«فيلم كتير كبير».. عن موضوع «كتير» صعب

ألان سعادة في «فيلم كتير كبير» اللبناني
ألان سعادة في «فيلم كتير كبير» اللبناني
TT

«فيلم كتير كبير».. عن موضوع «كتير» صعب

ألان سعادة في «فيلم كتير كبير» اللبناني
ألان سعادة في «فيلم كتير كبير» اللبناني

إذا ما تم اختيار فيلم عرب لدخول سباق أوسكار أفضل فيلم أجنبي هذا العام، فإنه لن يكون مفاجئًا اختيار فيلم يحمل كلمة «فيلم» في عنوانه مثيرًا بعض الدهشة لمن اعتاد عناوين مجردة عن سمات الصنعة ذاتها.
إنه «فيلم كتير كبير» لميرجان بوشعيا الذي أعجب المخرج فرنسيس فورد كوبولا حين شاهده كرئيس لجنة تحكيم مهرجان مراكش في العام الماضي، فمنحه الجائزة الأولى. آنذاك استهجن بعض الحاضرين ذلك، ووصف الفيلم بأنه عمل عادي. في الوقت ذاته، لم يتح لهذا الفيلم الكثير من العروض العربية لكي يستقطب المزيد من الآراء ولا الإبحار تحت جلد النقاد العرب للحكم عليه.
الآن هو الفيلم الذي تم اختياره من قِبل لجنة تابعة لوزارة الثقافة ليمثل لبنان في مسابقة أفضل فيلم أجنبي. ومشاهدته تؤكد أن كوبولا لم يكن مجاملاً أو خارجًا عن الصواب، عندما وجد في هذا الفيلم الجانب الفني والحبكة الجيدة ملتحمان جيدًا في نتيجة لا بد أنها ذكرته بالأعمال الصغيرة الأولى التي كان أقدم عليها وأترابه، مثل مارتن سكورسيزي وسبايك لي وبرايان دي بالما، عندما بدأوا العمل في السينما في أواخر الستينات ومطلع السبعينات.
* فيلم داخل فيلم
«فيلم كتير كبير» يحمل، في الحقيقة، شذرات من علاقة مارتن سكورسيزي بمدينة نيويورك. المخرج ميرجان بوشعيا يرسم علاقته هو ببيروت. سكورسيزي دخل بيئة الشوارع الخلفية وكذلك فعل بوشعيا. سكورسيزي تحدّث عن عصابات شابّة في عالم مضطرب. وهذا بالتحديد ما يتحدّث عنه «فيلم كتير كبير».
العنوان يعكس الفيلم داخل الفيلم وليس الفيلم نفسه. إنه عن رغبة رجل يعمل في تجارة المخدرات اسمه زياد (ألان سعادة) استثمار السينما لأجل تهريب المخدرات في علب الأفلام مستفيدًا من ثغرة في المعاملات الجمركية. فالفيلم اللبناني الذي سيعرض خارجًا لن يتم فحصه ما دام حمل تصريحًا من الوزارة. وزياد قام بعملية سرقة كمية كبيرة من المخدرات من تاجر يلقبه الفيلم بأبو علي. هذا كان بعث بزياد في مهمّة إلى سوريا ليكتشف أن المهمّة إنما تشمل قتله على يدي رجلين من رجال أبو علي. يبادر بقتل الرجلين ويعود بالشحنة إلى بيروت ويخفيها في مستودع محل البيتزا الذي يديره أملاً في بيعها لحسابه.
هنا يدخل شربل على الخط. فشربل (فؤاد يمين) مخرج مبتدئ نتعرّف عليه وهو يصوّر فيلمًا تسجيليا مع المخرج (الفعلي) جورج نصر. لاحقًا، عندما يكتشف زياد أن بالإمكان تسريب مخدراته في علب الأفلام يعرض على شربل تحقيق رغبته في إخراج «فيلم كتير كبير» (كما العنوان) مقابل استخدام الفيلم لنقل البضاعة المحرّمة. شربل يريد أن يصبح مخرجًا معروفًا ويوافق. بلقاء المصالح ينطلق التصوير وينقل بوشعيا، في تلك اللحظة وما بعد، طينة العلاقة بين بعض المنتجين وبعض المخرجين في صناعة السينما اللبنانية (ولو أن النموذج ذاته صالح للتطبيق في أكثر من مكان): فالمنتج يستولي على قرارات المخرج. يعيّن شقيقه جاد (وسام فارس) ثم يتدخل في السيناريو الذي يروي قصّة حب بين مسلمة ومسيحي ويطلب قلب الشخصيات ليصبح العاشق مسلمًا والمعشوقة مسيحية، لكن شقيقه يرفض تمثيل دور مسلم. لاحقًا يدبّر زياد عمليات تفجير وهمية طلبًا لإثارة اهتمام الإعلام.
الفيلم ليس كوميديًا بل دراما اجتماعية تحمل طرافتها بسهولة. الشخصيات والأحداث واقعية، والانتماء إلى قاع المدينة ومشكلات البيئة وكل ما يتفاعل تحت التربة الطائفية والسياسية له حس واقعي مثير.
شهدت السينما اللبنانية في العام الماضي ومطلع هذا العام عددًا لا بأس به من الأعمال الجيدة الأخرى: «بالحلال» لأسد فولداكار (الذي يضرب على الضعف الاجتماعي في البيئة الطائفية اللبنانية أيضًا)، و«عودي» لجيهان شعيب (يتناول تراث الحرب الأهلية الذي لا ينتهي) هي من بين أهم ما تم إنتاجه.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز