«الجماعة الإسلامية» في باكستان.. تحت المجهر

نجحت كحركة فكرية وفشلت كحزب سياسي

«الجماعة الإسلامية» في باكستان.. تحت المجهر
TT

«الجماعة الإسلامية» في باكستان.. تحت المجهر

«الجماعة الإسلامية» في باكستان.. تحت المجهر

تقلص دور الجماعة الإسلامية في باكستان حتى كاد وجودها يتلاشى تمامًا على الساحة السياسية الوطنية في البلاد، بعدما كانت تعد ذات يوم رمزًا للسياسة الإسلامية في باكستان. ولقد تضاءل دور الجماعة الإسلامية في السياسات البرلمانية إلى حد كبير بعد حصولها على أربعة مقاعد فقط في المجلس القومي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لعام 2013، مما يتناقض تمامًا مع نتائج انتخابات 2002 البرلمانية، عندما لمع نجم الجماعة الإسلامية كحزب سياسي بارز معارض لحكومة الرئيس السابق الجنرال برويز مشرف. والحقيقة أنه منذ الانتخابات البرلمانية لعام 2008، جرى تهميش الجماعة الإسلامية كليًا على الساحة السياسية الباكستانية، وبالتالي اختارت الجماعة مقاطعة الانتخابات البرلمانية بحجة أنه لا يمكن إجراء انتخابات عادلة تحت إشراف مشرف.
تسبب موقف الجماعة الإسلامية بمقاطعة الانتخابات في تفكك ائتلاف «متحدة مجلس عمل» المؤلف من ستة أحزاب دينية، نظرًا لرغبة الأحزاب الأخرى بالاتحاد في خوض الانتخابات. ولقد حاولت الجماعة الإسلامية في بادئ الأمر أن تقنع رئيس الوزراء نواز شريف بمقاطعة الانتخابات، ولكنها لم توفق في ذلك.
وفي الآونة الأخيرة، خفت ضوء الجماعة الإسلامية أمام جماعات مسلحة أكثر عنفًا وراديكالية مثل «جيش محمد» و«عسكر طيبة» التي اكتسبت زخمًا بفضل رفعها شعار «تحرير كشمير من الاحتلال الهندي». وأصبحت الأموال الطائلة التي كانت تتلقاها الجماعة الإسلامية من الباكستانيين من أجل «الجهاد في كشمير» تذهب إلى تنظيمات أخرى الآن مثل التنظيمين الراديكاليين «عسكر طيبة» و«جيش محمد».
ومن المثير للاهتمام أن الجماعة الإسلامية لم تعد تستمتع الآن بدورها التقليدي في وسط ولاية البنجاب - كبرى ولايات البلاد من حيث عدد السكان - كحزب بإمكانه التأثير على مواقف حكومة نواز شريف. وشرع المحللون في إسناد ذلك الدور إلى الجماعة الإسلامية، بصفتها حزبًا بمقدور ناخبيه أن يزيد من فرص فوز نواز شريف أو أن يتسبب في خسارة مرشحي الرابطة الإسلامية (حزب شريف) إن لم يدلِ ناخبو الجماعة بأصواتهم لصالحهم، بعد انتخابات عام 1993، عندما خاضت الجماعة الإسلامية الانتخابات منفردة وتسببت في خسارة مرشحي نواز شريف في أكثر من عشرين دائرة انتخابية في البنجاب.
وازدادت الأمور سوءًا في البنجاب بالنسبة للجماعة الإسلامية، إذ يبدو أن الجماعة الآن لم تعد تمتلك تلك القدرة التصويتية الفاعلة. ويرى المحللون السياسيون البارزون أن السياسات التي تتبعها الجماعة هي ما تسبب في تلك الخسارة، إذ يقول عاشر رحمان: «خسرت الجماعة الإسلامية قدرتها التصويتية من خلال السماح لنفسها بأن تكون تابعًا في خدمة الرابطة الإسلامية لفترة طويلة». ويعيد عظيم رندهاو، زعيم الجماعة الإسلامية في مدينة فيصل آباد، صياغة تلك الحقيقة بطريقة مختلفة قائلاً لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه: «اعتاد الناس في السابق أن يقولوا إنه في حال لم تطرح الرابطة الإسلامية والجماعة الإسلامية مرشحين منفصلين، فسوف يفوز حزب الشعب الباكستاني (حزب آل بوتو) في الانتخابات، غير أن الوضع تغير الآن».
في السياسات البرلمانية، قلصت الأحزاب السياسية المركزية مثل الرابطة الإسلامية بقيادة رئيس الوزراء نواز شريف (المعروفة باسم «جماعة نواز) دور الجماعة الإسلامية. وفي آخر دورتين للانتخابات البرلمانية (عام 2013، وعام 2008) برزت الرابطة مكللة بالنصر بشكل جعل من الجماعة شبه غائبة في الانتخابات البرلمانية.
