الصحافة الروسية تهاجم سياسات ميركل وترسم صورة مخيفة للاجئين

أحزان المستشارة الألمانية بخسارتها الانتخابات في مقاطعة شمالية أفراح للإعلام الروسي

ميركل تصدرت وسائل الإعلام الروسية
ميركل تصدرت وسائل الإعلام الروسية
TT

الصحافة الروسية تهاجم سياسات ميركل وترسم صورة مخيفة للاجئين

ميركل تصدرت وسائل الإعلام الروسية
ميركل تصدرت وسائل الإعلام الروسية

كان يوم الخامس من سبتمبر (أيلول) حافلا بالأحداث التي يفترض أن توليها وسائل الإعلام الروسية أهمية كبرى وتعرضها أولا، إلا أن الأنباء حول خسارة حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الانتخابات في مقاطعة ميكلنبورغ فوربومرن أزاحت إلى المرتبة الثانية أخبارا ذات أهمية خاصة من الصين، حيث كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يجري لقاءات مع قادة مختلف دول العام، بما في ذلك محادثاته مع الرئيس الأميركي باراك أوباما. وكانت خسارة حزب ميركل الانتخابات في المقاطعة التي دخلت عبرها ذات يوم إلى البرلمان في البلاد وشقت دربها نحو قيادة ألمانيا منذ 12 عامًا، عنوانا رئيسيا في نشرات الأخبار والموضوع ذات الاهتمام الرئيسي في الصحف الروسية يومي الخامس والسادس من سبتمبر.
وفي سياق الخبر وعرض معاني ودلالات الحدث يبقى اللاجئون وسياسة ميركل نحوهم مستهدفين بقوة من جانب الإعلام الروسي، وإن كان هذا يجري بطريقة غير مباشرة، إلا أن غالبية النصوص الصحافية كانت تحمل نبرة سلبية جدا في الحديث حول سياسة المستشارة الألمانية في مجال اللاجئين، الذين يحملهم غالبية الإعلام الروسي بطريقة مباشرة وغير مباشرة مسؤولية صعود اليمين في أوروبا، ويصورهم ذلك الإعلام بأنهم مصدر تهديد إرهابي وخطر «أسلمة» ألمانيا. وكانت القناة الإخبارية الحكومية الروسية «روسيا 24» قد خصصت مساحة الخبر الأول يومها لخسارة ميركل، وقالت في نشراتها إن وسائل الإعلام الألمانية تصف تلك النتائج بأنها «تمرد ضد ميركل وذراعيها المفتوحتين»، في إشارة إلى سياستها في استقبال واحتضان اللاجئين. وتصف القناة نتائج تلك الانتخابات بأنها «انتخابات تمردية استباقية في المناطق الفيدرالية الفقيرة نسبيًا التي يترتب عليها استقبال نسبة من اللاجئين».
كما خصصت القناة حلقة كاملة من برنامج «تعليق» أشارت فيه إلى أن «ألمانيا لم تكن وحدها التي راقبت الانتخابات يوم الرابع من سبتمبر، حيث توجهت أنظار كثيرين من خارج البلاد يترقبون تلك النتائج»، ويحيل معد ومقدم ذلك البرنامج الاهتمام الواسع بالانتخابات في مقاطعة ميكلنبورغ فوربومرن كونها حسب رأيه «مؤشر مهم حول مزاجية الناخبين الألمان قبل انتخابات البوندستاغ (البرلمان أو مجلس النواب الاتحادي) عام 2017».
