المصممون يتعلمون فن الرسم على الحرير وترويض الأفاعي والتنانين

موسم الهجرة إلى الشرق الأقصى

من «فندي» - من «برادا» - من عرض «فندي» في روما
من «فندي» - من «برادا» - من عرض «فندي» في روما
TT

المصممون يتعلمون فن الرسم على الحرير وترويض الأفاعي والتنانين

من «فندي» - من «برادا» - من عرض «فندي» في روما
من «فندي» - من «برادا» - من عرض «فندي» في روما

رغم تباطؤ الاقتصاد الصيني وما تسبب فيه من مشكلات لا تُحصى لصناع الموضة على كل المستويات، فإن أغلبهم لم يديروا ظهورهم للشرق الأقصى، وتحديدا للصين. فهم لا يزالون يحنون إلى أساطيره ويغرفون منها بقدر الإمكان، بعضهم إعجابا بثقافته الغنية، وبعضهم في محاولة للإبقاء على خيط الود ممتدا، على أمل في أن تنقشع الغمامة قريبا وتعود العلاقة إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الأزمة العالمية.
فرغم تباطؤ الاقتصاد الصيني فإننا لا يمكننا تجاهل أن الصين تحتضن أكثر من مليار نسمة، وهذا يعني أن نسبة 10 في المائة منهم فقط كافية للقيام بالواجب، بتحريك عملية البيع والشراء.
التحدي بالنسبة للمصممين كيف يروضون رموز هذه الثقافة ويُضفون عليها مظهرا عصريا يحترم الأساسيات والثوابت من دون الوقوع في مطب الكليشيهات والفولكلور. فالملابس التقليدية لها حرفيوها في المنطقة وأيضا مصمموها الذين يعرفون ما يروق للزبائن المحليين، وبالتالي يتوقعون من بيوت الأزياء العالمية تصاميم مختلفة، تحترم ثقافتهم وفي الوقت ذاته تحقنها بالعصرية والحداثة حتى تكون بمثابة جسر بين الغرب والشرق وبين الأجيال في الوقت ذاته. وتجدر الإشارة إلى أنهم يواجهون التحدي نفسه عندما يحاولون التودد لزبائن الشرق الأوسط، مع فرق واضح، أنهم أتقنوا اللغة الآسيوية أكثر بحكم تعاملهم الطويل معها مقارنة بمنطقة الشرق الأوسط، التي كانت تمثل بالنسبة لهم وإلى عهد قريب، مجرد سوق استهلاكية تتقبل أي شيء منهم.
في عروضهم لخريف وشتاء 2016، بما فيها عروض «الهوت كوتير» اكتفى كل من توجه إلى آسيا باللعب بالأقمشة والألوان وطبعات الورود وصور الكائنات الحية، بينما ظلت التصاميم بخطوط غربية. هذا الحنين الواضح للشرق الأقصى ليس وليد هذا الموسم، فقد ظهر منذ سنوات في عروض كثيرة، نذكر منها «فالنتينو» و«كريستيان ديور» في عهد جون غاليانو على سبيل المثال، إلا أنه زاد قوة هذا الموسم مع «غوتشي»، التي طرحت تصاميم لا تُحصى بتطريزات تجسد إما أفاعي أو تنانين، وغيرها من الحيوانات التي تُمثل الأبراج الصينية. والطريف أنها لمست وترا حساسا، ليس لدى الصينيين فحسب، بل كل عشاق الموضة، من اليابان إلى المكسيك مرورا بأوروبا وأميركا، وهو ما تؤكده أرقام المبيعات ومناسبات السجاد الأحمر. فدار «غوتشي» تحقق الأرباح رغم أنف الأزمة بفضل هذه النقشات التي لا يضاهيها جرأة سوى تصاميمها وألوانها. حس الدار التجاري أوحى لها بألا تكتفي بأشكال الحيوانات وحدها، فهناك نسبة لا يُستهان بها من الزبونات، يُفضلن الرومانسية، لهؤلاء تبقى الورود أنسب من الحيوانات. وكانت النتيجة أن مصممها أليساندرو ميشيل لم يبخل عليهن بباقات متفتحة بأشكال لم ينافسه في دراميتها وقوتها سوى دار «دولتشي آند غابانا». فالثنائي دومينكو دولتشي وستيفانو غابانا، جعلا بعض الفساتين تبدو وكأنها حدائق يابانية متحركة، تُغطي العارضة من الرأس إلى أخمص القدمين من دون خوف من وقوع في مطب المبالغة. وكان تأثيرها الدرامي هذا لصالحهما، فكلما زادا الجرعة زاد المظهر حُسنا وتميزا. والأهم من هذا انعكس على حركة البيع، وكأن الناس تعبوا من الأزمة ويرفضون التقشف حتى فيما يتعلق بالألوان.
كارل لاغرفيلد أيضا صوب أنظاره نحو الصين، عندما صمم تشكيلة دار «فندي» الإيطالية لخريف وشتاء 2016، حيث رسم لوحات معبرة على معاطف من الفرو وفساتين سهرة تستحضر أساطير وقصصا تعود إلى سلالة هان الصينية وعلاقتها بالحرير واليشم. على العكس من «غوتشي» و«دولتشي آند غابانا»، جاءت طريقته مزيجا بين الرقي والهدوء، وهو ما يتميز به المصمم المخضرم عموما. فهو يُتقن فن الاستلهام وصياغته بطريقته الباريسية بحيث يُشعرك بأنها ملكه الخاص. ثم لا ننسى أنه متشبع بالثقافة الصينية بحكم أن علاقة دار «شانيل» التي يعمل فيها منذ عقود وطيدة بهذه الوجهة. فالقصة تقول إن مؤسستها كوكو شانيل كانت تعشقها، رغم أنها لم تسافر إليها فعليا. بيد أنها في المقابل أحضرت رموزا كثيرة منها لتزين بها شقتها الواقعة بشارع غامبون، حيث تجد في ركن من أركانها «بارافان» أو صندوقا ضخما مرسوما باللك، وعلى جدرانها لوحات ورسمات تأخذك إلى عوالمها البعيدة.
«لانفان» أيضا لم تُفوت على نفسها ولا على زبوناتها فرصة رحلة شائقة إلى الصين واليابان، واقترحت مجموعة من الجاكيتات بكل الأطوال والتصاميم وفساتين للكوكتيل والسهرة، تتخللها رسمات لا تترك أدنى شك في أنها آسيوية. أما المصمم هايدر أكرمان، فاقترح هذه الإيحاءات في خطيه الرجالي والنسائي على حد سواء، مركزا على الألوان الدافئة والمعدنية والتصاميم المنسدلة التي يحددها حزام عريض يستحضر حزام «أوبي»، الذي يُستعمل عادة في الكيمونو، مع طيات مستوحاة من فن الأوريغامي تظهر أحيانا في حزام بنطلون واسع أو تنورة.
من جهتها، قدمت ميوتشا برادا مجموعة لا تقل ابتكارا على شكل سترات بتصميم الكيمونو، أو فساتين محددة على الجسم من الساتان أو من المخمل المطرز بالورود. وكان من الطبيعي أن تتسلم المحلات الكبيرة، مثل «زارا» و«توب شوب» وغيرهما هذا الخيط، وتنسج منه قطعا لا تقل أناقة بالنسبة للواتي يردن مواكبة الموضة.



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.