مقتل «منجنيق داعش» و«أمير» الشام

أقوى ضربة تلقاها التنظيم المتطرف

أبو محمد العدناني ({الشرق الأوسط})
أبو محمد العدناني ({الشرق الأوسط})
TT

مقتل «منجنيق داعش» و«أمير» الشام

أبو محمد العدناني ({الشرق الأوسط})
أبو محمد العدناني ({الشرق الأوسط})

تأكدت يوم 30 أغسطس (آب) 2016 أخبار مقتل «أبو محمد العدناني»، الناطق الرسمي باسم تنظيم داعش المتطرف، وأقرت به أبرز وسائل إعلام «داعش» وكالة «أعماق» ووكالة «حق». ولعل هذه الضربة الأقوى على ما يبدو للتنظيم الإرهابي المتطرف، منذ بدء ضربات التحالف الدولي ضد في 30 سبتمبر (أيلول) 2014. فـ«العدناني» ليس فقط صوت التنظيم، بل لعله أهم أركانه ولوحة الإشارات الأهم لتوجهاته وتوجيهات عناصره. وحين ظهر «أبو محمد العدناني» خلال شهر رمضان الماضي، الموافق 21 مايو (أيار) الماضي، كانت رسالته التوجيهية واضحة بتنفيذ هجمات ضد الدول الأوروبية والولايات المتحدة، حين قال «اجعلوا هذا الشهر شهر المصائب على الكفار، في كل مكان. والدعوة موجهة خصوصًا لأنصار الخلافة (المزعومة) في أوروبا وأميركا»، أخذت العمليات و«الذئاب المنفردة» تنشط بكل ما لديها من إمكانات في مختلف الدول الأوروبية، دهسًا وتفجيرًا وطعنًا ومحاولات قتل فاشلة في كل اتجاه.
وصف تركي بن مبارك البنعلي، أكبر منظّري «داعش» سابقًا: «أبو محمد العدناني» في كتيب له صدر عام 2014 - ردا على راديكالي مصري مقيم في العاصمة البريطانية لندن أساء إليه بعد إعلانه الخلافة المزعومة، ونعته أنه «مجهول وخليفته مجهول» – بأن «العدناني» هو «منجنيق الدولة»، وترجم له ترجمة وافية عرفت بمراحله الحركية وشيوخه وتوجهاته، وإن لم يتعرض لكامل نشاطه وتاريخه الإعلامي، ومنها أنه ارتبط بالحركات الراديكالية عبر «أبو مصعب الزرقاوي»، تحديدًا، أثناء استقرار الأخير في سوريا لبعض الوقت قبل دخوله إلى العراق.
في الحقيقة، ربما كان هذا الرجل الأخطر في «داعش»، بل نراه أخطر من «أبو بكر البغدادي» نفسه، ولعله صانعه وهالته، وهو مَن أقنعه بأن يعلن خلافته.
وكان يظهر في أوقات تحمل في مخاضاتها أحداثًا كبرى، ظهر بعد فض اعتصام الأنبار بالقوة عام 2013 بيوم واحد، مبشرا بعودة «القاعدة» في العراق، وداعيا أهل العراق لاستيعاب الدرس من الميليشيات المرتبطة بنوري المالكي والحكومة العراقية حينئذ، وهو من كان يتكلم ويروج منذ عام 2012 في رسائله وبياناته أن «خلافة» «داعش» قادمة وأن «الخليفة» المزعوم سيعلن قريبا.
