العبلاء.. قصة حضارات «مناجم الذهب» المزدهرة في جنوب الجزيرة العربية

أعمال التنقيب كشفت عن آثار تعود للقرن الرابع قبل الميلاد

أعمال التنقيب الأثري في العبلاء («الشرق الأوسط») - لقى زجاجية من العبلاء («الشرق الأوسط»)
أعمال التنقيب الأثري في العبلاء («الشرق الأوسط») - لقى زجاجية من العبلاء («الشرق الأوسط»)
TT

العبلاء.. قصة حضارات «مناجم الذهب» المزدهرة في جنوب الجزيرة العربية

أعمال التنقيب الأثري في العبلاء («الشرق الأوسط») - لقى زجاجية من العبلاء («الشرق الأوسط»)
أعمال التنقيب الأثري في العبلاء («الشرق الأوسط») - لقى زجاجية من العبلاء («الشرق الأوسط»)

كشفت أعمال التنقيب الأثري الأخيرة التي يقودها فريق سعودي تابع للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، عن قطع أثرية يعود تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد في موقع العبلاء شمال غربي محافظة بيشة بمنطقة عسير، تبرز مهارة «حضارة العبلاء» في استخراج وتعدين الذهب والنحاس وبيعه، وما كان يتمتع به سكان الموقع من ثراء وتطور منذ القرن الرابع قبل الميلاد وحتى العصر العباسي.
ويعرف موقع العبلاء محليًا بمنجم العبلاء، ويقع على مسيل عدد من الأودية والشعاب، من أهمها وادي رنية ووادي القاع، ويعتبر من أكبر المواقع الأثرية في جنوب غربي السعودية.
واعتبر كثير من المؤرخين والجغرافيين العرب والمسلمين والباحثين المعاصرين، أن موقع العبلاء يعد من أبرز الحواضر العربية القديمة لوقوعها على امتداد القطاع الجنوبي من مسار درب البخور التاريخي الذي كان يربط المراكز الحضارية في جنوب الجزيرة العربية بشمالها.
كما عاصر الموقع النشاط الاقتصادي لممالك جنوب الجزيرة العربية، وحافظ على أهميته خلال ازدهار تجارة قريش بمكة.
*على طريق الحج اليمني
ولعبت العبلاء، كغيرها من حواضر جنوب غربي الجزيرة العربية، بعد ظهور الإسلام دورها التاريخي والحضاري لكونها ضمن المحطات الرئيسة الواقعة على مسار طريق الحج اليمني الأعلى (النجدي) الواصل بين صنعاء ومكة المكرمة، فضلاً عن دورها الاقتصادي كواحدة من مجتمعات التعدين في أوائل الفترة الإسلامية.
وما يميز العبلاء، وجود منجم قديم أقيم في قمة الجبل يحتوي على ثلاث آبار يصل عمق إحداها إلى ثمانين مترًا، وذلك لاستخراج المعادن من باطنها، وما زالت آثار التعدين بارزة للعيان إلى وقتنا.
كما يوجد في الموقع رحى، إحداها كبيرة بعرض متر وطول متر كانت تستخدم لطحن المعادن المستخرجة من المنجم.
وتقع العبلاء في منطقة الدرع العربية التي تشتهر بوجود كثير من المناجم التي استغلت في استخراج المعادن قبل الإسلام، حينما ظهرت شهرة الذهب في أرض الجزيرة العربية، وأصبح مطلوبًا للشعوب المجاورة للعرب مثل الفينيقيين والآشوريين والرومانيين، وكان من أهم هذه المناجم منجم العبلاء.
ولا تنحصر أهمية موقع العبلاء الأثري في المنجم والتعدين فحسب، فهو يضم قرية كبيرة وسوقًا تجارية إلى جانب المنجم، كما يعد أكبر موقع أثري في الجنوب الغربي من السعودية، وتبلغ مساحة القرية أكثر من كيلومتر مربع، وتصنف ضمن المواقع التجارية والزراعية المهمة.
*اكتشافات أثرية حديثة
وأدرج موقع العبلاء ضمن مشاريع التنقيب الأثري في مواقع التعدين التي تنفذها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، حيث نفذ فريق سعودي خلال العام الحالي تنقيبات أثرية في الموقع تم خلالها اكتشاف عدد كبير من أساسات المباني والقطع الأثرية.
وتبرز أهمية استكشاف موقع العبلاء في إظهار ملامح واحد من أهم مواقع التعدين لفترة ما قبل الإسلام والفترة الإسلامية المبكرة، للكشف عن عمقه التاريخي، وإبراز ملامحه الحضارية والثقافية، والتعرف على أهم مظاهر التحول في إنتاج الخامات المعدنية الثمينة لدى مجتمعات التعدين في جنوب الجزيرة العربية.
وبينت المسوحات الأثرية، أن موقع العبلاء يعد أحد مواقع التعدين القديمة٬ ويرجع تاريخه إلى عصر حضارة الممالك العربية القديمة٬ إذ عُثر على فخار متنوع ينتمي إلى تلك الحضارة التي يرجع تاريخها إلى النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد.
ويتميز الموقع بمبان متلاصقة بشكل مجموعات تفصل بينها أزقة وممرات٬ استخدم في بنائها حجر الديورايت٬ ويتميز الموقع بكثرة أماكن الصهر، وهي بقايا أفران يتم فيها صهر المواد الخام للمعدن. ومن السمات الأخرى المرتبطة بالمناجم مبانٍ مستطيلة الشكل٬ تظهر من بقايا مداميك جدرانها جودة بنائها٬ وتبلغ مساحة غرفها 4 × 3 أمتار٬ وتم حصر قرابة 300 وحدة من هذا النوع، ومما عثرت عليه الفرق الأثرية في الموقع كِسَر من الفخار٬ وقطع من الزجاج القديم٬ ومطاحن٬ ومدقات حجرية. ومن المرجح استنادًا إلى ما تم العثور عليه في العبلاء أنها لم تكن منطقة ذات فعاليات تعدينية متنوعة فقط٬ وإنما كانت مركزًا اقتصاديا مزدهرًا بمقوماته التجارية والزراعية والرعوية.
وتم إجراء مسح توثيقي للمعالم الأثرية الباقية وجمع الملتقطات السطحية المتناثرة في الموقع وهي: منطقة المناجم الموجودة في جبل العبلاء والتي تحتوي على حفر وخنادق استخراج الخامات المعدنية (الذهب، والفضة، والنحاس)، ويعود تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد.
وتمكّن الفريق من تسجيل وحصر أكثر من 600 موقع أساسات للمباني مختلفة المساحات تنتشر على التلال المرتفعة في الجهة الشمالية من الموقع باتجاه الشرق وهي عبارة عن تفاصيل بنائية مختلفة الأشكال، إلى جانب وجود وحدات معمارية مترابطة بالموقع، ونماذج سكنية فردية ذات غرفة أو غرفتين، إضافة إلى وجود أزقة وشوارع تربط بين هذه الوحدات المعمارية، مما يشير إلى قيام حياة وثيقة بين أفرادها.
كما تم العثور على بقايا طحن الخامات المعدنية وصهرها داخل الموقع، وملاحظة كثير من الشقوق الأرضية والخنادق التي تدل على استخراج الخامات المعدنية ليس من جبل العبلاء فقط، بل تعدى ذلك إلى الجبال الشمالية من الموقع ومن أهمها موقعا المشق أم العشاش في مركز الجعبة، وسجلت أعمال المسح خارج سور الموقع وجود 3 برك مربعة الشكل مرتبطة مع بعضها البعض بواسطة قنوات مزودة بدعامات حجرية يصل عرض القناة إلى 70 سنتمترًا توفر المياه لمستوطنة العبلاء.
وأثناء عملية المسح الميداني لسطح الموقع عُثر على كميات من الفخار جاءت معظمها من أجزاء من الأواني الفخارية المختلفة المزججة وغير المزججة، كما عثر على كسر متنوعة من الزجاج دقيقة الصنع تمثل مجموعة من الصحون، والأكواب، والقوارير، وقنينات صغيرة الحجم، تستخدم للعطور وحفظ السوائل، وتحمل هذه الكسر زخارف متنوعة وزينت بزخارف ملونة.
ونظرًا لوجود أطنان من بقايا التعدين، فإنه يمكن القول إن سكان العبلاء حصلوا على ما يريدونه من الخامات المعدنية.
* مخازن للمياه والحبوب
وكشف خبراء الآثار في موقع العبلاء جرارًا كبيرة الحجم مدفونة في الغرف، أو بقايا كسر لجرار كبيرة أخرى متناثرة بين الطبقات في مربعات التنقيب، تدل على أن سكان المستوطنة استطاعوا إنتاج فائض كبير من الحبوب والمواد الغذائية.
ونجح سكان العبلاء في إدارة المياه الجوفية لمستوطنتهم، ويشير إلى ذلك العثور على مخازن للمياه، وأحواض لاستخدامها، كما أن هناك إشارات للاستفادة من المياه أيضًا في الأعمال التعدينية نظرًا لقربها من أفران الصهر الداخلية.
ويدل استخدام الجص بكثافة في لياسة الجدران الداخلية، إضافة إلى الأعمدة الأسطوانية المصنعة من قوالب جبسية على ثراء أهل المنطقة ومعرفتهم بفنون العمارة وأساليبها.
