نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

كيف فاز ترامب؟

على عكس معظم التوقعات.. فاز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، وسينهمك الدارسون والمحللون في عمل مضنٍ لمعرفة أسباب هذا الفوز المفاجئ، وستوضع سيناريوهات كثيرة لما بعد الفوز تحت عنوان: «كيف ينتخب الأميركيون رئيسهم بعد أن فشلت الحسابات والتقديرات في الإجابة عن هذا السؤال في زمن ترامب؟».
إذا كان فوز ترامب يعتبر قاعدة جديدة، فكلمة السر في هذا الفوز هي قدرة الرجل على الاقتحام وسحق الخصوم وخدمة المجازفة.
في أول ظهور له كمرشح، سقط كفائز محتمل من جميع التقديرات، بل وصل الأمر بصناع الرأي العام الأميركي إلى حد استهجان مجرد ترشيحه، فكيف يقدّرون أن الذي وصف بالسوقية و«الزعرنة» يمكن أن يجلس يومًا في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض.
تغلب ترامب على الصدمة الأولية، حين تجاهل الاستطلاعات ومواقف الزعماء، ومضى قدمًا في حملته، فأخرج نفسه من منتدى «وول ستريت» الذي قد يتحكم بالرؤساء، ولكنه لا يتحكم بالناخبين، واقتحم الحزب الجمهوري عنوة وسحق رؤوس زعمائه ونجومه، وواصل بقبضتيه سحب البساط من تحت أقدام طبقته المؤثرة، وظل يقتطع من هذا الحزب مساحات ومساحات، إلى أن أحضر جميع ناخبيه إلى بيت طاعته، على عكس ما حسب وتوقع كل المحللين والمتخصصين في أمر الحياة الحزبية الأميركية.
واقتحم ما كان يبدو محرمات في المعارك الانتخابية، حين سخر من المعاقين، وأظهر نزعته الذكورية على حساب مكانة النساء، وتبنى مسدس «الويسترن» الذي لا يزال الأميركيون يحبونه ويحنون إليه. وحين اقتحم خدر النساء، كان يخاطب المترددين في أمره هل يقبلون أن تحكمهم امرأة.
كان وهو يخسر في استطلاعات الرأي التي لا يشارك فيها غير أتباع المعادلة القديمة في تقييم الزعماء، يكسب الأصوات التي لا يحسب حسابها في تقويمات المثقفين والنافذين، فوفر لنفسه رصيدًا مخبوءًا في الزوايا التي تشبه الروافد الصغيرة التي تملأ البحيرة.
كانت تناقضاته وإقدامه وتراجعه عاملاً إيجابيًا في جمع الأصوات، إذ اعتمد الرجل على قصر ذاكرة الناخبين.
كانت أميركا بعد ثماني سنوات من الرتابة وتبديل الأقنعة الثقافية، وتغيير النمط من الاقتحام إلى التردد، بحاجة إلى مسدس يطلق النار في كل الاتجاهات، ليذكر بأزمان التفوق الأميركي الكاسح الذي سيطر على العالم، وصار القطب الأوحد، ولو لفترة من الزمن.
الناخبون الأميركيون أعطوا باراك أوباما لمرتين، ولو كان المرشح الديمقراطي أقوى منه لكان ممكنًا أن يكون التنافس أقوى وأكثر ضمانة للفوز، أما وإن خليفته وبكل المقاييس كانت الأضعف، فقد تعين عليها أن تخسر مسبقًا في مجالين؛ مجال إخفاقات أوباما، ومجال الثغرات في أداء وحياة زوجها.
يمكن القول هنا إن الديمقراطيين وناخبيهم خسروا ساندرز، ولم يكسبوا البيت الأبيض. أما الجمهوريون الذين لم ينفع خذلانهم لمرشح حزبهم في إعاقة اقتحاماته الجريئة، فلا مناص لهم من أن يدخلوا معركة تكيف مع الرئيس الجامح والقواعد المتمردة، وليفتش زعماؤهم من الآن عن أماكن في حزبهم وبلدهم.
وفي اللحظة الأولى لفوز ترامب، سُئِل عن انطباع العرب حول هذا الفوز، قبل أن تستفيق الطبقة السياسية العربية من نومها المتأخر عادة، وبدا أن الانطباع الأولي هو ذات الانطباع الذي يتولد عند مراهن على ورقة يانصيب دائمًا ما لا تكسب.