يمهد مقتل المتحدث باسم تنظيم داعش أبو محمد العدناني أمس، لتقويض نفوذ التنظيم في سوريا، بالنظر إلى أن القيادي البارز هو السوري الوحيد القريب من زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي وبالتالي، يعتبر صلة الوصل بين القيادة المركزية والمقاتلين السوريين.
وتناوبت روسيا والولايات المتحدة الأميركية على الإعلان عن أن سلاح الجو التابع لكل منهما، قتل العدناني، وذلك إثر إعلان «داعش» مقتل العدناني في محافظة حلب، فيما كان «يتفقد العمليات العسكرية» لكنه لم يوضح تاريخ وظروف مقتله. وقال في بيان، مساء الثلاثاء، إن اسمه الحقيقي هو طه صبحي فلاحة، ويتحدر من محافظة إدلب (شمال غرب).
وأعلن البنتاغون بعد ذلك أن التحالف الدولي ضد «داعش» بقيادة الولايات المتحدة وجه ضربة جوية قرب مدينة الباب بشمال شرقي حلب، مستهدفا أبو محمد العدناني، لكنه أوضح أن نتيجة هذه الضربة لا يزال يجري تقييمها. في المقابل، أعلنت روسيا أنها نفذت الضربة الجوية التي أدت إلى مقتل أبو محمد العدناني. وقالت وزارة الدفاع الروسية إن هذا القيادي المتطرف كان ضمن مجموعة من نحو أربعين مقاتلا من تنظيم داعش قتلوا الثلاثاء جراء ضربة قامت بها طائرة حربية روسية من طراز «سو - 34» قرب قرية معراتة أم حوش، في منطقة حلب بشمال سوريا. وتابعت الوزارة في بيان: «كان بين الإرهابيين الذين تمت تصفيتهم بحسب معلومات أكدتها قنوات مختلفة، القيادي الحربي أبو محمد العدناني المعروف أكثر بأنه المتحدث باسم تنظيم داعش الإرهابي».
ورد متحدث باسم البيت الأبيض أمس على المزاعم الروسية بأن إدارة الرئيس باراك أوباما لا علم لها بأي حقائق تفيد بأن روسيا ضالعة في قتل أبو محمد العدناني. وقال مسؤول بوزارة الدفاع الأميركية في وقت سابق إن الزعم الروسي «مزحة».
ويظهر مقتل العدناني نجاحا جديدا في اختراق بنية التنظيم، بينما يعتبر ذلك ضربة جديدة موجعة للتنظيم. وإضافة إلى كونه مقربا من القيادة، والناطق باسم التنظيم، وأعلن في يونيو (حزيران) 2014 تأسيس «الخلافة الإسلامية» المزعومة في سوريا والعراق، فهو يتمتع برمزية هامة، بالنظر إلى أنه يعتبر أحد أهم مهندسي هجمات الإرهابيين في الغرب، وبرز من خلال تكرار دعوته المسلمين إلى تنفيذ هجمات في الدول الأعضاء في التحالف الدولي بقيادة أميركية والذي يشن منذ سبتمبر (أيلول) 2014 ضربات جوية ضد التنظيم في سوريا والعراق.
غير أن انعكاسات الضربة الأهم، تتمثل في تداعياتها على نشاط التنظيم في سوريا. وقال المعارض السوري الباحث في شؤون التنظيمات المتشددة عبد الرحمن الحاج لـ«الشرق الأوسط»، إن العدناني على الرغم من أن دوره محدود على مستوى القيادة العسكرية، فإنه «القيادي الوحيد من أصل سوري على مستوى القيادة، وبالتالي، فإن مقتله سيفقد صلة القيادة بالمقاتلين السوريين». وأوضح أن رمزية العدناني «متصلة بجنسيته السورية، وبأنه كان منشقًا عن تنظيم (القاعدة)».
وقال الحاج إن استهدافه «يمثل جزءًا من عملية ملاحقة واسعة لقيادات التنظيم ووصلت إليه»، وأنه «مؤشر على أن التحالف الدولي، أو الجهاز المكلف تتبع التنظيم فيه، قادر على الوصول إلى قياداته»، مضيفًا: «إذا كان مقتل أبو عمر الشيشاني قبل فترة انعكس على أداء التنظيم العسكري في سوريا والعراق، فإن مقتل العدناني ستكون له نتائج على المستوى النفسي للمقاتلين السوريين، وسيشكل ضربة نفسية للتنظيم في المناطق السورية».
وفي يوليو (تموز) الماضي، أعلن «داعش» مقتل أحد أهم قيادييه العسكريين، عمر الشيشاني، في العراق. وفي مارس (آذار) أعلنت واشنطن بدورها مقتل عبد الرحمن القادولي المكنى بحجي إمام، وكان يعد الرجل الثاني في التنظيم.
