متحف عبد الناصر في منزله القديم بالقاهرة يرى النور في ذكرى رحيله الـ46

كشف النقاب عن مقتنياته الخاصة وهديته من الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستمع إلى شرح المصمم كريم الشابوري خلال  افتتاح المتحف أمس - جدرانه أرخت أهم محطات مسيرة  جمال عبد الناصر السياسية منها ثورة يوليو وحرب الـ1967
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستمع إلى شرح المصمم كريم الشابوري خلال افتتاح المتحف أمس - جدرانه أرخت أهم محطات مسيرة جمال عبد الناصر السياسية منها ثورة يوليو وحرب الـ1967
TT

متحف عبد الناصر في منزله القديم بالقاهرة يرى النور في ذكرى رحيله الـ46

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستمع إلى شرح المصمم كريم الشابوري خلال  افتتاح المتحف أمس - جدرانه أرخت أهم محطات مسيرة  جمال عبد الناصر السياسية منها ثورة يوليو وحرب الـ1967
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستمع إلى شرح المصمم كريم الشابوري خلال افتتاح المتحف أمس - جدرانه أرخت أهم محطات مسيرة جمال عبد الناصر السياسية منها ثورة يوليو وحرب الـ1967

بعد طول انتظار وسنوات طويلة، افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي متحف الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر في منشية البكري (شرق القاهرة)، في البيت الذي كان منزله سابقا، وذلك في ذكرى رحيل ناصر الـ46 أمس.
وقالت مصادر أثرية إن «المتحف يحتوي على أكثر من 170 صورة نادرة للرئيس لعبد الناصر في مراحل حياته المختلفة، كما يضم عددا كبيرا من مقتنياته الشخصية وتمثالين نصفيين، وبعض العملات والطوابع التي صدرت في تلك الفترة، إضافة إلى الرسائل التي كتبها عبد الناصر، بالإضافة إلى نص قرار تأميم قناة السويس، وخطاب التنحي والتقرير الطبي لوفاة عبد الناصر».
والمتحف يقع في بيت ناصر.. وهو البيت الذي شهد أخطر القرارات المتعلقة بتاريخ مصر، واجتمع فيه زعماء العالم، وشهد اجتماعات مجلس قيادة ثورة 1952، وشهد لحظات من الحزن والفرح في حياة مصر كلها. وكان قد خصص لإقامة أسرته بعد وفاته بناء على مرسوم حكومي. ثم آلت ملكية البيت إلى الدولة المصرية مرة أخرى بعد رحيل زوجته تحية في عام 1990؛ ليظل البيت مهجورا ويعاني الإهمال الشديد، حتى صدور قرار رئاسي في عام 2007 بتحويل البيت إلى متحف.
ويأتي تطوير المتحف ضمن مبادرة «إحياء تراث مصر الجديدة» التي تتضمن تطوير كل ما هو أثرى وتراثي في هذا الحي العريق (بشرق القاهرة) كمبنى آثار غرناطة، الذي سيتم تحويله إلى مسرح مكشوف.
ويشار إلى أن حي منشية البكري بمصر الجديدة، وهو المكان الذي عاش فيه الراحل طوال عمره هو وأسرته وكان متعلقا به. وحلت أمس الذكرى الـ46 على رحيل قائد ثورة يوليو (تموز) عام 1952، التي فتحت الباب لطبقات الشعب الفقيرة في التعليم والعمل ومنح الفلاح المصري أرضه يعمل فيها دون وصاية أجنبية أو ظلم وجبروت إقطاعي.
ويقع المتحف على مساحة إجمالية تزيد على 13 ألف متر مربع، وهي تشمل مبنى من دورين على مساحة 1300 متر، بينما خصصت المساحة المتبقية للحديقة.. وبدأ العمل بالمتحف منذ عام 2011 عندما تمت موافقة أسرة جمال عبد الناصر على منح جميع متعلقاته إلى قطاع الفنون التشكيلية المختص بتطوير المكان.
وقام بتنفيذ المتحف جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة المصرية، ويتكون المتحف من ثلاثة أقسام: الأول مخصص لبيته وما يشمله من محتويات، ويشمل غرفة نوم الرئيس الأسبق، وغرفة المعيشة، وصالونين بالدور الأرضي؛ وذلك لمنح صورة كاملة للزائر عن الشكل الذي كان عليه البيت.
والقسم الثاني يستعرض أهم الأحداث بداية من عام 1952 وحتى وفاة ناصر، ولا سيما أحداث السد العالي، وتأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي على مصر، والوحدة بين سوريا ومصر، وحرب 1967 وحرب الاستنزاف.
بينما يعرض القسم الثالث مقتنيات الرئيس الراحل من الأوسمة والنياشين والأنواط والهدايا التذكارية التي حصل عليها من الملوك والرؤساء، والتي تضم 75 وساما ونياشين، جميعها من الذهب الخالص، وبعضها من الذهب والألماس.
وقالت المصادر الأثرية إن «المتحف يضم بين جنباته جزءا مهما من تاريخ مصر الوطني، ويحكي ويسرد تاريخ الزعيم الراحل، وما قدمه للأمة العربية طوال فترة حكمه»، لافتة إلى أن العرض في المتحف تضمن تسجيلات نادرة وأفلاما وثائقية وخطبا تاريخية ووثائق مرتبطة بهذه الأحداث جميعها، فضلا عن الكتب والأبحاث والمواد السمعية والبصرية، التي توثق لحياة عبد الناصر وتاريخ مصر في هذه الحقبة.
وبين المقتنيات أجهزة عرض سينمائية، وساعات مكتب، وتمثال للراحل صنعه أحد أهم المثالين المصريين الفنان جمال السجيني.. وبين المعروضات أطقم الشاي والقهوة الخاصة بالرئيس الأسبق، وصوان وأطباق فضية وعلب صدف وقطيفة، إضافة إلى الأوسمة والنياشين والهدايا التي تسلمها طوال فترة حكمه من دول عدة.
وتضم تلك الهدايا قطعة من كسوة الكعبة، وخنجرا ذهبا مرصعا بالحجارة الكريمة كان هدية من الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية.
ومن بين المعروضات أيضا، كاميرا تصوير كان يستخدمها عبد الناصر بنفسه في المناسبات الأسرية. فضلا عن نماذج من ملابسه ونظارته وعلبة سجائره الفضية، ومجموعة كبيرة من كتبه وأوراقه الخاصة التي كتبها بخط يده، والتي تضم ملاحظات وتوجيهات كثيرة كان يدوّنها خلال حضوره المؤتمرات العربية والأفريقية وقمم دول عدم الانحياز وجلسات مجلس الوزراء‏.
وكما يضم المتحف الأوراق الخاصة بعبد الناصر، وكذلك خطبا وكلمات كتبها بين عامي 1935 و1970، ومن بينها مسودة لخطبة قالها في إحدى المظاهرات وهو في السابعة عشرة من عمره، عندما فصل من مدرسة النهضة في القاهرة بسبب نشاطه السياسي‏. ومن بين الأوراق كذلك بعض قرارات لمجلس قيادة الثورة متعلقة بمصادرة أموال أسرة محمد علي، وقرار رئاسي برد أملاك أسرة أحمد عرابي لورثته.
من جانبه، قال الدكتور خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية، إن «المتحف مفتوح مجانا للجمهور المصري والعربي والأجانب، من أمس حتى منتصف أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بمناسبة افتتاحه».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».