نحو فهم أدق لظاهرة التطرّف العنيف

أنماط مختلفة لعمليات الإرهاب عربيًا ودوليًا

نحو فهم أدق لظاهرة التطرّف العنيف
TT

نحو فهم أدق لظاهرة التطرّف العنيف

نحو فهم أدق لظاهرة التطرّف العنيف

يحسم البعض، من المراقبين ووسائل الإعلام، قولاً واحدًا، مساويا بين استراتيجيات الجماعات الإرهابية من بلد لآخر، ومن سياق إلى سياق مختلف، حتى وإن ترابطت، فروعا لـ«داعش» أو أصولا، أو خلايا عشوائية من الذئاب المنفردة، تنتمي لتنظيم أم أو لا ترتبط. فالإرهاب شأن أي ظاهرة يتبيأ في بيئتها، ويتكيف مع سياقاته، ومن الضروري عدم الانسياق وراء آلته الدعائية في التهويل من حضوره، باعتباره واحدا وخطرا مستمرا لا يعرف التراجع أو الهزيمة، كما هو دائما في سائر خطاباته ونداءاته الحركية ظاهرة واحدة متجمعة تتبع رجلا واحدا وأميرا واحدا، وما يراه آخروها منها دائما هو خطر متصاعد لا يعرف الإقرار بأزمته أو هزيمته يوما.
من الأخطاء الشائعة في تناول ظاهرة التطرف العنيف عربيا - ودوليا - نقص الوعي باختلافها، فكرا وتنظيمات وممارسة، وإدارة هذه الاختلافات. وكذلك الانسياق اللاشعوري وراء نص قاموس الإرهاب نفسه، الذي يعمم تعبير «عملية» وأحيانا غزوة، على كل عمل - صغر أو كبر - قام به، والاستجابة لإيحائه بالصمود والتقدم والانتصارية التي يطمئن بها أبناءه قبل أن يخيف بها أعداءه.
لكن من أعظم الخطر تداولا ما يقوم به بعض الكتاب والصحافيين من افتراض الاتصال العميق بين جماعات الإرهاب المعاصر وبين تراث ديني، من البخاري لابن تيمية إلى غيرهم، رغم أنه لم يكن إرهابيا أو عدميا أو خارجيا قبل مئات السنين، فيسلم الإرهاب شرعيته دون أن يدري، ويصدم سند المعتدلين ليس غير خبط عشواء.
ندرك أن ثمة مشكلا كبيرا في تناول كثير من الظواهر العميقة عربيا الآن، في ظل مناخ استقطابي حاد، وسيولة من الصراعات والمعارك والفوضى المنظمة وغير المنظمة، وغلبة للخبر على الفكرة، وللعنوان على التحليل، وتخمة من التحيز الآيديولوجي والسياسي ما أكثر نماذجه. ويكفي أن نشير لوصف قناة إعلامية عربية تلفزيونية إرهابيًا مصريًا بـ«المقاتل» وليس الإرهابي في موقعها الرسمي، أو ما أصدره مركز أميركي في يونيو (حزيران) الماضي حول «الإرهاب في سيناء المصرية» يحسم فيه قولا واحدا بأن عمليات الإرهاب تضاعفت خلال العام 2016. الذي لم ينته بعد، وأن الأداء الأمني المصري غير مجد في هذا الاتجاه. وفضلا عن مشاكل الحصر الذي استخدمه هذا التقرير المشار إليه، وهو يخالف بشكل صريح الإحصاءات والبيانات الرسمية وغير الرسمية في مصر والمنطقة - بل وبيانات تنظيمات التطرف في سيناء التي تعلن بها مسؤوليتها عن عملياتها، لاحظنا تجاهل مؤشرات التراجع الواضحة في انحسار العمليات الكبرى، التي كان آخرها في يونيو 2015 اغتيال المستشار هشام بركات النائب العام المصري الراحل، أو عملية 17 يوليو (تموز) 2015 التي اتضح فيها التوجه الداعشي في تنفيذ تفجيرات متزامنة على عدد من النقاط الأمنية الصلبة. ولأول وهلة ظن التنظيم انتصاره وتحققه ورفع أعلامه، لكن انكشافه لقوات الأمن التي توقعت ذلك، أتاح لها ضربات قاصمة لعناصره لم يقم بعدها.

خطأ أم توظيف سياسي؟
من هنا نرى أن مساواة البعض، من باب الخطأ أو التوظيف السياسي المقصود لطرف ضد طرف آخر، بين محاولة إرهابية فاشلة وعملية كبيرة لها رمزيتها ودلالتها القوية، فلا يمكن أن تستوي تفجيرات باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بمحاولة فاشلة لقتل رجل في الشارع بسكين من قبل متطرف موتور، هنا أو هناك. وكذلك لا تصح المساواة بين عمليات استهدفت أهدافا صلبة لها دلالتها وأهميتها، كتلك التي استهدفت الحدود الأردنية السورية في أواخر يونيو الماضي أو تفجير الضبعة في الأسبوع الأول من الشهر نفسه الذي استهدف مؤسسة أمنية مهمة، وراح ضحية كلتيهما عدد من عناصر الأمن وخبراته، وبين عمليات صغيرة تستهدف أهدافا رخوة. والسبب أن الأهداف الرخوة تكشف أزمات وضعف التنظيم المتطرف وخلاياه وعناصره، وميله العدمي، خاصة إذا كانت دور عبادة ومصلين، كما شاهدنا في المملكة العربية السعودية في تفجيري مسجد القديح والعنود في مايو (أيار) من العام الماضي 2015 أو في تفجيرات المدينة المنورة ثاني الحرمين الشريفين، وهي عمليات كبيرة لا يمكن مساواتها مثلا بالمحاولة الفاشلة لتفجير سيارة في 15 يوليو 2015 قرب قسم شرطة في الرياض.

استراتيجيات بسياقات مختلفة
الحقيقة أن التطرف وعي تخلف تنتمي له الكثير من التنظيمات وتتشابك في غاياته وأهدافه الكلية والجزئية أحيانا، وتجمعها في العموم صفة «رفض الآخرية» أو تكفير الآخر واستحلاله. لكن كل شكل من أشكاله وممثليه يعمل في سياقاته الخاصة وحالاته الخاصة، وفق الممكن والمتاح وليس انقلابا على قوانين التاريخ والطبيعة التي لا تنقلب.
ثمة المئات غيره من جماعات ومجموعات التطرف المنسوبة للإسلام تعمل في المنطقة، وليس «داعش» واحدها، بل ضمن مختلف طوائفه. وليس السنّي فقط كما يفهم بعض الباحثين الغربيين. وكل منها يختلف فعلها في بؤر الصراع كسوريا والعراق واليمن عن فعلها في دول مستقرة وقوية كما تختلف عن ممارساتها ضد دول بعيدة تبتغي فقط إرهابها والضغط عليها.
بشكل عام، رغم أن التطرف نسق وعقل كلي فإنه لن تصح مجابهته إلا من خلال التفاصيل والمتابعة الملتحمة بفعاليات الظاهرة وتنظيماتها. فمن المهم إدراك تطوراته وتراجعاته، وخطابه النظري والتأسيسي، ونشاطه أو غيابه. فليس أدل على أزمة تنظيم مثل «داعش» في سيناء من عجزه النظري عن إصدار كتيّب واحد أو رسالة واحدة للمنسوبين إليه في تكفير نظام يحرص على تكفيره، أو في تبرير ممارسة أو حضور حتى الآن، ما يعكس أزمة الرمز الكبيرة التي يعاني منها.
ظهور الرموز واختفاؤها؟

أيضًا، من المهم إدراك الظهور والاختفاء لقادة ورموز ومنظري هذه التنظيمات، ونذكر على سبيل المثال تركي بن مبارك البنعلي، أكبر «شرعيي داعش»، الذي جرى فصله في يونيو الماضي من منصبه، وكيف تراجع إنتاجه وتفاعله النشط من أكتوبر (تشرين الأول) 2015. وهو مَن كان يدوي نشاطا وتبشيرا بـ«دولة البغدادي» المزعومة، وكان أول من كتب عنها وبرر لها في رسالته «مد الأيادي لبيعة البغدادي». ولقد خلفه حاليًا «أبو عمر القحطاني». بل إن هذه المنطقة من أهم النقاط التي تستحق اهتماما إعلاميا عربيا كبيرا، حتى يعرف المتعاطفون ممن لا يعرفون. ومن الغريب مثلا أن أهم منشورات «داعش» المعروفة في المغرب العربي رسالة «أبو عمر الكويتي» المعنونة بـ«ميراث الأنبياء» رغم أن «داعش» أعدم «أبو عمر الكويتي» فيما بعد عام 2013.
أضف إلى ما سبق، أن الدول والحكومات الداعمة للحرب على «داعش»، تكون هدفا فقط للعمليات الخاطفة عبر استراتيجية «الذئاب المنفردة» الانتحارية. وهي تقع ضمن نمط الاستنزاف والنمط الدعائي وهو ما مثل السبب الرئيسي الذي ألجأ «داعش» لاستهداف عدد من البلدان الخليجية، وكذلك عدد من البلدان الأوروبية خلال عام من الآن. من هنا نلح على ضرورة معرفة استراتيجيات التنظيمات العنيفة كل في سياقه، القادرة على التكيف والتأقلم مع تحدياتها وواقعها، وكيف تتأثر بهذه السياقات، فلا تلامس طموحاتها السقف حين تكون مضطرا للانحناء، ولا يطمح - حال مواجهته أنظمة قوية ومستقرة - لإقامته إمارته الآيديولوجية. وحين يصعب عليه الاستقرار في منطقة توحش يمارس عليه أحكامه السيادية والخاصة، ليكون Proto - States ويظل قابعا ومحاولا في مرحلة «النكاية والاستهداف»، كما جاء في مصطلحات «أبو بكر ناجي» صاحب كتاب «إدارة التوحش»، دون مرحلة التمكين التالية، حسب تصورات «إدارة التوحش» الاستراتيجية الأشهر.. التي نراها أكثر تأثيرا في أداء تنظيمات التطرف العنيف الآن، مع الأزمات المتوالدة والمتفجرة منذ عام 2011.
عربيا، تحديدًا في غير بؤر الصراع المشتعلة دون حل سياسي وعسكرة عامة، تستهدف الجماعات العنفية المتطرفة مرحلة النكاية والاستنزاف دون عملية التمكين، وإن أعلنت أنها «ولاية» - كما تفعل «داعش» دائما في تسمية فروعها - أو شعرت به بعض التنظيمات بعد العمليات الناجحة. ولكن حتى تاريخه تبدو هذه المحاولات في غير بؤر الصراع ومع الدولة القوية استهدافا واستنزافا وليس تمكينا، كما هو في مصر أو دول الخليج تحديدا، ودول المغرب العربي أيضا.
أنماط العمليات الإرهابية
يفرق ويلح هذا التقرير على أداة تحليلية مهمة، وهي التمييز بين درجات الحضور المختلفة لجماعات التطرف العنيف في العالم العربي. وهو ما كان الإرهاب نفسه واعيا به، حين وضع أبرز منظّريه الاستراتيجيين «أبو بكر ناجي»، الذي هو برأينا محمد خليل الحكايمة، استراتيجيته الأشهر «إدارة التوحش» في تفريقه بين مراحل العمل الإرهابي من الإنهاك والاستنزاف.. وصولاً لمرحلة التمكين وإقامة إمارات الجماعة ـ أو تمددها لخلافة مزعومة. من هنا نرى أن لدينا ثلاثة أنماط رئيسية في سلوك التنظيمات الإرهابية يمكننا تحديدها فيما يلي:
أولا: نمط الإنهاك: العمليات الاستنزافية في «مرحلة الإنهاك» تستهدف الدول المستقرة والقوية عبر «الذئاب المنفردة» والعمليات الانتحارية واستراتيجية الجهاد الفردي التي تؤمن بها هذه الجماعات، وهو ما تعبر عنه هذه الجماعات بمرحلة «النكاية والإنهاك». وهذه تحضر بالخصوص في حالة الإرهاب في سيناء المصرية، الذي تراجع حلم الدولة عنه، كما انحصر وجوده داخل أماكن محدودة في سيناء، بعدما كاد يتمدد في سائر محافظات مصر.
الثاني: النمط الدعائي والذرائعي: يظهر عمليات يعلن بها التنظيم عن نفسه، واستهدافه أو ضغطه لأنظمة ودول بعينها تدعم الحرب عليه وتعاديه، ويستهدف منها إحراج هذه الأنظمة عند شعوبها الرافضة له، أو تفجير الاحتقان الطائفي فيها، وهو ما يغلب على عمليات الإرهاب والتنظيمات المتطرفة في كثير من البلدان والمناطق، مثل الخليج وأوروبا والولايات المتحدة وتركيا.
ثالثا: نمط الدولة والتمكين: وهذه حالة جماعات التطرف في مرحلة ضعف الدولة، وتتمثل اليوم عربيا في خمس دول رئيسية هي العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال. وتدرك تنظيمات التطرف العنيف والإرهاب في هذه البلدان أن لديها فرصة في صراعات السلطة فيها، سواءً عبر سيطرتها أو تمكنها من مناطق جغرافية معينة مثل سوريا والعراق والصومال، أو محاولتها لاستثمار الصراع بين الدولة ومعارضيها كما هو الحال في الشأن اليمني. وعبر هذه الأنماط الثلاثة، يمكن وضع تصور تركيبي وتفسيري لحالة التطرف العنيف في المنطقة، وكذلك التفريق بين غاياته وأهدافه، بين حروب التنظيمات الميدانية المباشرة في مكان، وعمليات الخلايا و«الذئاب المنفردة» العابر في مكان آخر، وبين عملية التنظيمات الوسيطة والمجموعات الأضعف أمام الدول المستقرة أو الأجهزة الأمنية القوية.
ونلح هنا على ضرورة وأهمية الوعي باختلاف ظاهرة التطرف العنيف، وجماعاته وممثليه، فضلا عن إدارته، مع إدراك الترابط فيما بينها، أصولا وفروعا، وتشابكا أو تقاطعا جغرافيا وتنظيميا. كما نؤكد على ضرورة هذا الوعي بالاختلاف وإدارته لضبط الأزمة المصطلحية في التعاطي مع عمليات الإرهاب، عبر التفريق بين درجات الخطورة، وتحاشي الانسياق وراء القاموس الإرهابي وإعلامه الدعائي، بالتفريق بين العملية الكبيرة والصغيرة والمحاولة الفاشلة.
وهذا، خاصة، مع تفهم أن العملية ليست إلا صوتا إعلاميا ونداء حركيا موجها لعناصر التنظيم والمتعاطفين معه، وحفزهم في الأصل، كما هو شأن أي بيان أو تسجيل أو فيديو منسوب للتنظيم وقيادات، تستهدف تأكيد حضوره أو مقاومته وعدم تراجعه.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».