دوتيرتي المثير للجدل.. قولاً وفعلاً

من شتم باراك أوباما.. إلى فرق قتل «مافيات» المخدرات

دوتيرتي المثير للجدل.. قولاً وفعلاً
TT

دوتيرتي المثير للجدل.. قولاً وفعلاً

دوتيرتي المثير للجدل.. قولاً وفعلاً

أثار رئيس الفلبين رودريغو دوتيرتي خلال «قمة العشرين» ثم قمة مجموعة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) جدلاً بالكلام النابي الذي صدر عنه بحق الرئيس الأميركي باراك أوباما، وهو ما حدا بالأخير إلى إلغاء اجتماعه بدوتيرتي. وفيما بعد حاول الرئيس الفلبيني توضيح ملابسات ما حدث وما قيل، وادعى أن الكلام ما كان موجهًا إلى أوباما، وأنه نقل في غير سياقه.
غير أن مشاكل دوتيرتي لا تقتصر على أقواله، بل تشمل سياساته التي هي الأخرى تثير لغطًا، ولا سيما ملاحقته شبكات المخدرات بصورة خارجة على نصوص القانون، مع أنه محام ممارس. وكان مسؤولون أميركيون وحقوقيون قد دعوا بالأمس إلى فتح تحقيق مستقل في مزاعم أدلى بها «قاتل تائب» مضمونها أن الرئيس الفلبيني أمر بقتل ألف من المجرمين ومن خصومه عندما كان رئيسا لبلدية مدينة دافاو لأكثر من عشرين سنة. وقال الرجل أمام لجنة تحقيق تابعة لمجلس الشيوخ إنه شارك مع مجموعة من الشرطيين في قتل نحو ألف شخص في دافاو بأمر من دوتيرتي بين العامين 1988 و2013، بل إنه شخصيًا قتل بنفسه أحد الضحايا. كذلك يزعم معارضوه أن أعمال القتل في دافاو انتشرت لاحقًا إلى مختلف أنحاء البلاد بعد توليه السلطة.
شهدت الحياة السياسية في الفلبين، إحدى الدول المحورية في شرق آسيا، خلال الجزء الأخير من القرن العشرين ومطلع القرن الحالي شخصيات كثيرة مثيرة للجدل. وقد يكون أهم هذه الشخصيات فرديناند ماركوس الذي حكم البلاد كديكتاتور لمدة 21 سنة بين 1965 و1986، شاركته الأضواء واللغط زوجته إيميلدا الشغوفة بالبذخ والأزياء والأحذية الفاخرة. كذلك شهدت فترات نفوذ لبيوت وعائلات سياسية منها عائلة ماكاباغال، التي جاء منها ديوسدادو ماكاباغال، الرئيس الذي سبق ماركوس في السلطة وتولى الرئاسة بين 1961 و1965، ثم شغلت منصب الرئاسة ابنته غلوريا ماكاباغال - أرويو بين 2001 و2010.
وكذلك عائلة أكينو السياسية العريقة التي خرج منها بنينيو أكينو (الثاني)، السياسي المعارض العنيد أيام ديكتاتورية ماركوس الطويلة الذي اغتيل في مطار مانيلا لدى عودته إلى البلاد من المنفى عام 1983، وأدى اغتيال أكينو إلى ركوب أرملته كورازن أكينو مد الغضب الشعبي وقادت «الثورة الصفراء» واستفادت من ابتعاد عدد من أركان نظام ماركوس - على رأسهم الجنرال فيديل راموس قائد الأمن الداخلي يومذاك - عن الديكتاتور العجوز.. فانتخبت رئيسة للجمهورية عام 1986 وظلت رئيسة حتى 1992. وبعدما خلفها راموس في الرئاسة (بين 1992 و1998)، ثم جوزيف استرادا الممثل السينمائي السابق وعمدة مانيلا، ثم ماكاباغال أرويو، انتخب ابنها بنينيو أكينو (الثالث) رئيسًا وتولى المنصب بين 2010 و2016.
