جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

وجدتها....

هل فكرتكم مرة بأهمية الفكرة؟ فحتى التفكير هو وليد فكرة وهذه الأخيرة هي أساس كل عمل واختراع وكتابة ومغامرة...
إلا أن العلماء والمفكرين يعجزون في الكثير من الأحيان عن الإبداع بسبب شح الأفكار، ولكن عندما توجد الفكرة المبنية على رؤية وتتحول إلى مشروع إبداع فقد يغير ذلك مسار العالم وحياة البشر.
دعوني أفسر لكم الفكرة بعيدًا عن الفلسفة والتعقيد؛ فأرخميدس الذي يعتبر أحد أعظم العلماء في العصور الخوالي وأحد مفكري العصر القديم، عندما صاح بأعلى صوته مهرولاً في الطريق: «وجدتها وجدتها»، أو كما قالها حرفيًا باللغة الإغريقية القديمة «أوريكا أوريكا»، فإنه أراد أن يفصح عن فكرة جاءته فجأة لتتحول بعدها إلى وسيلة نقل غيرت حياة البشر.
ما دعاني إلى كتابة هذا المقال عن أهمية الفكرة هو أنها فعلاً صعبة المنال، قد يستهين بها كثيرون ولكنهم يفتقدونها عندما يعون أن عقولهم جفت وأريحتهم نضبت ورؤيتهم أصبحت مرئية مسبقًا وينطبق عليها مقولة الـ«Deja Vu»، ففي الحقيقة قد تكون الفكرة هي الأساس في حياة كل إنسان.
حتى الكتابة فهي مبنية على فكرة، فإذا لم توجد الفكرة لا يخلق موضوع، والسفر مبني على فكرة، المستقبل هو أيضًا أساسه فكرة، ولكن ليس من الضروري أن تكون الفكرة ناجحة ولكن من المهم أن توجد.
أحترم وأقدر الكتّاب المحظوظين الذين يبدعون في إيجاد فكرة مختلفة يوميًا، وبرأيي هذا الأمر من أصعب ما يمكن أن ينفذه الكاتب، خاصة عندما تكون الفكرة نابعة عن واقع وتهم القارئ.
هناك عدة أشياء في الحياة تمر أمامنا دون أن نعيرها أي اهتمام وعلى رأسها أهمية الفكرة وتقدير أصحابها، فالأفكار البناءة لا تخلق من فراغ، فهي تأتي من تواصل واتصال بالآخرين، ففي غالب الأحيان تولد أهم الإنجازات من رحم حوار بسيط وملاحظات أمور بسيطة من حولنا قد تغير مجرى الزمن تمامًا مثلما حصل مع الأخ أرخميدس الذي اكتشف نظام الطفو على الماء وهو جالس في المغطس يحاول فك لغز التاج الذي أعطاه إياه الملك سيراكوس للتأكد من أنه مصنوع من الذهب وليس من النحاس، وبمجرد أن وضع التاج في الماء لاحظ ارتفاع منسوب هذا الأخير، وخف وزن جسمه من أسفل إلى أعلى، وفي تلك اللحظة ولدت الفكرة التي غيرت مفهوم السفر.
الخلاصة من عبرة أخينا أرخميدس أنه ليس من الضروري أن تكون عالما أو فيلسوفًا لكي تبدع.. يكفي أن تفكر لكي تخلق فكرة تتحول لاحقًا إلى مشروع مهما قل شأنه قد يغير حياتك وحياة من حولك.
في كل مرة أقرأ لكتّاب مرموقين مقالات شبه يومية في صحيفتنا العزيزة أو غيرها من الصحف أكن لهم الاحترام أكثر، لأن إبداعهم الفكري الذي يتمحور حول فكرة لا يعرف التثاؤب، ومن هؤلاء الكتاب نتعلم ونستفيد وندرك أن الفكرة موجودة في حال أعرنا ما من حولنا ومن هم في محيطنا الاهتمام والإصغاء، فمن المقالات الجميلة للمبدع الأستاذ سمير عطا الله حواره مع المغنية اللبنانية هيفاء وهبي، وكم كان هذا المقال ممتعًا لأنه يثبت أن الفكرة تولد من أي شيء ولو من حوار مع الحسناء هيفاء التي غالبًا ما تشتت الأفكار بدلاً من المساهمة في تجميعها.
في النهاية لا يسعني إلا أن أقول: «اللهم ارزقنا بالأفكار الجميلة حتى نهرول ونصيح: وجدتها وجدتها».