الجنرال جون ماتيس.. «سيد البنتاغون» الجديد

مفكّر وعسكري متشدّد ضد إيران والإرهاب و«داعش»

الجنرال جون ماتيس.. «سيد البنتاغون» الجديد
TT

الجنرال جون ماتيس.. «سيد البنتاغون» الجديد

الجنرال جون ماتيس.. «سيد البنتاغون» الجديد

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الجنرال جيمس ماتيس (66 سنة) لشغل منصب وزير الدفاع في إدارته الجديدة. ويعد ماتيس من أبرز الوجوه العسكرية المعروفة داخل الولايات وخارجها، إذ كان قائد قوات مشاة البحرية الأميركية قبل أن يتقاعد عام 2013، بعدما كان القائد الرقم 11 في القيادة الوسطى للولايات المتحدة. وقبل ذلك قاد القوات المشتركة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) بين 2007 و2010.. كما كان قائد مشاة البحرية إبان «غزو العراق» عام 2003، وشارك ماتيس أيضًا في الكثير من العمليات في الشرق الأوسط، ويعد أحد أكثر القادة العسكريين الأميركيين فهمًا لشؤون المنطقة.
عمل الجنرال جون ماتيس، الذي وقع عليه اختيار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لشغل منصب وزير الدفاع، أكثر من أربعة عقود في سلاح مشاة البحرية الأميركية (المارينز). وهو معروف بأنه أحد القادة العسكريين الأكثر تأثيرا في جيله، والمفكر الاستراتيجي الذي تتسابق لديه انتقاداته مع عدوانيته. وهو، بصفة عامة، معروف لقادة الشرق الأوسط، وبصفة خاصة للعسكريين منهم، لا سيما أنه قام بزيارات متكررة للدول العربية. ويقول محللون إن ماتيس يحظى باحترام كبير من القادة العرب والعسكريين لأنه صريح ومستمع جيد.
من ناحية أخرى، حظي الجنرال ماتيس بألقاب متعددة في حياته العسكرية من أشهرها «الكلب المسعور» و«المحارب الراهب». واستحق الأول لبسالته وإقدامه وصراحته و.. وأحيانًا تهوره، والثاني لأنه لم يتزوج في حياته. غير أن المقربين من ماتيس يجمعون على أنه رجل حاد وخطيب مفوه وزعيم يكرس نفسه بتفانٍ لعسكرييه، حتى غدت طريقته في قيادة القوات والجنود توصف بشكل أسطوري في أوساط «المارينز». وفي المقابل، يشير آخرون إلى أن ماتيس لا يستسيغ لقب «الكلب المسعور»، مع أن ترامب مولع باللقب ويستخدمه كثيرا في تغريداته على «تويتر».
بالنسبة للتحديات الدولية الراهنة يثير ماتيس الجدل في مواقفه الحادة والصلبة من الإسلام السياسي وكيفية مكافحة «داعش» والإرهاب المدعوم من إيران. ويشدد الخبراء على أن مواقفه الحادة لا تنفي أنه يعد من أبرز القادة المؤثرين في عمليات الجيش الأميركي الأكثر أهمية خلال السنوات العشرين الماضية. إذ قاد ماتيس فرقة عمل من «المارينز» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2001 في غارة على قندهار في أفغانستان. ووفر لقوات الدفاع الأميركية سيطرة على الأرض في مواجهة طالبان في أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
وتعد قيادة ماتيس للعمليات العسكرية خلال الغزو الأميركي للعراق 2003 من أبرز المواقف التي تعبر عن قدراته عندما قاد فرقة من «المارينز» وخاص قتالاً ضاريًا في «معركة الفلوجة الثانية» في نوفمبر عام 2004 (التي عرفت باسم «عملية الفجر»)، وتعد الأكثر عنفا في الصراع خلال الغزو الأميركي للعراق. فبعد هزيمة الجيش الأميركي في «معركة الفلوجة الأولى» في أبريل (نيسان) ضاعفت القوات الأميركية تعزيزاتها سبعة أضعاف المعركة الأولى وبلغ عدد القوات 15 ألف عسكري أميركي.
وبعد نشر تقرير للبنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) عام 2008 حول تحقيق في عمليات «المارينز» وتحركات للمركبات العسكرية في العراق، قتل خلالها 24 مدنيا عراقيا في مدينة حديثة من بينهم نساء وأطفال، ووصف شهود عيان إياها بأنها كانت معركة إطلاق نار عشوائية من «المارينز»، رفض ماتيس الكثير من التهم. وبرر يومذاك - وكان يشغل قيادة مشاة البحرية في معسكر بندلتون بولاية كاليفورنيا - رفضه تهم القتل العمد بأن «موت الأبرياء جانب لا يمكن إنكاره في الحرب، لكن في مواجهة قرارات الحياة أو الموت في بضع ثوان خلال القتال فإن الأمر يصبح واقعًا لا مفر منه».
مسيرة لافتة
تدرج جون ماتيس في الرتب والمناصب داخل العسكرية الأميركية لكنه حصل على أوراق اعتماده بوصفه مفكرًا عسكريًا بعدما شارك الجنرال ديفيد بترايوس في وضع استراتيجية عسكرية لمواجهة التحديات القوات الأميركية. وكان ماتيس من أبرز المرشحين ليتولى قيادة سلاح مشاة البحرية الأميركية عام 2010 لكن الجنرال جيمس آموس حصل على المنصب، وبعد استقالة بترايوس من منصب رئيس القيادة الوسطى - التي تشرف على العلميات العسكرية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط - حصل ماتيس على منصبه.
ثم، بعد تقاعده من الخدمة العسكرية عام 2013 عمل ماتيس زميلاً زائرًا في معهد هوفر، وهو مركز أبحاث تابع لجامعة ستانفورد. ويقال إنه تقاعد في وقت سابق بخمسة أشهر عما كان متوقعا ما أثار تكهنات تقول إنه اضطر للخروج من منصبه بعد انتقاداته اللاذعة لإدارة الرئيس باراك أوباما حول سياسات الإدارة مع إيران. وبينما نفى ذلك في حينه مسؤولون بالبيت الأبيض رفض ماتيس التعليق.
ولكن ما هو مثبت أن للجنرال ماتيس مواقف متشددة ضد خصوم واشنطن، وبصفة خاصة إيران. وسبق له أن أعلن مرارا أنه يعتبر إيران هي العدو الرئيسي للولايات المتحدة، وهو ما يوحي بأن إدارة ترامب قد تتخذ خطوات حاسمة في مواجهة إيران وتدخلاتها في شؤون المنطقة العربية. إذ سبق لماتيس أن قال في كلمة ألقاها أمام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية خلال أبريل الماضي إن «النظام الإيراني هو التهديد الوحيد والأكثر خطرًا على الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط». كذلك قال خلال الندوة إن الرئيس الأميركي المقبل سيرث «فوضى»، مشيرا إلى أن الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة أوباما العام الماضي «سيؤدي فقط إلى إبطاء طموحات إيران في الحصول على أسلحة نووية لكنه لن يوقف سعيها للحصول عليه».
وفي أعقاب فوز ترامب بالرئاسة، كان اسم جون ماتيس ضمن قائمة المرشحين بمنصب وزير الدفاع، ومعه في القائمة الجنرال ديفيد بترايوس، وإن كان ظهر ميل ترامب لاختيار ماتيس للمنصب منذ لقائهما في العشرين من نوفمبر الماضي.
وحول مدى التقارب والكيمياء المشتركة بين ترامب وماتيس يشير المحللون إلى أن ترامب انعزالي يرغب في الابتعاد عن مشاكل الناتو والشرق الأوسط على عكس ماتيس الذي يرغب في دور أكبر للولايات المتحدة، ويعد ترامب شخصا فطريا يتحدث على سجيته دون قيود بينما الجنرال ماتيس شخص يميل للتأمل والتفكير والاستماع أكثر من الكلام ويأخذ وقته قبل اتخاذ القرارات، وهو أيضا قارئ نهم للكتب وكثيرا ما كلف جنوده بمهام قراءة كتب وتقارير وتحليلات قبل تنفيذ المهمات. ويتفق ماتيس مع ترامب في أهمية إبراز قوة الولايات المتحدة. وينسب إلى الجنرال ماتيس مقولة شهيرة هي «كن مهذبا وكان مهنيا لكن لديك خطة لقتل الجميع وعليك تنفيذها».
كما سبقت الإشارة، شغل الجنرال ماتيس منصب القائد الأعلى للقوات في «الناتو» من نوفمبر عام 2007 إلى أغسطس (آب) 2010، وتركزت جهوده في تلك الفترة على تحسين الكفاءة العسكرية للحلفاء. ومعلوم أن ترامب يتبنى موقفا متحفظا من «الناتو»، وصرح خلال جولاته الانتخابية أنه حلف «عفى عليه الزمن» وطالب بإعادة النظر في التكلفة المالية التي تتحملها الولايات المتحدة في الحلف. وحول هذه النقطة يقول مسؤول سابق بالبنتاغون «إن اختيار ماتيس لمنصب وزير الدفاع اختيار ذكي، فهو محارب وباحث ومفكر ولديه قدرة على إطلاق النار بشكل متواصل بالمعني الحرفي والمجازي، ويتحدث بالحقيقة للجميع ويتوافق مع توجهات ترامب في قيادة الولايات المتحدة وتعزيز مكانتها عالميًا».
