مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الاثنين هو (اليوم الأسود)

صحيح الدنيا أرزاق..
حدثني (عمر قاسم العيسائي)، رحمه الله، أنه تعرف على رجل لبناني كان قد ذهب أو هاجر إلى اليابان عام 1946، والبلاد لتوها خارجة من الحرب تلملم أشتاتها، واشترى في حينها قطعة أرض في شمال طوكيو (بتراب الفلوس)، ومكث يعمل هناك، وفي منتصف السبعينات كانت اليابان قد بلغت ذروة تقدمها الصناعي والاقتصادي، وتوسعت طوكيو، وبين عشية وضحاها إذا بأرضه تصبح في قلب المركز التجاري والمصرفي، وأغروه بشرائها، وباعها بـ(800) مليون دولار، وسافر تاركًا اليابان نهائيًا واستقر في أميركا، ولعب إبليس في رأسه، وأخذ يضارب بملايينه في البورصة، وبين (عشية وضحاها) أيضًا، إذا بالملايين تتبخر في كارثة ما يسمى (الاثنين الأسود)، عام (1987) عندما انهارت أسواق الأسهم حول العالم.
وبالمناسبة فقد لفت نظري شيء غريب، فجميع الكوارث الاقتصادية التي حلت بالعالم، حدثت، ويا للعجب، في يوم (الاثنين).
وإليكم تواريخها بالتسلسل: 24 أكتوبر (تشرين الأول) 1929، و27 مايو (أيار) 1935، وفي الكويت ما يسمى (سوق المناخ) 1982. و19 أكتوبر1987. و 15 سبتمبر (أيلول) 2008.
كل هذه المصائب حصلت تحديدًا في يوم (الاثنين).
وهو ذكرني ببيعة قديمة بلبنان قرأت في وثيقتها التاريخية التالي:
«بتاريخه أدناه قد بعنا شقفة الأرض التي تخصنا ومحلها الزعرورة إلى راهبات طاميش طولها مائتي ماسورة بماسورة أبو طنوس، يحدها شرقًا التنّور اللي كانت تخبز عليه أم شلهوب، وغربًا وكر الحية السودا اللي عقصت بو شاهين عام الأول، وشمالاً الطيونة المعششة فيها الدعويقة، وجنوبًا مطرح اللي كان يقيل عنزاتو بو إلياس، تمت الجهات الأربعة وقبضنا الثمن ربعية زيت ورغيفين كار والبيع تم برضانا ورضى الرب والخاين يخونو الله والشقفة صارت تخص مدير الراهبات يتصرف فيها بحريته صرمايه بيقلعها وبيلبسها على خاطره سنة ألف وستمائة وأربعة وسبعون 1674».
الشاهد كاتبه
بو طنوس المير موسي
المهم أن الأرض أقيم عليها دير الراهبات، ثم بيع الدير، ومع الأعوام تداول الأرض عدة ملاك، إلى أن شيد عليها رجل أعمال لبناني عمارة من سبعة طوابق، واشتراها منه رجل خليجي، ثم باعها بدوره لرجل آخر بحدود (ثمانية ملايين) ليرة تقريبًا – وذلك عندما كان الدولار يساوي (2.5 ليرة)، ثم وضعها بالبنك وما هي إلا عدة أشهر حتى استعرت الحرب الأهلية اللبنانية، وبدأت الليرة تفقد قيمتها شيئًا فشيئًا، وعندما وصل سعر الدولار إلى (27) ليرة حاولنا إقناعه ببيعها، غير أنه رفض على أمل أنها سوف تعود إلى عزها، وما زالت (الثمانية ملايين ليرة) تقبع معززة مكرمة في البنك.
وللمعلومية فلو أنه أراد أن يصرفها الآن فلن تزيد قيمتها على (8.000 دولار).
(وموت يا حمار إلى أن يأتيك الربيع).