إردوغان يتأهب لمعركة الدستور

بعد إخضاع الجيش والمخابرات في أعقاب محاولة الانقلاب التركية

أتراك يلقون القبض على جندي تركي بعد فشل الانقلاب في إستطنبول (أ.ف.ب)
أتراك يلقون القبض على جندي تركي بعد فشل الانقلاب في إستطنبول (أ.ف.ب)
TT

إردوغان يتأهب لمعركة الدستور

أتراك يلقون القبض على جندي تركي بعد فشل الانقلاب في إستطنبول (أ.ف.ب)
أتراك يلقون القبض على جندي تركي بعد فشل الانقلاب في إستطنبول (أ.ف.ب)

لا تزال تداعيات المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف يوليو (تموز) الماضي تتوالي بإيقاع سريع فيما يستكمل الرئيس رجب طيب إردوغان والحكومة إحكام سيطرتهما على مؤسسات الجيش والقضاء والمخابرات والتهيئة للمعركة الأخيرة وهي معركة التعديلات الدستورية، أو الدستور الجديد الذي قد يرسخ مرحلة جديدة يتم فيها إقرار النظام الرئاسي بدلا عن النظام البرلماني بصورة فعلية.
واستكملت الحكومة التركية خطوات إعادة هيكلة الجيش وأعلنت إلحاق قيادات القوات البرّية والبحريّة والجوّية بوزارة الدفاع بعد أن كانت تتبع رئاسة هيئة الأركان وإنشاء كلية للدفاع الوطني وإغلاق المدارس العسكرية.
أصدرت الحكومة التركية مساء السبت الماضي مرسوما بموجب حالة الطوارئ المعلنة في البلاد لمدة 3 أشهر تضمن: «تخويل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، إذا لزم الأمر، الحصول على معلومات تتعلق مباشرة بقيادة القوات المسلحة ومدى ولائهم، والتأكيد على صلاحية الرئيس ورئيس الوزراء في توجيه أوامر مباشرة لقادة القوات، وضرورة تنفيذ القادة الأوامر مباشرة دون الحصول على موافقة من أي سلطة أخرى».
وتضمن المرسوم قرارا في حكم القانون بتأسيس جامعة جديدة باسم «الدفاع الوطني» تابعة لوزارة الدفاع تتألف من معاهد تهدف لتقديم خدمات التعليم العالي، وتخريج ضباط أركان، إضافة إلى أكاديميات حربية وبحرية ومدارس إعداد ضباط صف. وأتيح الالتحاق بها لكل خريجي الثانويات في تركيا بما في ذلك الثانويات الدينية (مدارس إمام خطيب).
ونص المرسوم الجديد على «اختيار رئيس الجامعة من قبل رئيس الجمهورية، من بين 3 مرشحين يقترحهم وزير الدفاع، ويوافق عليهم رئيس الوزراء، فضلاً عن تعيين 4 مساعدين له كحد أقصى، يختارهم وزير الدفاع». وسيتم تشكيل الهيكل العام للجامعة الجديدة، بموجب المرسوم الجديد، بناء على قرار يتخذه مجلس الوزراء التركي، في وقت لاحق.
وتضمن مرسوم الحكومة التركية قرارًا بفصل ألف و389 عسكريا، بينهم ضباط كبار، من القوات المسلحة، ينتمون أو لهم ارتباطات بما يسمى منظمة «الكيان الموازي» بزعامة فتح الله غولن، بدعوى تشكيلها خطرًا على الأمن القومي بسبب اتهامها بالتورط في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا.
وأصدرت الحكومة التركية، الأربعاء الماضي، مرسوما يقضي بفصل 1684 عسكريا من القوات المسلحة، بينهم 87 جنرالا في القوات البرية، و32 أميرالا في القوات البحرية، و30 جنرالا في القوات الجوية، بدعوى انتمائهم أو صلتهم بما يسمى منظمة فتح الله غولن (الكيان الموازي)، التي تشكل تهديدا للأمن القومي.
كذلك أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في مقابلة تلفزيونية مساء السبت أنه يريد وضع المخابرات ورئاسة أركان الجيش تحت سلطته المباشرة وإغلاق كل المدارس الحربية وفتح جامعة عسكرية جديدة.
وقال إردوغان في مقابلة مع قناة «إيه خبر» التركية الخاصة: «سنجري إصلاحا دستوريا بسيطا في البرلمان من شأنه إذا ما تم إقراره أن يضع المخابرات الوطنية ورئاسة أركان الجيش تحت سلطة الرئاسة». ويتطلب إقرار هذا التعديل الدستوري الذي يعزز صلاحيات الرئيس موافقة أغلبية الثلثين في البرلمان (367 صوتا) مما يعني أن حزب العدالة والتنمية الحاكم يحتاج إلى الحصول على تأييد بعض من أحزاب المعارضة.
إقالة نصف جنرالات الجيش

إثر محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي جرت في 15 يوليو، شهد الجيش التركي تبديلات كبيرة شملت إقالة نحو نصف جنرالاته (149 جنرالا وأميرالا). ولتعويض النقص الناجم عن عملية التطهير وإقالة 149 جنرالا وأميرالا، تمت ترقية 99 عقيدا إلى رتبة جنرال أو أميرال.
كما نشرت الجريدة الرسمية في تركيا الأحد الماضي مرسوما يقضي بتشكيل مجلس الشورى العسكري الأعلى من رئيس الوزراء ونوابه، ووزراء العدل والخارجية والداخلية والدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة وقادة القوات المسلحة. وكان مجلس الشورى يتكون قبل هذا التعديل من رئيس الوزراء ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش ووزير الدفاع وقادة القوات المسلحة والقائد العام لقوات الدرك وقائد الأسطول، وجنرالات وأميرالات في القوات المسلحة.
وجرى تعديل المادة المتعلقة بمهام أعضاء المجلس من «يمكن لرئيس الوزراء ورئيس هيئة الأركان العامة أو وزير الدفاع أن يبدوا رأيهم في القضايا الأخرى حول القوات المسلحة في حال رأوا ذلك ضروريًا» إلى: «يمكن لرئيس الوزراء أن يبدي رأيه في القضايا الأخرى المتعلقة بالقوات المسلحة في حال رأى أن هناك حاجة لذلك».
كما نشرت الجريدة الرسمية مرسوما آخر يقضي بنقل تبعية أكاديمية جولهانه الطبية العسكرية (جاتا) والمستشفيات العسكرية الأخرى والمباني المخصصة لها إلى وزارة الصحة. وبموجب المرسوم جرى نقل «المستشفيات التعليمية التابعة لأكاديمية، جولهانه، ومراكز العناية التأهيلية للقوات المسلحة، والمستشفيات والمستوصفات العسكرية، والوحدات الصحية المشابهة، والمؤسسات الصحية التابعة للقيادة العامة للدرك» إلى وزارة الصحة. وتستهدف هذه الخطوات وضع الجيش تحت السيطرة المدنية تماما بعد الانقلاب الفاشل في منتصف يوليو الماضي.
في الوقت نفسه، عينت وزارة الدفاع التركية 167 جنرالاً وأميرالاً في قيادات القوات البرية والجوية والبحرية وأكاديمية جولهانة الطبية العسكرية (جاتا)، بموجب قرار نشرته في الجريدة الرسمية.
وبحسب القرار تم تعيين 94 جنرالاً في قيادة القوات البرية، و22 أميرالاً في قيادة القوات البحرية، و44 جنرالاً في قيادة القوات الجوية، وستة جنرالات وأميرالاً واحدا في أكاديمية جولهانة الطبية العسكرية في مناصب مختلفة.
وكانت وزارة الدفاع التركية فصلت في وقت سابق 149 جنرالاً وأميرالاً من أصل 325 بالجيش التركي، وألفًا و99 ضابطًا من أصل 32 ألفا و189 ضابطًا في صفوف القوات البرية والبحرية والجوية، بسبب صلتهم بما يسمى «منظمة فتح الله غولن» أو (الكيان الموازي) المتهمة بتنفيذ محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف يوليو الماضي.
وأعلنت رئاسة هيئة الأركان التركية الأسبوع قبل الماضي أن 8651 عسكريا شاركوا في محاولة الانقلاب الفاشلة وأنهم ينتمون إلى ما يسمى منظمة فتح الله غولن رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة.
وذكر البيان أن 35 طائرة بينها 24 مقاتلة و37 هليكوبتر استخدمت في محاولة الانقلاب الفاشلة يوم 15 يوليو، وقتل فيها 246 شخصا على الأقل وأصيب أكثر من 2000 آخرين.