ومن جهة أخرى، تتعرض الجماعة الإسلامية للضغط من الجماعات المتطرفة الأخرى، مثل «عسكر طيبة» و«جماعة الدعوة»، التي أزاحتها من مركز الصدارة من خلال نشاطهم في كفاح كشمير من أجل الحرية. ويقول كثير من المحللين السياسيين إنه وحتى التسعينات من القرن الماضي، كانت الجماعة الإسلامية في صدارة الصراع الكشميري من أجل التحرر من «الاحتلال» الهندي. أما الآن، فتنظيم «عسكر طيبة» هو من يقود الحرب ضد الجيش الهندي في المناطق الواقعة تحت السيطرة الهندية في كشمير. وبالتالي، صار «عسكر طيبة» يستقطب أكثر المساهمات المالية من معظم الباكستانيين العاديين.
الجدير بالإشارة أن الجماعة الإسلامية كانت قد كونت صلات متينة مع الجيش وأجهزة الاستخبارات الباكستانية إبان فترة الجهاد الأفغاني ضد السوفيات (في عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي)، عندما كانت الأحزاب الإسلامية في أفغانستان تحارب الاحتلال السوفياتي بالدعم المالي والعسكري من الولايات المتحدة وباكستان وعدد من البلدان الأخرى. ولقد ظلت الجماعة في طليعة الجهاد الأفغاني بحكم صلاتها الوثيقة بالأحزاب الإسلامية في أفغانستان، وعلى رأسها الحزب الإسلامي الأفغاني بقيادة غلبدين حكمتيار والجمعية الإسلامية بقيادة برهان الدين رباني. ولكن، عندما تزايدت الضغوط من قِبل الولايات المتحدة والجيش الباكستاني وتراجعت أجهزة الاستخبارات عن رعاية «الجهاد» في المنطقة، تراجعت حظوظ الجماعة الإسلامية أيضًا.
في مطلع مارس (آذار) 2003، ألقى نحو عشرين من عناصر وكالة الاستخبارات الباكستانية القبض على خالد شيخ محمد، العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، في منزل خاص بمدينة روالبندي. وفي الليلة ذاتها، دعت وكالة الاستخبارات الباكستانية مجموعة مختارة من الصحافيين الباكستانيين والصحافيين الأجانب إلى حضور مؤتمر صحافي في مقر الاستخبارات بالعاصمة إسلام آباد، لإبلاغهم بتفاصيل عملية الاعتقال تلك.
كان معظم الحضور من الصحافيين على علم بأن خالد شيخ محمد قد جرى اعتقاله داخل منزل أحمد عبد القدوس، أحد الدعاة الدينيين البارزين في روالبندي، وهو على اتصال وثيق بالجماعة الإسلامية في باكستان، كما كانت أمه إحدى ناشطات الجماعة الإسلامية. وخلال المؤتمر الذي عقدته وكالة الاستخبارات الباكستانية، بدأ الصحافيون في توجيه الأسئلة إلى نائب المدير العام الذي تولى إدارة المؤتمر وكان يُطلع الصحافيين على تفاصيل العملية، حول احتمالية وجود صلة بين الجماعة الإسلامية وتنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية. وأجاب قائلاً: «الجماعة الإسلامية بصفتها الحزبية لا تمت بأية صلة لتنظيم القاعدة أو أي من التنظيمات الإرهابية الأخرى». ولكن اتضح أن صلة تنظيم «القاعدة» بالجماعة الإسلامية محل جدل عميق، إذ إن الجماعة الإسلامية تعد الحزب الإسلامي الأكثر آيديولوجية في باكستان، وهو وثيق الصلة بالجيش والاستخبارات الباكستانية، وقد أخرج الكثير من الجماعات المتطرفة من تحت عباءته بدلاً من وكالة الاستخبارات الباكستانية، من أجل القتال في كشمير، كما ساعد الجيش مرتين في تقويض حكومة بي نظير بوتو في التسعينات من القرن الماضي. بيد أن السياسيين المعارضين للجماعة الإسلامية قد زعموا أن الجماعة تولت حماية مقاتلي «القاعدة».
