النظام يسعى للسيطرة على «دمشق الكبرى» عبر «القضم البطيء» و«الاتفاقات المحلية»

يفاوض لإخراج المقاتلين من الهامة وقدسيا.. ويتقدم إلى محيط دوما ويتحضر لمهاجمة جوبر

طفل من دوما بريف دمشق (الغوطة الشرقية) يجمع متعلقات خاصة من بين أنقاض المباني المدمرة، في أعقاب الغارات الجوية على البلدة التي تسيطر عليها المعارضة أول من أمس (أ.ف.ب)
طفل من دوما بريف دمشق (الغوطة الشرقية) يجمع متعلقات خاصة من بين أنقاض المباني المدمرة، في أعقاب الغارات الجوية على البلدة التي تسيطر عليها المعارضة أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

النظام يسعى للسيطرة على «دمشق الكبرى» عبر «القضم البطيء» و«الاتفاقات المحلية»

طفل من دوما بريف دمشق (الغوطة الشرقية) يجمع متعلقات خاصة من بين أنقاض المباني المدمرة، في أعقاب الغارات الجوية على البلدة التي تسيطر عليها المعارضة أول من أمس (أ.ف.ب)
طفل من دوما بريف دمشق (الغوطة الشرقية) يجمع متعلقات خاصة من بين أنقاض المباني المدمرة، في أعقاب الغارات الجوية على البلدة التي تسيطر عليها المعارضة أول من أمس (أ.ف.ب)