«وبعد استيعابهم الصدمة الأولى أخذ أتباع ميركل يبحثون لنفسهم عما يطيب خاطرهم»، وفق ما يرى برنامج «تعليق» على قناة «روسيا 24»، ويستطرد المذيع فيقول: «إن أتباع ميركل لم يجدوا سوى القول إن شيئا ما خطيرا لم يحدث بسبب الخسارة في تلك الانتخابات، وحتى لو وصل عدد أكبر من المعارضين إلى البرلمان الألماني فإن حزب ميركل، حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، مع حلفائه في الائتلاف الحكومي سيحافظ على الأغلبية التي تمنحه الحق بتشكيل الحكومة المقبلة». إلا أن إقرار القناة الروسية بهذه الحقيقة لم يعف ميركل من «التقليل من شأنها»، وذلك حين يتساءل مقدم البرنامج قائلاً إن «الخبراء يذكرون إنجازات المستشارة الألمانية خلال 12 عامًا من قيادتها البلاد، لكن هل يذكر الجمهور تلك الإنجازات حاليًا؟»، ويجيب بنفسه «بالكاد يذكرون»، لينفتح بعد ذلك على وصف ميركل بأنها «واضع سياسة الهجرة الفاشلة دون شك، وهي الإنسان الذي ما زال يكرر القدرة على النجاح في مواجهة تدفق اللاجئين، علما بأن تصديق البسطاء الألمانيين لهذا الأمر يتراجع أكثر فأكثر». أما الفقرة التالية مباشرة فيخصصها المذيع للهجمات الإرهابية، وجاعلا منها مقدمة لشن هجوم مباشر على اللاجئين والانطباعات والانفعالات التي يزعم أنها تسود في المجتمع الألماني بسببهم، ويقول بهذا الصدد: «الناس منهكون من سماع الأخبار حول الهجمات الإرهابية، الناس يخافون من أسلمة ألمانيا، يخشون الصعوبات الاجتماعية، وفقدانهم الراحة. هم غاضبون لأن الوافدين يحصلون من الحكومة الألمانية على أكثر ما يحصل عليه العامل الألماني البسيط». أما تراجع أعداد اللاجئين الوافدين إلى ألمانيا فهو ليس من إنجازات ميركل وفق ما ترى القناة الروسية بل نتيجة «الاتفاق الغريب بين الاتحاد الأوروبي وتركيا».
من جانبها نشرت صحيفة «روسيسكايا غازيتا» الحكومية الروسية مقالا للكاتب يفغيني شيستاكوف بعنوان «ميركل سمعت لا»، مرفق بصورة للاجئين يحاولون اجتياز الحدود عبر الأسلاك الشائكة، مع تعليق تقول فيه الصحيفة إن «موقف برلين، وموقف ميركل على وجه الخصوص نحو اللاجئين حفز تنامي المزاجية القومية المتطرفة في ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى». أما كاتب المقال فيرى أنه «ليس مهما ما إذا كان حزب البديل سيدخل نتيجة الانتخابات ضمن تشكيلة الحكومة المحلية، المهم أمر آخر تماما، وهو أن حزب ميركل تم إبعاده لأول مرة في المقاطعة من المرتبة الثانية تقليديًا إلى الثالثة». وكالة «ريا نوفوستي» الحكومية تنضم إلى الأصوات التي استغلت خسارة حزب ميركل في واحدة من المقاطعات كي تعمل على ترك انطباع لدى القارئ بأن اللاجئين الذين ترعاهم وترحب بهم ميركل هم سبب خسارتها وهم تهديد أمني لألمانيا. وتقول الوكالة في واحد من عدد كبير من التقارير والمقالات التحليلية التي نشرتها بمناسبة خسارة ميركل إن «تراجع شعبية حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وزيادة شعبية حزب البديل تصب في سياق نزعة عامة في البلاد ظهرت بالدرجة الأولى نتيجة سياسة الهجرة التي اعتمدها الائتلاف الحكومي في برلين».
وترى الوكالة «أن الناس حتى في تلك المقاطعة الشمالية يخشون من تدفق اللاجئين، والإرهاب وزحف الأسلمة. وهنا لعب حزب البديل بمهارة على مخاوف العامة وتمكن من حصد أصوات الناخبين».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.