وضع المخابرات
واستكمالا لهيكلة المؤسسات السيادية ووضعها تحت إمرة رئيس الجمهورية، كشفت الحكومة التركية عن أنها تقوم حاليا بدراسة إعادة هيكلة جهاز المخابرات وأنها تدرس الكثير من الخيارات لعرض خطة التطوير على الرئيس إردوغان.
وقال رئيس الوزراء بن علي يلدريم إن دراسة جديدة في هذا الخصوص قيد الإعداد حاليًا، وهناك الكثير من الخيارات تتم دراستها في هذا الشأن وسيتم إقرار أحد هذه الخيارات عقب عرض الموضوع على الرئيس رجب طيب إردوغان. وأضاف يلدريم أنّ الحكومة تدرس أيضا قضية إلحاق جهاز المخابرات برئاسة الجمهورية.
وكان يلدريم جدد في مقابلة تلفزيونية مساء الثلاثاء انتقاداته لجهاز المخابرات التركي قائلا: «لو كنا قد تمكنا من الحصول على المعلومات الاستخباراتية الكافية والتوصل إليها لكان من المحتمل ألا نشهد محاولة الانقلاب التي وقعت في 15 يوليو». وذكر يلدريم أنه سأل رئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان عن سبب عدم تزويده والرئيس رجب طيب إردوغان بمعلومات عن محاولة الانقلاب، غير أنه عجز عن تقديم إجابة ولم يستطع قول أي شيء.
وعقب إعلان السلطات التركية في وقت سابق أن جهاز المخابرات تلقى بلاغا عن وجود محاولة الانقلاب في الساعة 16:30 عصر يوم الجمعة الموافق منتصف يوليو الماضي، فاجأ رئيس الوزراء التركي الرأي العام بتصريح قال فيه إن جهاز المخابرات علم بالمحاولة في تمام الساعة 15:00.
وعن موعد تلقيه أول إبلاغ عن محاولة الانقلاب، قال يلدريم: «حسبما وردني من أخبار من جهاز المخابرات فإن ضابطا في الجيش برتبة مقدم أراد أن يأتي إلى مقر جهاز المخابرات للإبلاغ عن خبر مهم، ووصل إلى المقر نحو الساعة الثالثة، وأبلغ هذا المقدم المسؤولين بجهاز المخابرات، مشيرا إلى أنه كان في عطلة وتلقى من رئاسة الأركان أمرا بالتوجه إلى المروحية وقصف مقر جهاز المخابرات، واختطاف رئيس المخابرات هاكان فيدان».
وقال يلدريم: «لا أعرف تفاصيل ما أخبر به المقدم رئيس الجهاز، أنا أروي ما سمعته من رئيس الجهاز».
وأضاف يلدريم أنه سأل رئيس المخابرات لماذا لم تبلغ الرئيس إردوغان ورئيس الوزراء عندما تلقيتم خبر محاولة الانقلاب مع أن جهاز المخابرات يتبع رئاسة الوزراء، لكنه لم يتمكن من الإجابة».
كما أجاب يلدريم على سؤال متعلق بما إذا كان يرغب في مواصلة العمل مع مسؤولين في الدولة عجزوا عن الحصول على إجابة منهم بقوله: «دعوني أقل شيئا بصدق، بالنسبة لنا هناك أولويات. كنا على شفا كارثة كبيرة وحاليا هناك الكثير من الأشياء التي ينبغي علينا القيام بها في هذا الصدد. عندما ننتهي منها سنعود إلى الماضي ونرى الأخطاء المرتكبة والجهات المقصرة وأوجه تقصيرها، وبكل تأكيد سنجري نقدا ذاتيا لكل هذه الأمور. فمن الخطأ التسبب في ضعف بنيتنا في الوقت الذي تظهر فيه التهديدات التي سنواجهها».
وعقب تصريحات يلدريم، عاد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مساء الخميس ليعلن رفضه للانتقادات الحادة لجهاز المخابرات التركية على الرغم من اعترافه بوجود ضعف في أداء الجهاز خلال محاولة الانقلاب الفاشلة.

المعارضة.. والدستور
وعلى الصعيد نفسه، أبدى حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية قلقه للاستمرار في عملية إعادة هيكلة مؤسسات الدولة على النحو الذي تم حتى الآن وقال رئيس الحزب كمال كليشدار أوغلو إن ابتعاد السلطة السياسية الحاكمة عن الهدف الذي أعلنت من أجله حالة الطوارئ عقب محاولة الانقلاب الفاشلة هو أمر مثير للقلق. وأضاف: «قد يستدعي الأمر إعادة هيكلة الدولة من جديد، لكن البرلمان هو المكان الذي يجب أن يتم فيه هذا الأمر».
وفيما تمت أو كادت تنتهي عملية فرض السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية والمخابرات في تركيا واستكملت عملية تطهير القضاء، بقيت خطوة مهمة أخرى يتعين إنجازها من وجهة نظر الرئيس رجب طيب إردوغان وحكومة العدالة والتنمية وهي وضع دستور جديد للبلاد، ودعا إردوغان، أول من أمس الخميس، أمام لقائه وأعضاء المجلس الاستشاري لاتحاد الغرف التجارية والبورصات التركي بالقصر الرئاسي في أنقرة أحزاب المعارضة إلى العمل مع حزب العدالة والتنمية الحاكم على تعديل الدستور من أجل ما وصفه بتعزيز سلطة الدولة.
وأضاف إردوغان: «لا نستطيع إدارة البلد بدستور انقلابي وبدأنا في أعمال تعديل الدستور سابقا وأدعو المعارضة للإجماع على الحد الأدنى الممكن».
ويتطلب تعديل الدستور أو وضع دستور جديد للبلاد موافقة أغلبية الثلثين من أعضاء البرلمان على التعديلات أو الدستور المقترح أي 367 نائبا، وإذا لم تتوفر هذه النسبة يطرح الدستور أو التعديلات للاستفتاء الشعبي إذا حصل المقترح على 330 صوتا، ويمتلك حزب العدالة والتنمية 316 مقعدا في البرلمان ويحتاج إلى دعم نواب حزب واحد آخر على الأقل من 3 أحزاب ممثلة في البرلمان حتى تمر التعديلات إلى الاستفتاء الشعبي.
وأكد إردوغان، مجددا، ضرورة العمل على إعادة هيكلة جميع مؤسسات الدولة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في البلاد.