يعتمد النظام السوري ثلاثة أساليب للسيطرة على ريف دمشق، وإبعاد قوات المعارضة السورية منها، تتمثل في استراتيجية «القضم البطيء» عسكريًا لمناطق سيطرة المعارضة في الغوطتين الغربية والشرقية، وتكتيك «التجزئة» عسكريًا، عبر فصل المناطق الملاصقة في الغوطة الغربية، تكرارًا لسيناريو داريا - المعضمية في الشتاء الماضي، إضافة إلى الاستمرار في تنفيذ خطة إبعاد المقاتلين المعارضين التي تطال اليوم منطقتي الهامة وقدسيا في شمال دمشق، عبر اتفاقات محلية.
وتطال الخطط العسكرية للنظام السوري، الغوطتين الشرقية والغربية للعاصمة السورية، فيما يتحضر النظام لشن عمليات واسعة في حي جوبر، بحسب ما قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن الاتهام الروسي لمقاتلي حي جوبر بقصف السفارة الروسية في دمشق «يحمل مؤشرات على استعدادات روسية لقصف الحي» الذي لم يستطع النظام استعادة السيطرة عليه منذ ثلاث سنوات، رغم الحملات العسكرية التي شنها للسيطرة على آخر أحياء دمشق الخاضعة لسيطرة المعارضة.
وقال عبد الرحمن: «لم يُسجل أي قصف للسفارة الروسية في دمشق، كما لم يتبنَّ أي فصيل هذا الهجوم، لكن التصريح الروسي يشير إلى أن روسيا تمهد لقصف الحي من الجو، تمهيدًا لتقديم قوات النظام». وأعلنت موسكو أمس (الثلاثاء)، عن تعرض سفارتها في دمشق لقصف بالهاون، معتبرة أن أحد أسباب هذه الجريمة يرتبط بموقف واشنطن من المعارضة السورية وتأجيجها للنزاع.
ويأتي البيان الروسي بموازاة معلومات عن تجدد المفاوضات بين أهالي قدسيا والهامة بريف دمشق الشمالي، مع ممثلين عن النظام السوري، يعرضون خروج المقاتلين المعارضين من المنطقتين الخاضعتين لاتفاق تهدئة منذ نحو عامين، وذلك إثر تجدد القصف النظامي على المنطقتين. وذكرت المعلومات أن العروض الأولية «تقضي بإخراج المقاتلين مع أسلحتهم إلى شمال سوريا، خلال أسبوع، أسوة باتفاقات المعضمية أو اتفاق حي الوعر في حمص».
لكن عضو مجلس قيادة الثورة السورية بريف دمشق إسماعيل الداراني، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن ما يُحكى «يبقى في إطار الشائعات»، وأن «لا مؤشرات حتى هذه اللحظة على إخراج المقاتلين»، مشيرًا إلى أن حواجز النظام في الهامة «افتعلت الأسبوع الماضي أحداثًا عسكرية أدت إلى اشتباكات في المنطقة، وهي حادثة تريد قوات النظام أن تتخذها ذريعة لإخراج المقاتلين المعارضين من المنطقة». وتجدد المفاوضات في هذه المنطقة تلا مجموعة اتفاقات ينفذها النظام على مراحل في محيط العاصمة السورية، كان آخرها اتفاق معضمية الشام الذي قضى بإخراج مقاتلي المعارضة إلى إدلب، وتلا اتفاقًا لإخراج سكان داريا بالكامل منها، ونجح في ذلك في شهر أغسطس (آب) الماضي.
بالموازاة، يعتمد النظام خطة «القضم البطيء» لمناطق الغوطة الشرقية، حين قلص مسافة وجوده بعيدًا عن دوما لجهة الشرق، إلى حدود 3 كيلومترات، وذلك بعد مجموعة هجمات عسكرية نفذها، على وقع غارات جوية كثيفة.
وقال عبد الرحمن، إن النظام «يعمل على تضييق الحصار على الغوطة الشرقية»، مشيرًا إلى أن النظام «حقق تقدمًا واسعًا شرق دوما منذ شهر مايو (أيار) الماضي، وقلص مسافته إليها»، مشيرًا إلى أن ذلك «يأتي ضمن خطة تطهير دمشق الكبيرة من مقاتلي المعارضة». وقال إن النظام «يواصل عملياته للسيطرة على تل كردي ومزارع الريحان»، مضيفًا: «إذا تمكن النظام من السيطرة على المنطقتين فإنه سيطبق الحصار على دوما».
إثر عمليات النظام في الغوطة الشرقية منذ عامين، استطاع السيطرة على نحو 14 قرية وبلدة ومزرعة من أصل 39 كانت خاضعة بأكملها لسيطرة المعارضة. ويسيطر المعارضون على المناطق الواقعة شمال المليحة إلى حدود مخيم الوافدين من الجهة الجنوبية، كما يسيطرون على حرستا باتجاه حوش نصري، ومن دوما باتجاه البحارية جنوب شرقي دوما. وبالتالي، تعتبر الغوطة الشرقية «محاصرة وتقع بين نقاط وجود قوات النظام من جميع الاتجاهات، وهو ما يجعلها بعيدة عن خطوط الإمداد في القلمون الشرقي»، حيث يخوض المعارضون معارك ضد تنظيم داعش. وأكد مدير المرصد أن معركة الغوطة الشرقية «منفصلة عن معركة القلمون الشرقي»، حيث تصد وحدات جيش الإسلام والفصائل المتحالفة معها، هجمات تنظيم داعش التي تحاول التقدم إليها.
في السياق نفسه، ينتهج النظام سلوكًا عسكريًا مغايرًا في الغوطة الغربية لدمشق، إذ يعمل على فصل آخر الكتل السكانية بين المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في المنطقة، بهدف «عزلها عن بعضها»، كما قال الداراني لـ«الشرق الأوسط». وأوضح أن هذه الخطة «تظهر بوضوح في محاولة عزل خان الشيح وزاكية والدرخبية والمقيلبية عن بعضها البعض، تكرارا لسيناريو عزل داريا عن المعضمية في الشتاء الماضي».
وتعد تلك المناطق، آخر المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في الغوطة الغربية، وتتعرض لقصف عنيف، منذ إخراج النظام مقاتلي داريا وسكانها بموجب الاتفاق بينهما.
في غضون ذلك، تضاربت المعلومات حول تفجيرات استهدفت نقطة عسكرية تابعة لقوات النظام في منطقة القلمون أول من أمس. وفيما ذكرت وكالة «سمارت» أن سرايا «المهام الخاصة» التابعة للجيش السوري الحر، استهدفت عصر (أول من أمس) الاثنين هنغارا لصنع البراميل المتفجرة، في مركز البحوث العلمية في منطقة جمرايا بريف دمشق الغربي، بعدد من صواريخ غراد، ما أسفر عن إصابته، قالت قناة «الجديد» اللبنانية إن الطيران الإسرائيلي شن غارتين على موقع فارغ يسمى الهنغارات الكيماوية بالقلمون داخل الأراضي السورية بالقرب من رنكوس. والتقت تلك الرواية مع ما قاله ناشطون سوريون إن غارات جوية استهدفت نقاطًا عسكرية للنظام في القلمون الغربي.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.