* دوتيرتي الشخص والسياسي
يوم 30 مايو (أيار) من العام الحالي، فاز رودريغو دوتيرتي بالرئاسة وخلف أكينو (الثالث) مرشحًا عن حزب الفلبين الديمقراطي - «قوة الشعب» PDP - Laban الذي تعود جذوره إلى مقاومة ديكتاتورية ماركوس، والذي تشكل بكيانه الحالي من حزبين هما حزب الفلبين الديمقراطي وحزب «قوة الشعب» الذي أسسه الزعيم المعارض الراحل أكينو.
انتخب دوتيرتي في أعقاب حصوله على أكثر من 16 مليون صوت، متغلبًا بفارق يزيد عن 6.6 ملايين صوت على منافسه مار روكساس. وهو من مواليد يوم 28 مارس (آذار) 1945 في مدينة ماسين بجنوب جزيرة لايته بوسط أرخبيل الفلبين، والعاصمة الإدارة لمحافظة جنوب لايته. وبانتخابه بات أول رئيس للفلبين من جزيرة مينداناو بجنوب البلاد، ورابع رئيس تعود أصوله إلى جزر الأرخبيل الوسطي بين جزيرتي لوزون (شمال) ومينداناو (جنوب) الكبيرتين. وللعلم، كانت عائلته قد استقرت في مينداناو بين 1948 و1950 إلا أن دوتيرتي، مثل كثيرين من الساسة الذين لمعوا في الفلبين خلال العقود الأخيرة، سليل عائلة سياسية نشطت ونجحت في العمل السياسي المحلي. إذ تولّى أبوه المحامي فيتشنتي دوتيرتي منصب عمدة مدينة دافاو - كبرى مدن مينداناو - وحاكم ولاية دافاو قبل تقسيمها، وابن عمه رولاند عمدة لمدينة سيبو، وكان عمه رامون (والد رامون) عمدة أيضا قبل ابنه.
تلقى رودريغو تعليمه في ماسين ثم في دافاو حيث أكمل دراسته الثانوية. وبعدها التحق بجامعة ليسيوم الفلبين في العاصمة مانيلا وتخرّج فيها حاملاً درجة بكالوريوس في العلوم السياسية عام 1968، ثم درس الحقوق بكلية سان بيدا للحقوق أيضًا في مانيلا وتخرّج مجازًا في الحقوق عام 1972، ثم، بعدما أكمل تأهيله القانوني ودخل نقابة المحامين، عمل في عام 1972 أيضًا مستشارًا في مكتب الادعاء العام في مدينة دافاو، وتدرج في المناصب القانونية هناك حتى عام 1986.
* «الثورة الصفراء»
في أعقاب «ثورة قوة الشعب» - أو «الثورة الصفراء» الشعبية، نسبة لشعارها وهو الأشرطة الصفراء - التي أطاحت ديكتاتورية فرديناند ماركوس عام 1986، عيّن دوتيرتي نائبا لعمدة مدينة دافاو. وفي عام 1988 ترشح للانتخابات المحلية وفاز بمنصب العمدة واحتفظ بالمنصب حتى عام 1998.
بعد ذلك دخل دوتيرتي مجلس النواب عام 1998 عن الدائرة الانتخابية الأولى في مدينة دافاو، وعاد عام 2001 ليترشح لعمودية دافاو ويفوز، ثم يكرّر فوزه عامي 2004 و2007. وحقّق إبان هذه الفترة نجاحات لافتة انعكست بفوز دافاو ثلاث مرات بجائزة «أفضل حكم محلي» على مستوى البلاد. واشتهر عنه أنه كان يُباغت السكان المحليين بظهوره بينهم مترجلا من سيارة أجرة متفقدًا أحوالهم. ولكن لم تقتصر شهرته وسمعته الطيبة كمسؤول محلي على الفلبين وحدها، بل نشرت مجلة «تايم» الأميركية المرموقة صورًا له وهو يقوم بجولات ودوريات تفقدية داخل شوارع مدينته ممتطيًا إحدى دراجاته النارية المفضلة الضخمة، على رأس قوة مسلحة. في المقابل، أخذت عليه عدة أوساط، ولا سيما جماعات حقوق الإنسان والشرطة الوطنية وبعض الصحافة، ناهيك من الأمم المتحدة نفسها، اعتماده أساليب عنفية خارج حرفية القانون عبر فرق ميليشياوية تلاحق وتعاقب بالقتل الضالعين بتجارة المخدرات و«مافياتها» الإجرامية، وهذا، مع أنه بنى مراكز إيواء وإعادة تأهيل لضحايا المخدرات من المدمنين، ورغم خلفيتهم القانونية كمحام.