* المعلومات المتوافرة
لم يأت في ترجمة البنعلي - الذي أقيل من منصبه في يونيو (حزيران) الماضي - أن الاسم الكامل لـ«أبو محمد العدناني» هو طه صبحي فلاحة. ولقد ولد في شمال غربي سوريا عام 1977 في بلدة بنش بريف محافظة إدلب. وذاعت شهرته بصفته ناطقا باسم «داعش» منذ بدء الخلاف مع قيادات «القاعدة» في أبريل (نيسان) ومايو 2014، خصوصا في إعلان الانفصام من بيعة «القاعدة» في الشرط المشهور الذي انتقد فيه أيمن الظواهري «عذرًا أمير القاعدة» في 12 مايو 2014، ثم في إعلانه «الخلافة» المزعومة لـ«أبو بكر البغدادي» في 29 يونيو 2014، وهو الإعلان الذي بُث بخمس لغات. وبعدها توالى ظهوره بصفته وجها رئيسيا في الجدل مع «القاعدة» بتسجيله، لكنه اختفى منذ بدايات عام 2015 بشكل كبير، ربما بسبب استهداف قيادات التنظيم من ضربات التحالف التي انطلقت في أغسطس من العام نفسه!
كان «العدناني» يستخدم أثناء وجوده في العراق هوية مزورة باسم «حسين خلف نزال الراوي». ويعرف عنه أنه استقر في الأردن لبعض الوقت في مدينة الزرقاء على مقربة من جماعة التيار المتشدد الذي كان يقوده «أبو محمد المقدسي».
وربما جاء تجاهل هذا اللقاء المبكر نظرا للفصال المتأخر بين «داعش» من جهة وبين هذه الجماعة و«القاعدة»؛ إذ تنكر «الزرقاوي»، وبعده البنعلي، لشيخه السابق، كما تنكر «داعش» لـ«القاعدة»! وهوجم هاني السباعي، الذي قدم كتابًا لتركي البنعلي عام 2012 عام 2014، أي بعد ذلك بعامين فقط.
غير أن البنعلي يشير في ترجمته إلى أنه تم تجنيد «العدناني» من قبل «الزرقاوي» في سوريا بعد فرار الأخير من أفغانستان، وقبل دخوله العراق. وأن التوجه كان القيام بعمليات داخل سوريا في البداية، ولكن النظام السوري أحبط حينذاك هذه المخططات، وجرى اعتقال الشاب «العدناني» مرتين كما تذكر رسالته «منجنيق الدولة».
* الحضور الإعلامي
بالنسبة لتطور الحضور الإعلامي لـ«العدناني» وخطورته، نذكر ما يلي:
1 - بدأ بروزه إعلاميا منذ أواخر 2011، وكان اهتمامه عراقيًا في هذه الفترة؛ إذ لم تدخل «القاعدة في العراق» على الثورة والساحة السورية إلا أواخر هذا العام، وحتى أبريل من العام التالي. وصدرت له رسالة صوتية منشورة في فبراير (شباط) 2012 بعنوان «العراق العراق يا أهل السنة» يستنفر فيها التطرف السنّي ضد التطرف الشيعي الذي حدد بعض ملامحه حينها.
2 - كان حضوره الأبرز وتأثيره الأهم إعلاميا بعد فض الاعتصام السلمي في الأنبار يوم 30 يناير (كانون الثاني) 2013، ولقد أثار العشائر، حيث أحسن وتنظيمه الاستثمار في المظلومية السنّية هناك. وبعدها بيوم واحد (31 يناير) كان أول ظهور لما بات يُعرف بـ«أبو محمد العدناني» وظهر بصفته ناطقا باسم «القاعدة في العراق» حينئذ - و«داعش» فيما بعد - داعيا السنة إلى الانتفاض بالسلاح في وجه التمييز الطائفي لرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي ضدهم، وللالتفاف حول «القاعدة» من جديد كونه حلا وحيدا لهم.
