باريس: شرطان أساسيان يحددان موقفنا من اقتراح المفاوضات في آستانة

قالت إن روسيا تريد «استثمار» التحولات العسكرية والاستفادة من «الفراغ» الأميركي

مقاتلون من المعارضة السورية لدى وصولهم إلى منطقة خان العسل غرب حلب حيث السيطرة للمعارضة (أ.ف.ب)
مقاتلون من المعارضة السورية لدى وصولهم إلى منطقة خان العسل غرب حلب حيث السيطرة للمعارضة (أ.ف.ب)
TT

باريس: شرطان أساسيان يحددان موقفنا من اقتراح المفاوضات في آستانة

مقاتلون من المعارضة السورية لدى وصولهم إلى منطقة خان العسل غرب حلب حيث السيطرة للمعارضة (أ.ف.ب)
مقاتلون من المعارضة السورية لدى وصولهم إلى منطقة خان العسل غرب حلب حيث السيطرة للمعارضة (أ.ف.ب)

لا تبدو باريس «منغلقة» على مقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أعلن عنه من اليابان يوم الجمعة الماضي، القاضي بجمع ممثلي النظام والمعارضة في العاصمة الكازاخستانية آستانة من أجل مفاوضات سلام بين الطرفين تفضي لحل سياسي، وذلك بعد أن تكون الأطراف الثلاثة التي اجتمعت في موسكو (روسيا وإيران وتركيا) قد نجحت في الدفع نحو وقف شامل لإطلاق النار على كل الأراضي السورية.
إلا أن ما قالته المصادر الرسمية الفرنسية لـ«الشرق الأوسط» لا يعني مطلقا أن باريس تمنح الطرف الروسي «شيكا على بياض» أو أنها تسير في مخططاته مغمضة العينين بعد التجربة المريرة التي عرفتها فرنسا، ومعها دول ما يسمى «النواة الصلبة» الداعمة للمعارضة السورية، مع روسيا خلال السنوات الخمس الأخيرة، إن ميدانيا أو سياسيا ودبلوماسيا.
ثمة شرط مزدوج تتمسك به باريس، وهو، من جهة، أن تُجرى المحادثات الموعودة تحت مظلة القرار الدولي الرقم 2254 الذي صوت عليه العام الماضي بالإجماع، والذي يثبت أسس وروزنامة الحل السياسي في سوريا، معطوفا على بيان جنيف. وما تشدد عليه المصادر الفرنسية التي تعي التغيرات الميدانية (انتصار النظام وحلفائه في حلب) والسياسية (الغياب الأميركي وتحولات السياسة التركية وضعف المعارضة وتراجع الدعم الذي تحظى به) هو أن يكون البحث في كيفية تطبيق مبدأ الانتقال السياسي أساس العملية التفاوضية في آستانة. ومن جهة أخرى، تتمسك باريس بوجود «الهيئة السورية العليا للمفاوضات» التي يديرها رياض حجاب في طاولة المفاوضات باعتبارها الجهة الوحيدة التي قدمت في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي تصورا متكاملا لعملية الانتقال المشار إليها.
حقيقة الأمر أن فرنسا، التي قال رئيسها فرنسوا هولاند لدى استقباله حجاب في قصر الإليزيه، مؤخرًا، إنها «لم تتخل عن المعارضة السورية في الماضي، ولن تتخلى عنها في المستقبل»، تعتبر أن الأمور ما زالت اليوم «غامضة» وهي بالتالي تحتاج للتوضيح. لكن الثابت بالنسبة إليها هو أن موسكو «سعت إلى قلب ميزان القوى لصالح النظام السوري عبر تدخلها العسكري الواسع والمكثف» ليس فقط من أجل إنقاذ النظام السوري، بل من أجل «توفير شروط تفاوضية أفضل».
بكلام آخر، فإن موسكو «تريد استثمار التحولات الميدانية الأخيرة وإبراز أنها تمسك بالأوراق العسكرية والسياسية على السواء». لكن باريس ترى أن للرئيس بوتين أهدافا تتخطى المصالح الروسية في سوريا، لأنها تمس موقع موسكو اليوم على الخريطة الشرق أوسطية والدولية ودورها في التأثير على النزاعات. فضلا عن ذلك، فإن للقيادة الروسية أهدافا «داخلية» لعملية إبراز العضلات في سوريا، ليس أقلها إبراز «قوة» بوتين وقدرته على «المواجهة». انطلاقا من هذه المقاربة، ترى باريس أن لروسيا «مصلحة» اليوم، بعد الذي تحقق، بأن تدفع باتجاه حل سياسي «وفق تصورها» في سوريا، مستفيدة من التحولات العسكرية بالدرجة الأولى، ومن «شلل» القوى الغربية والإقليمية الداعمة للمعارضة، ومن الوضع التركي وتغير أولويات أنقرة، وكذلك من وصول الوساطة الدولية ممثلة في الوسيط ستيفان دي ميستورا إلى طريق مسدود.
ولقد قالت مصادر فرنسية رفيعة المستوى في لقاء ضيق إنها «ترجّح» رغبة روسيا في إيجاد «مخرج» للحرب في سوريا بالنظر للكلفة المرتفعة التي تتحملها و«تيقنها أن الخيار العسكري وحده لن يكون كافيا» لإنهاء الحرب في سوريا، وبالتالي يتعين الاستفادة من رجحان كفة النظام للترويج لحل يقوم على الأفكار الروسية.
وتلفت هذه المصادر النظر إلى وجود «تمايز» في الأهداف الروسية - الإيرانية على المديين المتوسط والبعيد، إذ من المتعارف عليه غربيا أن إيران تدفع باتجاه «الحسم» العسكري وأنها متمسكة ببقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد في دمشق، في حين أن الرؤية الروسية مختلفة ويمكن أن تتقبل «في وقت ما» حدوث تغيير على رأس السلطة يكون «ممسوكا وتحت السيطرة». وهذه الرؤية روج لها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الذي راهن على دور روسي يكون في هذا السياق.
بيد أن باريس التي شككت دوما في الخطاب الروسي القائل إن موسكو أرسلت طائراتها لمحاربة الإرهاب، تطرح، إلى جانب شرطها المزدوج، مجموعة من علامات الاستفهام حول الخطة الروسية وحول ما جاء في البيان الثلاثي الصادر عقب لقاء موسكو (لافروف، ظريف وجاويش أوغلو). وأولى هذه النقاط تتناول عزم روسيا على إحلال «مرجعية جديدة» مكان المرجعية الدولية ولا تشير من قريب أو بعيد إلى عملية الانتقال السياسي. وفضلا عن ذلك، ورغم أن بوتين ذكر في المؤتمر الصحافي في اليابان أن محادثات آستانة، في حال حصولها «لن تنافس محادثات جنيف بل ستكون مكملا لها»، فإن الانطباع العام في باريس هو أن الطرف الروسي يريد أن «يلغي» جنيف واقتراح «خريطة طريق بديلة». والدليل على ذلك، تأكيد لافروف أن ما يهم هو «الفاعلية» و«القدرة على التأثير» على الأطراف المتصارعة. وفي ذلك إشارة واضحة إلى «مجموعة الدعم لسوريا» التي كانت الحاضنة للقرار الدولي رقم 2254 التي لم تنجح في تثبيت وقف النار في سوريا ولا الدفع باتجاه الحل السياسي.
وتتساءل باريس الآن عن «الدور» الذي سيناط بالأمم المتحدة وبالوسيط الدولي في المسار الجديد، وترى أن ميستورا فعل حسنا من خلال إعلانه العودة إلى جولة جديدة من المفاوضات في الثامن من فبراير (شباط) المقبل في جنيف، وترى وراء اختياره هذا التاريخ سببين: الأول، الحاجة للتحضير وذلك على ضوء التطورات اللاحقة ميدانيا وسياسيا. والثاني انتظار تسلم الإدارة الأميركية الجديدة مسؤولياتها والتعرف على ما تريد أن تقوم به حقيقة في الملف السوري بعدما أدى «انسحابها» إلى استحواذ أنقرة على دور كانت واشنطن تلعبه في السنوات الخمس الماضية.
وكان لافتا أن لافروف، من باب إنقاذ ماء وجه «شريكه» الأميركي كيري، حرص على الاتصال به «لإطلاعه» على ما تم اتخاذه من قرارات في اجتماع موسكو الثلاثي. ولذا، فإن باريس «تنتظر» هي الأخرى بواقعية لمعرفة ما سترسو عليه الاتصالات الجارية حاليا وما ستعمد إليه موسكو والمنحى الذي ستأخذه الإدارة الأميركية الجديدة.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.