وعلى هذا الصعيد تشير الأرقام التي أعلنها دوتيرتي عن حملاته ضد الجريمة المنظمة وشبكات المخدرات تراجعت بدرجة كبيرة بين عامي 1985 و2000، ويدعي أن معدلات الجريمة انخفضت من مستوى بالمئات لكل 1000 نسمة عام 1985 إلى 0.8 لكل 10 آلاف نسمة في الفترة بين 1999 و2005، ولكن في المقابل، في دحض لفاعلية إجراءات دوتيرتي، تقول الشرطة الوطنية إنه في حين ازداد عدد سكان دافاو بنسبة 29 في المائة (من نحو مليون و120 ألف نسمة إلى نحو مليون و440 ألف نسمة) بين 1999 و2008، ارتفع معدل الجرائم الموثقة بنسبة 248 في المائة (من 975 جريمة إلى 3391 جريمة). كما تقول الشرطة الوطنية إن دافاو تحتل المرتبة الرابعة بين مدن البلاد على قائمة جرائم القتل، والمرتبة الثانية في قائمة جرائم الاغتصاب الجنسي. غير أن المؤشر العام للجرائم انخفض كثيرًا بين 2013 و2015 وكان العدد الأكبر من الوفيات قد سجّل خلال عمليات الشرطة.
من ناحية أخرى، يسجَّل لدوتيرتي أنه أول عمدة مدينة في الفلبين خصّص تمثيلاً رسميًا للمواطنين الأصليين من قومية اللوماد، وكذلك للمسلمين في البلديات والجهات الإقليمية، وإسناد مناصب لهم في مناطقهم للاهتمام بشؤونهم. ويقال إن دوتيرتي - الذي يتحدر من شجرة عائلية فيها مسلمون - تبنى إجراءات مكافحة التمييز ردًا على تقارير كان تلقاها عن تعرض المسلمين لتمييز ديني وعنصري ضدهم من السماسرة العقاريين. وتجدر الإشارة إلى أن معظم المسلمين في الفلبين يعيشون بجزيرة مينداناو وأرخبيل سولو وجزيرة بالاوان بجنوب البلاد وجنوب غربها. وقبل انتخابه رئيسًا، وبفضل شعبويته وانفتاحه على الأقليات، بات دوتيرتي أحد أطول عُمُد المدن حكمًا في الفلبين إذ بلغ طول مدة توليه المنصب في دافاو أكثر من 22 سنة (موزعة على سبع دورات).
* معركة الرئاسة
دوتيرتي كان قد لمّح إلى اعتزامه الترشح لرئاسة الجمهورية في الأشهر الأولى من عام 2015 غير أنه كان ينفي وجود خطط جدية بهذا الشأن، بينما كان مؤيدوه يناشدونه بإصرار خوض انتخابات 2016، وحقًا، يوم 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2015، وهو آخر مهلة لشهادات الترشيح، تقدم السياسي مارتين دينيو بترشحه للرئاسة عن حزب دوتيرتي، وأثار مناصرو الأخير فكرة أن يكون دوتيرتي مرشحًا احتياطيًا لدينيو في حال رفضت المفوضية الانتخابية ترشيحه أو قرر لاحقًا الانسحاب من الميدان. ثم يوم 26 أكتوبر أعلن دوتيرتي أن آخر موعد سيعلن فيه عن نيته الترشح أو العزوف عنه سيكون يوم 10 ديسمبر (كانون الأول)، ونبه مناصريه إلى ضرورة الالتزام بالهدوء والانضباط إذا ما فاز. وفي اليوم التالي، أعلن الحزب رسميًا ترشيح دوتيرتي كمرشح احتياطي في حال خروج دينيو أو إخراجه من الحلبة. وبعد يومين فقط سحب دينيو ترشحه وسُمّي دوتيرتي بديلاً من منطلق أن المفوضية الانتخابية قد تعتبر دينيو «مرشح مشاغبة» غير جدي. ووسط مناورات وأخذ ورد بين المرشحين.