3 - في مرحلة عودة «القاعدة في العراق» قال «العدناني» في خطبة له بعنوان «الاقتحامات أنجع» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 «ولقد أعلنتها دولة العراق الإسلامية عالية مدوية: لا تفاوض، لا مساومة، لا مداهنة، ثباتٌ لا تراجع، حربٌ لا هوادة فيها، ويقول عن تقدم تنظيم الدولة في العراق، فالآن نغزوهم ولا يغزوننا» (1)
4 - في المفاصلة مع «القاعدة» والظواهري، تتضح شدة «العدناني» في خطابه في 12 مارس (آذار) 2014، الذي انتقد فيه الظواهري وخلع بيعته وبيعة تنظيمه من قيادته «عذرًا أمير القاعدة»، حيث عايره بالتبعية والتصالح مع إيران، موظفًا سياق الثورة السورية والدور الإيراني فيها، وأنه كان يمنعهم من استهدافها.
وفي 29 يونيو 2014 كان إعلان «أبو محمد العدناني» الخلافة المزعومة لـ«أبو بكر البغدادي» بعدما تلا نسبه، ثم ألزم مختلف الحركات الراديكالية ببيعته! وإلا قطف الرؤوس...!
* شيوخ العدناني وتعليمه
كما هو شأن كثير من زعماء «القاعدة» و«داعش» الذين لم يتلقوا تعليمًا شرعيًا نظاميًا، كان هناك مقتطفات يدخل فيها الجواني والتأويلي مع العلمي والشرعي المضبوط. ويقول البنعلي عن تعليم «العدناني» أنه «بدأ بكتب التفسير، وكان أحبها إليه (تفسير ابن كثير) الذي قرأه مرارًا، ثم (في ظلال القرآن) حتى همّ بكتابة (في ظلال الظلال)، وكتب الحديث وأهمها لديه (الصحيحان)؛ إذ إنه كان يراوح بينهما، وكتب الفقه عامة. ولقد شُغف بكتب الإمام الشوكاني - رحمه الله - وعلى رأسها (نيل الأوطار)، وعني بـ«فقه الجهاد» فقرأ –على سبيل المثال – (مشارع الأشواق) أكثر من ثلاث مرات، وكتب السيرة والتاريخ التي أولاها اهتمامًا بالغًا»، ثم يضيف البنعلي - من باب المبالغة - أنه قرأ كتاب «البداية والنهاية» ست مرات!
ومن المبالغات والتناقضات كذلك، ما يذكره البنعلي أنه قرأ جل كتب الأدب كـ«البيان والتبيين» و«العقد الفريد» وغيرهما، وقرأ دواوين العرب كالمعلقات وشروحها، وحفظ الكثير من أشعارهم، وتابع البنعلي «أظنه مستظهرًا لديوان المتنبي، وقد قال عن المتنبي (ما أراه إلا أشعر العرب في الجاهلية والإسلام!)، وفي النحو درس (الأجرومية) ثم (قطر الندى)، ثم (ألفية ابن مالك)، وأما كتب المعاجم فقد طالع (لسان العرب) لابن منظور وغيره». وطالع «لسان العرب» كاملا! أي مبالغة هذه؟! وكيف قرأ «البيان والتبيين» للجاحظ المعتزلي؟ وكيف رأى متحدث الداعشية في القرن الحادي والعشرين المتنبي وعصره ودولة بني حمدان التي والاها وهي شيعية المذهب، والخلافة الضعيفة في أيامه...!
إنها المبالغة وعواصف الكلام غير المضبوط في وجه «القاعدة» التي خالفت «داعش»، والتي كان ينتمي إليها البنعلي نفسه سابقا!
على صعيد آخر، لا يذكر البنعلي أي شيوخ لـ«العدناني» في سوريا؛ نظرًا لضغط النظام، لكنه يذكر تلقيه على الحركي الراحل «أبو أنس الشامي» مساعد «الزرقاوي». ويذكر البنعلي بيتي شعر أو نظم لـ«العدناني» في رثائه. ويقول: إن من شيوخه أيضًا «أبو ميسرة الغريب» - قتل في غارة أميركية عام 2007 - الذي التقاه في العراق، وكذلك أمير «داعش» الحالي «أبو بكر البغدادي» الذي يذكر المترجم أنه أتم حفظ القرآن عليه، رغم أنه سبق وقال: إنه أتمه من قبل (!) وتعلم التجويد (!) ثم تفرغ للقراءات العامة..