وأعرب الحاج عن اعتقاده أنه بعد استهداف قيادات التنظيم «تواصلت انسحابات التنظيم من منطقة غرب الفرات، وهو ما يحمل مؤشرات على أن (داعش) بات أكثر ضعفًا، ويتبع تكتيكات عسكرية للاحتفاظ بمناطق سيطرته»، مضيفًا أن «تعرضه لضربات متلاحقة، سيفعل انسحابات التنظيم نحو وسط وشرق سوريا للحفاظ على موارده المالية التي يحتاجها لتغطية حاجات مقاتليه».
غير أن مقتله في مدينة الباب، يرسم ملامح المعركة المقبلة ضد التنظيم بريف حلب الشرقي غرب نهر الفرات، بالنظر إلى دور العدناني في تلك المدينة قبل مقتله، بعد انحسار نفوذ التنظيم بريف حلب إلى هذه المدينة التي باتت معقلاً له، ووجهة أساسية لمقاتليه الهاربين من جرابلس ومنبج والراعي، وخصوصًا المقاتلين الأجانب المعروفين باسم «المهاجرين» الذين كان العدناني على اتصال بهم، ومحرضًا على تنفيذ عمليات في دول غربية، منذ عام 2014، حتى بات معروفًا بالنسبة لأجهزة الاستخبارات الغربية باسم «وزير الاعتداءات» بوصفه مسؤولا عن تحفيز المتطرفين المعزولين والإشراف على الهجمات في الغرب.
وقال الباحث الكردي والقيادي السابق في كوباني إدريس نعسان، إن مدينة الباب (30 كيلومترًا شرق حلب)، باتت «ملجأ عناصره الأجانب، وسجن المعتقلين لديه، وقاعدة الاتصال بين القيادات في سوريا، والمقاتلين والمناصرين في الخارج، فضلاً عن كونها باتت مركز التخطيط للعمليات الخارجية».
وقال نعسان لـ«الشرق الأوسط»: «بعد تحرير منبج وجرابلس من التنظيم، انتقلت قياداته ومقاتلوه المهاجرون إلى الباب، التي تعد قاعدة استراتيجية، كانت آمنة طوال فترة عامين، وتحولت إلى مركز اعتقال للرهائن»، لافتًا إلى أن «140 معتقلاً تمكنوا من الفرار منها قبل ثلاثة أيام، أكدوا أنها تتضمن كبرى معتقلات التنظيم».
وأشار نعسان إلى أن التنظيم «يعتبرها آمنة، بالنظر إلى أنها كانت متاخمة لمناطق سيطرة النظام غير القادر على دخولها»، لافتًا إلى أنها «تشبه مدينة منبج التي اكتشفنا بعد تحريرها، أن التنظيم كان قد اتخذها أهم معقل له، وحصنها بالأنفاق، وأبقاها بعيدة عن الأضواء بهدف تأمينها، خلافًا لعاصمته الرقة التي استرعت كل الاهتمام بالنظر إلى رمزيتها». وأشار إلى أن المعلومات «تؤكد أن الباب كانت مركز التخطيط للعمليات الخارجية، ونقطة استقطاب المقاتلين المهاجرين».
لكن هذه التقديرات يخالفها عبد الرحمن الحاج، إذ اعتبر أن بعض المعلومات «لها أغراض سياسية وإعلامية»، وقال إن الباب «لم تكن المقر الوحيد للتنظيم»، لافتًا إلى أن «داعش» يحاول «إمساكه بتكتيكات جديدة واستحداث مواقع محصنة خشية من تراجع قدراته العسكرية ووجوده».
وقال إن المناطق الاستراتيجية بالنسبة لـ«داعش» «هي وسط وشرق سوريا الغنية بالنفط، لكن منطقة جنوب الفرات، وبينها الباب، هي حيوية بالنسبة للتنظيم، ويحاول أن يحافظ عليها؛ لأن تراجعه فيها سيؤدي إلى تراجعه في شرق سوريا، ويتحول القتال إلى مناطقه الاستراتيجية». وأشار إلى أن وجود العدناني في الباب «يدل على أن التنظيم قلق من فقدان وجوده غرب الفرات، قبيل وصول المعركة إلى الباب، آخر معاقله فيها، وسط سباق بين الجيش السوري الحر وقوات سوريا الديمقراطية على الوصول إليها».
وبحسب الخبير في شؤون الحركات الإرهابية في سوريا والعراق، هشام الهاشمي، فإن العدناني «غالبا ما كان يتنقل بين مدينتي البوكمال ودير الزور (شرق) لكن يبدو أن معركة حلب وأهميتها احتاجت أن يشرف بنفسه عليها».
تنافس أميركي ـ روسي على تبني استهداف العدناني
مقتله يمهد لتقويض نفوذ «داعش» في سوريا
تنافس أميركي ـ روسي على تبني استهداف العدناني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة