حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

ترامب والإخوان المسلمون

أغلبية خصوم الإخوان المسلمين تكاد تتفق على أن عهد الرئيس المنتخب دونالد ترامب سيكون زمنًا قاتمًا صعبًا ينتظر هذا التيار الكبير داخل العالم العربي والغربي، لأن تيار الإخوان المسلمين العريض، كما يتصور خصومه، هو الرافد للتيارات المتشددة والإرهابية ويتقاطع معها في المرجعية العقدية والفكرية، وهذا في الحقيقة ما تسرب من أقوال وتصريحات لعدد من مستشاري الرئيس ترامب، وإن كنت لم أقف على تصريح صريح يتحدث فيه الرئيس الأميركي المنتخب عن استراتيجيته المنتظرة مع حركات الإسلام السياسي، وتركزت تصريحاته على خطة جادة حازمة مع تنظيم «داعش» و«القاعدة» و«النصرة» وبقية التيارات المتطرفة.
الكل يدرك أن أحد أبجديات الحملات الانتخابية الأميركية وتصريحاتها ووعودها وشراسة مصطلحاتها لا تؤخذ كلها مأخذ الجد، وأن كلام الليل الانتخابي الأميركي يمحوه نهار المكتب البيضاوي، وفي ذات الوقت ثمة شبه إجماع على أن الرئيس المنتخب هذه المرة «غير» مهما قيدته الخطوط العامة لسياسة الحزب والدولة، وهذا يشمل سياسة تعامل ترامب مع التيارات الإسلامية السياسية وفي مقدمتها وأكبرها تنظيم الإخوان المسلمين الذي تمتد أذرعته المؤسساتية طول العالم الغربي وعرضه.
وفي تقديري أن الرئيس ترامب سيكون بالتأكيد أكثر حزمًا في تعامله مع التيارات الإسلامية السياسية السلمية في بلاده والعالم العربي والإسلامي من أسلافه من الرؤساء الأميركيين السابقين، لكن ليس إلى الحد الذي يصل به إلى إدراجها في التنظيمات الإرهابية أو حظرها، فدون ذلك عقبات قانونية وعملية وسياسية وقضائية معقدة تجعل لاستصدار حكم بإرهابية تنظيم الإخوان أو تعطيل مؤسساته البريطانية المرخصة تبعات سياسية محرجة للرئيس ترامب نفسه قبل غيره، ولعل الرئيس ترامب سيأخذ في الاعتبار تجربة بريطانيا الأكثر خبرة في هذا الشأن، فقد مورست ضغوط على الحكومة البريطانية لإدراج حركة الإخوان ومؤسساتها في الغرب تحت بند الإرهاب وانتهى مطاف الحملة بقرار من لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني بتبرئة تنظيم الإخوان من تهمة الإرهاب، مع أن التقرير انتقد كلاً من الحكومة البريطانية وحركة الإخوان لعدم شفافيتهما.
وما زلنا نذكر محاولات الحكومات البريطانية المتعاقبة المستميتة في التسعينات لترحيل أبي قتادة الذي كان يصرح بتأييده لـ«القاعدة» ويدعم عملياتها وما بُذل من وقت وجهد وتكلفة مالية، تخيل لو أن حكومة ترامب الجديدة عمدت إلى حظر المؤسسات الإسلامية الثقافية والفكرية والإغاثية والاجتماعية والتربوية والأكاديمية التي تسيطر عليها توجهات إسلامية سياسية مثل حركة الإخوان أو أفراد متعاطفين معها، كم من الجهد والتعقيدات القانونية التي ستواجهها؟ هذا فقط لحظرها، فما بالك بالإجراءات القانونية لترحيل المسؤولين عنها وأعضائها والمتعاونين وهم بعشرات الآلاف؟
كما أن إدراج حكومة ترامب جماعة الإخوان على قائمة الإرهاب أو حظر مؤسساتها في أميركا لو صدر دونه عقبات كأداء، فمن الصعوبة أن يحدد أحد في الإدارة الأميركية المقصود بالإخوان.. هل هو الانتماء إليهم فكرًا أم تنظيمًا؟ فإن كان المقصود التنظيم فهناك أضعاف أضعافهم يحملون الفكرة ولا ينتمون للتنظيم، فإن لم يشمل القرار الحاملين للفكرة وليس المنتمين للتنظيم كانت هناك ثغرة في القرار تمامًا كما لو أن قرار إدراج «القاعدة» في قائمة الإرهاب محصور في تنظيم القاعدة وخلاياه المستيقظة والنائمة ولا يشمل من يحمل فكره.
وإن شمل قرار ترامب المفترض كل من يحمل فكر الإخوان استحال تطبيقه، فعشرات الألوف الذين يحملون الجنسية الأميركية في أميركا يحملون فكر الإخوان أو متعاطفون معها، وأختم بسؤال أهم: كيف ستتعامل حكومة ترامب مع حلفائها من الدول التي يشارك في حكوماتها من يحمل الفكر الإخواني كتركيا والمغرب، أو يتسنم مناصبها الوزارية والبرلمانية من يحمل آيديولوجيا الإخوان مثل الكويت والأردن؟