ويتابع المسؤول - الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته - أن أبرز العقبات التي تواجه الجنرال ماتيس تتعلق بمبدأ أن يتولى مدني منصب وزير الدفاع «لكن الكونغرس يمكن أن يمنحه استثناء.. وبالتالي، فالتحدي الأكبر هو التعاملات بينه وبين مستشار الأمن القومي الجنرال مايكل فلين الذي لديه وجهات نظر وأسلوب في العمل قد تؤدي إلى تصادم وصراعات، ولن يكون الأمر سهلا لوزير الدفاع القادم القيام بمهامه إذا كان لديه توتر مستمر مع العاملين في البيت الأبيض».
حول النقطة السابقة، بالفعل، يمكن أن يواجه ماتيس معضلة فنية في تعيينه في منصب وزير الدفاع بإدارة ترامب، في ظل صعوبة الحصول على موافقة مجلس الشيوخ، لأن قانون الأمن الوطني لعام 1947 يشترط أن يكون هناك فترة عشر سنوات تفصل بين ترك الشخص العسكري للخدمة العسكرية قبل توليه منصب وزير الدفاع، وجرى تخفيض هذه الفترة إلى سبع سنوات في عام 2008، ولقد أقدم الكونغرس في السابق على اتخاذ استثناء من هذا القانون بموافقته على تعيين الجنرال جورج مارشال وزيرا للدفاع في عام 1950 بتشريع استثنائي خاص، ووقتها شدد المشرعون أنه لن يكون هناك استثناء آخر للقانون. ومنذ إعلان ترامب اختياره ماتيس تنهال تصريحات الثناء من صقور العسكريين داخل الحزب الجمهوري في الكونغرس، ما يشير إلى اتجاه الكونغرس لمنحه استثناء. ولذا يتوقع المحللون أن يقدم الكونغرس ومجلس الشيوخ بأغلبيته الجمهورية على التصويت على مشروع قانون يمهد الطريق لتبيت تعيينه بعد أن يتولى ترامب زمام القيادة في البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) المقبل.
وفي هذا الاتجاه، شدد السيناتور الجمهوري عن ولاية أريزونا جون ماكين، رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ والمرشح الرئاسي الجمهوري الأسبق، أنه يتطلع لجلسة تعيين ماتيس للمنصب في أقرب وقت ممكن خلال العام المقبل، مضيفا: «أميركا ستكون محظوظة أن يكون الجنرال ماتيس في خدمتها في منصب وزير الدفاع».
كذلك صرح ماك ثورنبيري، النائب الجمهوري عن ولاية تكساس ورئيس لجنة الخدمات المسلحة بمجلس النواب، بأنه يدعم اختيار ماتيس لمنصب وزير الدفاع، وقال في بيان أصدره صباح الجمعة «إن عددا قليلا من العاملين في مجال الأمن القومي يحظون بالتقديم والإعجاب مثلما يحظى الجنرال ماتيس، واختياره لمنصب وزير الدفاع هو اختيار ممتاز».
ومن ثم شدد ثورنبيري على خطوات لمنح ماتيس استثناء من قاعدة تولي مدني لمنصب وزير الدفاع، فقال: «سأعمل مع زملائي في الأيام القادمة لتمهيد الطريق لتأكيد تعيينه من قبل مجلس الشيوخ ولا أظن أن هناك شريكا أفضل للكونغرس للعمل معه، لدعم الرجال والنساء في الجيش الذين يعملون لحماية أمن أمتنا».
في المقابل أعربت السيناتورة الديمقراطية كريستن غيلبراند، عضو اللجنة الفرعية للقوات المسلحة بمجلس الشيوخ، أنها ستعارض تعيينه، وتابعت: «أنا أحترم تاريخ وخدمة الجنرال ماتيس داخل الجيش، لكنني سأعترض على تعيينه في منصب وزير الدفاع، لأن السيطرة المدنية على الجيش عندنا مبدأ أساسي للديمقراطية الأميركية، ولن أصوت على استثناء لهذه القاعدة».
واعترضت أيضا جمعيات حقوقية ومنظمات لحقوق الإنسان على التعيين المرتقب، منها منظمة «هيومان رايتس واتش» التي قالت في بيان إنه إن تم تعيين الجنرال ماتيس «فإنه سيمارس قوة هائلة تشمل التعذيب وملء غوانتانامو بالمعتقلين الجدد المحتجزين دون تهم». وقال نورين شاه مدير منظمة العفو «الجنرال ماتيس لديه وجهات نظر غامضة ومتضاربة حول حقوق الإنسان تثير تساؤلات خطيرة يجب الرد عليها خلال عملية تأكيد تعيينه».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.