشكل الآتي: (فإذا الحياة القادمة تبدو خامدة - وهي موت مقابل هذي الحياة). إن عبارة A waste of breath لا تعني «خامدة» أو «ميتة» كما ترجمها آخرون أيضًا وإنما تعني «سُدى» أو «عبثًا» أو «هدرا» ولعل المعنى يستقيم أكثر إذا قلنا: «تبدو سنواتي القادمة عبثًا - وسُدى هي حياتي الماضية».
كان الأحرى بالمترجم ياسين طه حافظ أن يعزز هذا الكتاب بمقدمة وافية تسلّط الضوء على ثيمات القصائد والتقنيات التي استعملها ييتس في كتابة نصوصه الشعرية. كما أنّ القارئ العربي بحاجة ماسّة إلى الهوامش التي تعرِّفه بالإشارات والوقائع والأساطير التي تزخر بها مجموعات ييتس الشعرية وهي متوفرة في الطبعات الإنجليزية القديمة والجديدة على حد سواء.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.