طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

لا شيء يقف أمام الأجمل

أكثر من سينمائي لبناني وفلسطيني ومصري وخليجي وتونسي وغيرهم وكأنها جامعة للدول العربية تعقد اجتماعًا عاجلاً يتوافق فيه الجميع لأول مرة، وعلى اختلاف مشاربهم، وتباين أفكارهم، أتحدث عن مهرجان «دبي» السينمائي الدولي، الذي صار بحق وبلا منافس، يحتل المقدمة في التقاط القسط الأكبر والأهم من الأفلام العربية في كل عام.
تعددت بالطبع اللهجات مثلما تعددت الأفكار في جنبات المهرجان، ولكن ظل البحث عن الجديد والطازج هو الهدف، لا تنجح المهرجانات فقط باختيار أفلام جيدة، ولكنها تحقق الرواج من خلال قدرتها على أن تخلق مناخًا صحيًا لسوق سينمائية يضمن للصناعة الاستمرار، ويمنح أيضًا المهرجان فيلمًا مقبلاً، هكذا تتألق مهرجانات مثل «كان» و«فينسيا» و«برلين» و«سان سباستيان» وغيرها لأن لديها بنية تحتية جاذبة تتيح للسينمائي أن يفكر في مشروعه الجديد ويشرع في تنفيذه.
فكرة تنضج في 2016 من الممكن أن تجدها قد صارت فيلمًا يشارك في المهرجان الذي يعقد في 2017، وتتعدد الأفكار من خلال تلاقح كل هذه المشروعات، والتي لا يتوقف فيها المخرج عن البحث عن تمويل، إنها المحنة التي يعيشها غالبًا السينمائي والتي تتحول إلى منحة يوفرها دائمًا مهرجان مثل «دبي»، من خلال السوق التي ينتشر فيها الموزعون والمنتجون هنا وهناك، وهو ما يمنح المهرجان مكان الصدارة العربية، تستطيع أيضًا أن تقرأ حال السينما العربية فكريًا واقتصاديًا وجماليًا، وبضمير مستريح بعد أن وصلنا إلى منتصف أيام المهرجان، أقول لكم إن السينما العربية تواصل وجودها من خلال جيل جديد، مثلاً في هذه الدورة من بين خمسة أفلام مصرية تشارك في المسابقة الرسمية، بينها أربعة لمخرجين يقدمون أولى تجاربهم الروائية الطويلة، وإذا كان هذا يحدث في السينما المصرية، فلا أستبعد أنه تتكرر مع دول أخرى، وهذا يعني أن الأمل مقبل في جيل جديد، ويتوالد في العادة مخرجوها من منصات سينمائية تفتح الباب لكل من لديه هم سينمائي حقيقي أن يوجد في مقدمة «الكادر».
نعم رغم تعدد التظاهرات في المهرجان، فإن الصبغة العربية، تظل هي المسيطرة، هذا لو أضفنا لها أقسامًا مثل «السينما الخليجية» و«السينما الإماراتية»، وأنا في مثل هذه المهرجانات، أنتظر أن يتفوق الفيلم العربي أيًا ما كانت الدولة التي ينضوي تحت علمها.
وهذا هو ردي على السؤال الذي كثيرًا ما يواجهني سواء كنت في لجنة التحكيم أو خارجها، لمن تنمح صوتك لفيلم يمثل بلدك أم لفيلم عربي منافس؟ في الفن يجب أن تسقط الجنسيات، أنت لا تنحاز لفيلم لكونه مصريًا وترفض آخر بناء على جنسيته غير المصرية، عندما سألوا الموسيقار محمد عبد الوهاب عن صوت فيروز، قال لهم كل الأصوات التي نسمعها تنتمي لعالم الأرض، وفيروز فقط تنتمي للسماء، ولم يشعر بأي حرج، لو أن هذا الرأي قد يُغضب منه عشرات من الأصوات المصرية.
أن تحب وطنك وتسعد عندما يحقق انتصارًا.. فهذه بالطبع بديهية، ولكن عليك أن تنحاز أولا للجمال ولا تتوقف كثيرًا أمام جواز السفر.
بعض من النقاد والسينمائيين قد يغفل هذه الحقيقة، وهي أن الانحياز للفن بجب أن يسبق الانحياز للبلد، بينما الجمهور في الحقيقة شاهدته أكثر نضجًا في الاختيار، كنت ولا أزال أردد، لا شيء يقف أمام الأجمل.. إلا الأجمل!