وعن المؤلفات، يذكر البنعلي أنها كثيرة لكنها فقدت منه في السجن، بجانب منظومات يعني ألا يبحث أحد عنها.
* مواقع «العدناني» التنظيمية
ذكر تركي البنعلي عن التطور التنظيمي لـ«العدناني» ما يلي: دخل العمل التنظيمي منذ بداية الألفين ميلادية، مبايعًا «أبو مصعب الزرقاوي» في سوريا مع خمسة وثلاثين شخصًا، وانطلقوا بالإعداد لبدء قتال ما وصفه بـ«النظام النصيري» آنذاك، قبل دخول الأميركان العراق، فلما حصل الاحتلال الأميركي للعراق، شد رحاله إليها، فتلقاه الشيخ «أبو محمد اللبناني» الراحل. ثم يضيف البنعلي في ترجمة القيادي القتيل أن من أهم المناصب التي شغلها:
1 - مدرب في معسكر حديثة أيام «التوحيد والجهاد».
2 - أمير حديثة بتنصيب «أبو مصعب الزرقاوي».
3 - مدرب في معسكر الجزيرة.
4 - شرعي القاطع الغربي في الأنبار.
5 - الناطق الرسمي باسم «دولة العراق الإسلامية».
6 - الناطق الرسمي باسم «داعش».
7 - الناطق الرسمي باسم خلافة «داعش» المزعومة.
ويذكر البنعلي أن العدناني اعتقل عند الأمن السوري ثلاث مرات، وعند الأميركان في العراق مرتين، سجن في إحداها ست سنوات، واقترب في السجن من دائرة «الزرقاويين» الذين شكلوا معه مساره فيما بعد.
ولكن أهم ما يذكره البنعلي عن «العدناني» في ترجمته أمران، نحددهما فيما يلي:
أولاً، قربه من «الزرقاوي»؛ فهو كان محل ثقة «الزرقاوي» بشكل بعيد، حتى أن الأخير كان يقول له: «أطلعني ولا تشاورني».
ثانيًا، قدرته على التجنيد؛ إذ جنّد «أبو عمر البغدادي»، ويذكر البنعلي أن «أبو محمد العدناني» كان أول من أطلقت العمليات القتالية في حديثة بغرب العراق ومعه ثلاثة عشر شخصًا، إلى أن استقلت حديثة على أيديهم. وفيها كان تحت إمرته «أبو عمر البغدادي» زعيم «القاعدة في العراق» السابق (قتل مع نوابه عام 2010)، وأن «العدناني» قرّبه منه، وكان يستشيره ويتوقع أن يكون له شأن. كذلك يذكر البنعلي شيئا يكشف قدرته العسكرية وعناده، وأنه كان «آخر من انسحب من مدينة الفلوجة في معركة الفلوجة الثانية، مع الشيخ «أبو حمزة المهاجر» و«أبو الغادية» و«أبو الربيع» و«أبو جعفر المقدسي» و«أبو عاصم الأردني». وكانت تربطه علاقة خاصة بـ«أبو حمزة المهاجر» و«أبو عمر البغدادي» الذي قضى معه، وكانا يقيمان معًا المباريات الشعرية في ساحات الحرب.
ختامًا، لا شك أن استراتيجية المطرقة الصلبة في تصفية قيادات «داعش» تؤتي ثمارها في دفع هذا التنظيم الأعنف عالميًا وتاريخيًا للتراجع، وفقدان أسسه وأركانه الرئيس. ومن قتل أمس لعله الأهم بين هذه القيادات، و«الزرقاوي» الحالي المدير لعقل التنظيم ووسائط اتصال عناصره.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».