واستعمل سكان العبلاء جذوع الأشجار وأغصان النخيل في تسقيف منازلهم، والأخشاب المحلية والمستوردة لأبوابهم ونوافذهم، كما ظهر ذلك من خلال أعمال التنقيب.
وإلى جانب تعدين الذهب والفضة والنحاس، يبدو أن سكان العبلاء قاموا أيضًا بتعدين الحديد ويظهر ذلك من كثرة بقايا كرات خبث الحديد، وعدد من المخلفات المصنّعة من الحديد كالمسامير، وأنصال السكاكين، والملاعق، والشوك، وحلقات الأبواب.
وأظهرت عمليات التنقيب وجود اختلاف في أسلوب البناء، إذ تظهر الطبقة السفلية استخدام الحجر والطين إضافة إلى اللياسة الجصية على الجدران، بينما استخدمت ألواح الحجر الصلد فقط في الطبقة العلوية، ما يشير إلى إعادة استخدام المبنى بصفة مؤقتة.
وظهرت الأفران في أشكال مختلفة منها الفخارية ذات القواعد الحجرية، إضافة إلى مجموعة أخرى من الأفران المحفورة في الأرض والمبطنة بطبقة صلبة من السليكا، وتبين أن أهالي العبلاء طحنوا خاماتهم المعدنية والغذائية في أنواع مختلفة من المطاحن الدائرية الشكل، والمستطيلة المقعرة من المنتصف، إضافة إلى أحجام مختلفة من الرحى مصنعة بدقة عالية من أحجار الجرانيت والحجر البركاني.
وكان الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، أعلن في زيارته لمحافظة بيشة العام قبل الماضي تخصيص الهيئة عشرة ملايين ريال لترميم مواقع التراث وإنشاء مكتب للهيئة في محافظة بيشة.
ودعا الأمير سلطان بن سلمان إلى اهتمام أبناء المنطقة بالحفاظ على تراثهم وآثارهم وحمايتها وقال: «منطقتكم غنية بالتراث وكنوز الآثار فحافظوا عليها من النهب والسرقة والتخريب».
وأكد أهمية المحافظة على التراث وإخراجه من بطون الكتب ليكون واقعًا معاشًا، مشيرًا إلى أن الهيئة تعمل حاليًا على إعادة الحياة للمواقع التراثية التي شهدت ملحمة توحيد السعودية وتشكلت فيها شخصيتنا وقيمنا.
* بيشة.. منجم الآثار
وتعد بيشة، التي تقع على حافة هضبة نجد، من المناطق الغنية بالآثار التي يعود عمرها إلى أكثر من ألفي عام، لأنها كانت ممرًا للقوافل وتوالت الحضارات عليها، إذ تم اكتشاف كثير من الآثار، مثل تبالة والثنية والعبلاء غرب بيشة، وقريتي الخضراء والمعدن اللتين تبعدان عن محافظة بيشة 80 كيلومترا جنوبًا، وجرى اكتشاف بعض المواقع والقطع الأثرية والنقوش القديمة أيضًا، ما يدل على كثافة السكان منذ العصور الجاهلية الأولى.
ومن المواقع الأثرية والتاريخية في بيشة قصر شعلان، وقرية الكليات بتبالة، وحوطة مطوية، وطريق الفيل، والطريق التجاري القديم بالثنية، وغيرها من مواقع الرسوم والنقوش والكتابات الصخرية، حيث تعد من أهم المواقع الأثرية في المحافظة.
ويزيد عدد المواقع الأثرية في محافظة بيشة عن 203 مواقع، منها 89 موقعًا للرسوم والنقوش الصخرية، تحتوي على 5090 رسمة و931 نقشًا كتابيًا، تتصدرها النقوش الإسلامية بـ539 نصًا يعود تاريخ معظمها إلى القرن الأول الهجري، ثم 334 نصًا تعود للنقوش الثمودية، فنقوش المسند الجنوبي بـ49 نصًا، ثم نقوش الخط النبطي وعددها تسعة نصوص.
وتعمل أكثر من 30 بعثة وفريقًا علميًا متخصصًا في البحث والتنقيب الأثري بالمنطقة بإشراف الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وتضم البعثات إلى جانب العلماء السعوديين علماء متخصصين من أرقى جامعات العالم وأعرق المراكز البحثية من دول عدة منها؛ فرنسا، وإيطاليا، والولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وألمانيا، واليابان، وبلجيكا، وبولندا، وفنلندا، وهولندا، والنمسا.
وكشفت أعمال هذه البعثات العلمية للتنقيب عن الآثار في السعودية عن نتائج بالغة الأهمية لتاريخ الجزيرة العربية والتاريخ الإنساني.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».