الصلة بين الموسيقى الكلاسيكية الغربية والتراث العثماني

عن «المهتر».. لا تحتر!

الموسيقار موتسارت تأثر بقصص جده عن الحصار العثماني الثاني لفيينا وانعكس ذلك على أعماله (غيتي)
الموسيقار موتسارت تأثر بقصص جده عن الحصار العثماني الثاني لفيينا وانعكس ذلك على أعماله (غيتي)
TT

الصلة بين الموسيقى الكلاسيكية الغربية والتراث العثماني

الموسيقار موتسارت تأثر بقصص جده عن الحصار العثماني الثاني لفيينا وانعكس ذلك على أعماله (غيتي)
الموسيقار موتسارت تأثر بقصص جده عن الحصار العثماني الثاني لفيينا وانعكس ذلك على أعماله (غيتي)

نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» مؤخرا تقريرا عن الفرق الموسيقية العسكرية في الدولة العثمانية، وهي ما يطلق عليها شعبيًا اسم «مهتر»، مع تاريخها المتجذّر وهو ما يفتح الباب لدراسة علاقة الموسيقى الكلاسيكية الغربية، وتحديدا الموسيقار العالمي بيتهوفن بالتراث العثماني الموسيقي.
يذكر القرماني (ت 1019هـ - 1610م) في كتابه «أخبار الدول وآثار الأول» ما يلي: «.. في نحو عام 699 هـ - 1299 م، منح علاء الدين كيقباد الثالث السلجوقي إمارة إلى عثمان بن إرطغرل وسلّمه طبلاً وراية، فلما ضرب الطبل نهض عثمان قائمًا على قدميه إعظامًا، ومنذ ذلك اليوم أصبحت (؟) العساكر العثمانية القيام عند ضرب طبل السلطنة».
على الأثر شُكّلت فرقة للموسيقى العسكرية للجيوش الانكشارية أطلق عليها اسم «طبل تعليم خاصة» وغدت لاحقًا رمزًا مميزًا من رموز الدولة التي امتدت رقعتها على ثلاث قارات. ولم تكن تلك الفرق تؤدي في العروض الاحتفالية فقط، بل غدت شعارًا ورمزًا لعظمة الدولة وشموخها، وكثيرًا ما كانت إيقاعات أنغامها تتردد أصداؤها لتعكس بناء الدولة القوي المشيد على التقوى. كذلك غدت تلك الألحان وسيلة فعّالة لبث الحماسة وإيقاظ كوامن الشجاعة عند الجنود، فأسهمت إسهاما هائلا في تحقيق انتصارات عظيمة، وتوليد الاندفاع الجارف عند الشباب للتطوع، والانخراط في صفوف الجيوش الغازية.
وكما تلعب اليوم الموسيقى العسكرية دورها حيثما كانت، بتأثيرها الساحر عند سامعيها، فإنها استنسخت حالات جديدة من ذلك التقليد العثماني الذي ابتدأ قبل أكثر من سبعة قرون، هو تاريخ ولادة أول فرقة موسيقية عسكرية كما نعرفها الآن.
بعد هذا السرد التاريخي، وعودة إلى فيما جاء في التقرير المنشور في «الشرق الأوسط» - والمذكور أعلاه - ثمة ملاحظة تستحق التوقف عندها، وجاءت في فقرة على الصفحة الثامنة تتمحور على ما طرح نصًا: «أما النشيد الأساسي للفرقة المخصص للجنود الأتراك قبل خروج الجيش العثماني للقتال، ويلهب مشاعرهم رافعًا شعار الإسلام فلحنه الموسيقار الأشهر في العالم بيتهوفن».