أيضًا شاركت الجماعة الإسلامية بكثافة في «الجهاد» الأفغاني لدرجة أن الأحزاب السياسية العلمانية في باكستان اعتادت أن تتهمها بتنفيذ اللعبة الأميركية وبأنها تتلقى أموالاً من وكالة الاستخبارات المركزي الأميركية (سي آي إيه). بيد أن الروابط التي وثقتها مع الجيش وأجهزة الاستخبارات خلال فترة «الجهاد» الأفغاني لا تزال حاسمة من حيث تحديد وضع الجماعة الإسلامية في الشأن السياسي الداخلي للبلاد. وفي حين بقيت الجماعة دومًا على هامش الساحة الانتخابية السياسية، حيث لم تفز أبدًا بعدد كبير من المقاعد في الانتخابات البرلمانية الباكستانية. وبالتالي، لطالما حاولت التعزيز من مكانتها السياسية وأهميتها في البلاد من خلال تبني القضايا مثل قضية تحرير كشمير من الاحتلال الهندي والدخول في تحالفات سياسية مع القوى السياسية الموالية للجيش.
للعلم، أسست الجماعة الإسلامية كحزب سياسي عام 1941، حينما كانت الهند لا تزال واقعة تحت سيطرة بريطانيا. ولدى مؤسس الجماعة أبو الأعلى المودودي كتابات غزيرة في التعاليم الإسلامية الخاصة بشتى النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مما أضفى طابعًا مثاليًا على نشأة الدولة الإسلامية والمجتمع في باكستان.
إلا أن حزب الجماعة الإسلامية لم يحظ بأي شعبية تذكر في باكستان، فلطالما كانت رسالته محدودة الانتشار. وكانت المرة الوحيدة التي سجلت فيها الجماعة نفسها كلاعب رئيسي في السياسات البرلمانية في باكستان عام 2002 عندما انضمت إلى ستة أحزاب أخرى دينية أخرى لتشكيل ائتلاف «متحدة مجلس عمل» الذي حصل على 58 مقعد في الانتخابات البرلمانية. وتمكنت الجماعة الإسلامية والأحزاب الأخرى للائتلاف من النجاح في الانتخابات البرلمانية يومذاك نظرًا لأن القيادات الشعبية البارزة من أمثال نواز شريف وبي نظير بوتو لم يشاركا في انتخابات 2002 بعد نفيهما خارج البلاد.
وثمة آراء أخرى تذكر أسباب ملموسة للنجاح الذي حققه ذلك الائتلاف في الانتخابات البرلمانية لعام 2002 في باكستان، تفيد بأن الجيش ووكالات الاستخبارات تلاعبوا في نتائج الانتخابات لتمكين الجماعة وحلفائها من الفوز بـ58 مقعدًا في البرلمان. وفي هذا السياق، صاغ الكتّاب السياسيون الباكستانيون عبارة شهيرة واصفين فيها ذلك الرأي بـ«التحالف العسكري المولوي»، ومن ثم أكدت التطورات اللاحقة على وجود الروابط الوثيقة بين الجيش والجماعة الإسلامية. كذلك صوتت جميع الأحزاب السياسية، بما فيها حزب الجماعة الإسلامية، لصالح التعديلات الدستورية الـ17 التي منحت الشرعية والضمانة لتولى الحكم العسكري البلاد في 12 أكتوبر (تشرين الأول) 1999، التي جاءت بالجنرال مشرف إلى السلطة. ومع هذا، فإن الجماعة الإسلامية أبقت الباب مواربًا لعودتها للساحة من خلال الإبقاء على الصلات الوثيقة برئيس الوزراء السابق نواز شريف طيلة الأعوام الثمانية الماضية. ولقد توطدت العلاقات بين الجماعة الإسلامية ونواز شريف بشكل كبير منذ 1988، عندما تآزرا معًا من أجل الإطاحة ببي نظير بوتو من رئاسة الوزراء.
أخيرًا، لا بد من الإشارة إلى أن لدى الجماعة الإسلامية وجودًا في الهند وبنغلاديش ومناطق كشمير الواقعة تحت سيطرة الهند. وبعد تأسيس دولة باكستان، انقسمت الجامعة إلى قسمين، وهاجر مؤسسها أبو الأعلى المودودي مع لفيف من كبار قادتها البارزين إلى باكستان للالتحاق بالجماعة الإسلامية في باكستان، في حين واصل القسم الآخر من الجماعة الإسلامية عمله في الهند تحت اسم «الجماعة الإسلامية في الهند». وبعد تفكك باكستان وانقسامها إلى قسمين في عام 1971، أنشأت الجماعة وحدة مستقلة في بنغلاديش. ويؤكد شهيد شمسي المتحدث الرسمي باسم الجماعة الإسلامية في باكستان قائلاً إن «الآيديولوجية واحدة وإن تعددت التنظيمات».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».