* رئيسًا للجمهورية
فوز دوتيرتي الكبير في الانتخابات الرئاسية سلط عليه الأضواء لجملة من الأسباب المحلية والودلية، أبرزها كونه من أبناء مينداناو التي شهدت على امتداد سنوات كثيرة معارك طاحنة بين سلطات مانيلا وثوار مورو بشتى تلاوينهم الوطنية والإسلامية، وكذلك الأزمة الدولية الكبرى في الشرق الأقصى بين عدة دول منها الصين والفلبين وفيتنام حول أرخبيل سبراتلي المتنازع عليه في بحر الصين الجنوبي، ما يستحق الذكر أن للأرخبيل غير المأهولة جزره أهمية بالغة في رسم الحدود البحرية الدولية بين الدول المتنازعة عليه، وبالتالي، ثروات النفط والغاز، ناهيك من مصائد الأسماك.
إلا أن الأزمة الأخطر التي يواجهها اليوم، ولا سيما إذا قررت الولايات المتحدة، الحليف التقليدي القديم للفلبين، التصعيد مع الرئيس دوتيرتي هي سجله في موضوع التعاطي الدامي و«غير القانوني» مع شبكات المخدرات والجريمة المنظمة منذ كان عمدة في مدينة دافاو. وتجدر الإشارة إلى أنه مع إثارة المسؤولين الأميركيين وعدة جهات قانونية مسألة فتح تحقيق مستقل في تهم أمر دوتيرتي الشرطة والميليشيات الموالية له بقتل من يعتبرهم مجرمين وكذلك من خصومه السياسيين، علّق مارك تونر نائب الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية قائلا: «هذه مزاعم خطيرة ونحن نأخذها على محمل الجد، إننا نتفحصها».
وفي سياق متصل زعم معارضو دوتيرتي، أمام مجلس الشيوخ الأميركي، أن عمليات القتل التأديبي في الحملة المستمرة ضد تجار المخدرات أدت لتصفية أكثر من ثلاثة آلاف شخص خلال 72 يوما من تنصيبه رئيسًا للجمهورية. كذلك، حثت منظمة «هيومن رايتس ووتش» السلطات الفلبينية على السماح للأمم المتحدة بالتحقيق في التهم الموجهة إلى الرئيس، واعتبر براد آدامز، مدير المنظمة في آسيا، عبر في بيان أنه «يستحيل أن يتولى الرئيس دوتيرتي التحقيق مع نفسه، ولذا من الضروري أن يُطلب من الأمم المتحدة تولي هذه المهمة».
* دوتيرتي.. في سطور
- ولد رودريغو روا دوتيرتي في مدينة ماسين بالفلبين يوم 28 مارس (آذار) 1945.
- تشير شجرة عائلية إلى أصول برتغالية وإسبانية ومالاي وصينية وعربية (لجهة أمه) بجانب السكان الأصليين.
- تزوج إليزابيث زيمرمان (أميركية ألمانية الأصل) عام 1973، وطلقا عام 2000، يعيش حاليًا مع خليلة اسمها سييليتو آفانسينيا.
- أولاده: باولو وسارا وسيباستيان (من زيمرمان) وفيرونيكا (من آفانسينيا).
- محام، وسياسي، برز في الحكم المحلي عمدة، وبرلماني، قبل انتخابه رئيسًا، خلفًا للرئيس السابق بنينيو أكينو «الثالث»
- ينتمي إلى حزب الفلبين الديمقراطي - قوة الشعب.
* نائبه، نائب رئيس الجمهورية، ليني روبريدو.
- يعرف عنه شغفه الشديد بالدراجات النارية.
- ابنته سارا هي العمدة الحالية لمدينة دافاو، معقل العائلة السياسي.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».