القصد هنا هو محتوى السيمفونية التاسعة للموسيقار لودفيغ فان بيتهوفن (1770 - 1827م) وتحديدا الربع الأخير من السيمفونية التي بدأ بتأليفها في يوليو (تموز) 1822م، بعدما غلبه الصمم ففقد حاسة السمع كليا. ولقد قدّمت لأول مرة أمام الجمهور في العاصمة النمساوية على مسرح كارنتنرتور KARNTNERTOR يوم 7 مايو (أيار) 1824م، ويومذاك قاد بيتهوفن الفرقة الموسيقية على الرغم من صممه. وكانت تلك السيمفونية الخالدة تحوي في مقطعها الرابع والأخير أول كورال يُغنى في سيمفونية، وكانت كلماته جزء من «نشيد الفرح» AN DIE FREUDE نظمه الشاعر والروائي الألماني الشهير فريدريك شيللر (1759 - 1805م)، ومطلعة: «يا جذوة الفرح، أيتها القبس الإلهي الجميل، يا بنت الهناء وماء السماء... إلخ». وهو يشكل جزء الختام (الفينالي) للسيمفونية التي يستغرق عزفها كاملة نصف ساعة تقريبًا. السيمفونية بأكملها لا علاقة لها بأي نشيد عثماني، لكنها احتوت على إيقاعات مختلفة لطبول وصنّاجات موسيقى عسكرية انكشارية. كذلك فإن بيتهوفن لم يُكلَّف بأي عمل فني من قبل الدولة العثمانية أو من يمثلها. من ناحية أخرى، كما هو معروف تاريخيًا فإن الانكشارية كتنظيم عسكري كان على وشك أن يلفظ أنفاسه آنذاك بنتيجة العصيان اليوناني في شبه جزيرة المورهَ (البيلوبونيز) عام 1821م، وجاءت نهايته الفعلية في 15 يونيو (حزيران) 1826م حين قصفت مدافع السلطان محمود الثاني (1786 – 1839م) معسكرات الانكشارية أو ما أطلق عليها «واقعة خيرية VAKA - I HAYRIYE» وشُكّل بعد ذلك ما سُمّي بـ«عسكري منصوري محمودي»؛ أي جيش (السلطان) محمود المنصور.
والحقيقة أن تلك الاقتباسات لم تكن الأولى من نوعها، بل سبق بيتهوفن في ذلك الموسيقار النابغة فولفغانغ آماديوس موتسارت (1756 – 1791م)، الذي كان متأثرًا بقصص جدّه التي كان يسمعها منه منذ كان في الرابعة من عمره عن الحصار العثماني الثاني لفيينا عام 1683م.
ومع اقتراب نهاية القرن الثامن عشر صارت الموسيقى في أوروبا، عامة، تصوّر نمط العسكريتاريا معتمدة أساسًا على هدير أصداء موسيقى فرق المشاة العسكرية الخاصة بالسلطان العثماني (الانكشارية) نتيجة للحروب المتتالية التي خاضتها الدولة العثمانية لمدة قرنين في أوروبا. ومن ثم غدت تلك الموسيقى العسكرية أيقونة عصرها وزمانها بالنسبة للموسيقى الكلاسيكية الغربية. وعلى أثر ذلك ألف موتسارت أعمالاً مشهورة اعتمدت على المارشات العسكرية التركية، منها نهاية «سوناتا البيانو الرقم 11 بحركة A MAJOR»، وكذلك عام 1782 أوبرا «الهروب من سيراليو» DE EVTGUHRUN DEM SERAIL، التي صوّرت حياة الحريم في تركيا العثمانية وعكست عليها السحر والفتنة، وربما الخوف أيضا من تهديد العثمانيين. وفي النهاية تظل الفنون قبلة للبشر وإن اختلفت مشارب حياتهم وتشعّبت ميولهم واتجاهاتهم ما دامت في الكون حياة. ولا غرو أنه حينما ينصت المستمع إلى كلمات شيللر اليوتوبية (المثالية) المستحيلة التحقيق أو التطبيق، والألحان التي إن سمعها، فلن ينساها.. ولذا فالكل يريدها نشيدًا له.



إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
TT

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»

شهدت الرياض وجدة فعاليات مسرحية وغنائية عقب انتهاء شهر رمضان، انطلقت مع عيد الفطر واستقطبت مشاركات مصرية لافتة، منها مسرحية «حتى لا يطير الدكان»، من بطولة الفنانَيْن أكرم حسني ودرة، في موسمها الثاني على مسرح «سيتي ووك جدة»؛ إلى عرض ستاند أب كوميدي «ذا إيليت» المقام على «مسرح محمد العلي» بالرياض، بينما شاركت الفنانة المصرية أنغام بحفلات «عيد القصيم»، والفنان عمرو دياب بحفلات «عيد جدة».
وتشهد العاصمة السعودية حفل «روائع الموجي»، الذي تحييه نخبة من نجوم الغناء، بينهم من مصر، أنغام وشيرين عبد الوهاب ومي فاروق، بالإضافة إلى نجوم الخليج ماجد المهندس وعبادي الجوهر وزينة عماد، مع صابر الرباعي ووائل جسار، بقيادة المايسترو وليد فايد وإشراف فني يحيى الموجي، ومشاركة الموسيقار رمزي يسى.
عن هذا الحفل، يعلّق الناقد الفني المصري طارق الشناوي لـ«الشرق الأوسط»: «نشجّع تكريس الكلمة الرائعة والنغم الأصيل، فحضور نجوم مصر في فعاليات المملكة العربية السعودية، يشكل حالة تكامل من الإبداع»، معرباً عن غبطته بمشهدية الزخم الفني، التي يواكبها في الرياض وجدة.
ووفق «جمعية المؤلفين والملحنين الرسمية» في مصر، ورصيد محمد الموجي، صاحب مقولة «أنا لا أعمل كالآلة تضع فيها شيئاً فتخرج لحناً؛ إنها مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت ليخرج اللحن إلى النور»، قد وصل إلى 1800 لحن، ليعلّق رئيسها مدحت العدل لـ«الشرق الأوسط» بالتأكيد على أنّ «الاحتفاء بالرموز الفنية من (الهيئة العامة للترفيه)، كاحتفالية الموجي، أمر غاية في الرقي ويدعو للفخر»، موجهاً التقدير للجميع في المملكة على النهضة الفنية الكبيرة.
واستكمالاً لسلسلة الفعاليات الفنية، فإنّ مدينة جدة على موعد مع حفلين للفنان تامر عاشور يومي 5 و6 مايو (أيار) الحالي، بجانب حفل الفنانَيْن محمد فؤاد وأحمد سعد نهاية الشهر عينه. وعن المشاركات المصرية في الفعاليات السعودية، يشير الناقد الموسيقي المصري محمد شميس، إلى أنّ «القائمين على مواسم المملكة المختلفة يحرصون طوال العام على تقديم وجبات فنية ممتعة ومتنوعة تلائم جميع الأذواق»، مؤكداً أنّ «ما يحدث عموماً في السعودية يفتح المجال بغزارة لحضور الفنانين والعازفين والفرق الموسيقية التي ترافق النجوم من مصر والعالم العربي». ويلفت شميس لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ «هذا التنوع من شأنه أيضاً إتاحة مجال أوسع للمبدعين العرب في مختلف الجوانب، التي تخصّ هذه الحفلات، وفرصة لاستقطاب الجمهور للاستمتاع بها بشكل مباشر أو عبر إذاعتها في القنوات الفضائية أو المنصات الإلكترونية»، معبّراً عن سعادته بـ«الحراك الفني الدائم، الذي تشهده المملكة، بخاصة في الفن والثقافة وتكريم الرموز الفنية والاحتفاء بهم».
وشهد «مسرح أبو بكر سالم» في الرياض قبيل رمضان، الحفل الغنائي «ليلة صوت مصر»، من تنظيم «الهيئة العامة للترفيه»، احتفالاً بأنغام، إلى تكريم الموسيقار المصري هاني شنودة في حفل بعنوان «ذكريات»، شارك في إحيائه عمرو دياب وأنغام، بحضور نخبة من نجوم مصر، كما أعلن منذ أيام عن إقامة حفل للفنانة شيرين عبد الوهاب بعنوان «صوت إحساس مصر».
مسرحياً، يستعد الفنان المصري أحمد عز لعرض مسرحيته «هادي فالنتين» في موسمها الثاني، ضمن فعاليات «تقويم جدة» على مسرح «سيتي ووك‬» بين 3 و6 مايو (أيار) الحالي. وعنه كان قد قال في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الحراك الثقافي الذي تشهده المملكة يفتح آفاقاً وفرصاً متنوعة للجميع لتقديم المزيد من الفن الراقي».