منعطف جديد
وفيما يمثل منعطفا جديا في التحقيقات الجارية على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف يوليو الماضي، تقدم بوراك بكر أوغلو أحد أعضاء نقابة المحامين في إسطنبول بشكوى إلى النيابة العامة بحق أربعة وزراء سابقين من حزب العدالة والتنمية من بينهم رئيس البرلمان نائب رئيس الوزراء الأسبق أحد مؤسسي الحزب بولنت أرينتش وحسين شيليك وسعاد كيليتش وسعد الله أرجين يتهمهم فيها بقيادة تنظيم إرهابي.
وقررت النيابة النظر في الشكوى، وفي حال أخذت النيابة العامة الاتهامات الواردة في الشكوى على محمل الجد فسيتم استدعاء الوزراء الأربعة السابقين للإدلاء بإفاداتهم حول التحقيقات الجارية بشأن ما يسمى منظمة الكيان الموازي أو منظمة فتح الله غولن التي تتهمها السلطات بالوقوف وراء محاولة الانقلاب. وكان المتحدث السابق باسم الحكومة كبير مستشاري رئيس حزب العدالة والتنمية حسين تشيليك ووزير العدل السابق سعد الله أرجين ووزيرة الرياضة سعاد كيليتش أعربوا في فبراير (شباط) الماضي عن دعمهم لأرينتش، الذي يتهم بالدفاع عن حركة الخدمة (الكيان الموازي) في رفضه لإقصاء مؤسسي العدالة والتنمية لصالح ضعاف الخبرة في الحزب ورفضه تدخل الرئيس إردوغان في عملية السلام مع الأكراد، وذلك على حساباتهم بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر». حيث قاموا بإعادة نشر تصريحات أرينتش لمتابعيهم على الموقع.
وكان تشيليك تناول عملية السلام الداخلي مع الأكراد في تصريحات كتبها في مدونته، مشيرًا إلى أن المسؤولين، بمن فيهم رئيس البلاد ورئيس وزرائه لم يكترثوا لتحذيراته التي ظل يطلقها منذ عام 2009. وأحدثت هذه التصريحات أزمة كبيرة وأشارت إلى بوادر انشقاق قد يهز حزب العدالة والتنمية من جذوره وقام الرئيس السابق عبد الله غل وقتها بجهود واتصالات واجتماعات مع الفريقين إردوغان ومعارضيه لتنتهي الأزمة دون تأثير على حزب العدالة والتنمية.

الحصيلة النهائية للتصفيات

وفيما يتعلق بحصيلة المعتقلين والموقوفين، أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم الحصيلة النهائية لحملات التصفية والتطهير حتى مساء الثلاثاء قائلا إنه تم اتخاذ إجراءات بحق 62 ألفا و10 أشخاص تم توقيف 58 ألفا و611 شخصًا من بينهم وإقالة 3 آلاف و499 آخرين.
كما أعلن وزير الداخلية التركي إفكان آلا أن إجمالي عدد الموقوفين في إطار تحقيقات محاولة الانقلاب الفاشلة بلغ 25 ألفًا و917 شخصًا بينهم 13 ألفًا و419 شخصًا صدرت بحقهم قرارات بالحبس على ذمة التحقيقات.
وأضاف آلا في تصريح مساء الأربعاء قبيل اجتماع اللجنة المركزية لـ«حزب العدالة والتنمية» الحاكم بتركيا أن القضاء التركي أصدر، حتى الآن، قرارات بمنع سفر 74 ألفا و562 مواطنًا في إطار التحقيقات ذاتها، لافتا إلى أن عدد القتلى في المحاولة الانقلابية الفاشلة بلغ 238 شخصًا، بينما وصل عدد المصابين إلى ألفين و197 شخصًا.
في السياق ذاته، أعلنت وزارة العدل التركية أنها ستتلقى طلبات مرشحين جدد لمناصب القضاة ومدعين عموم على خلفية اعتقال أكثر من ألفي قاض ومدع عام ووقف آلاف عن أعمالهم في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة.
ويشير الإعلان الجديد إلى أن الوزارة ستتلقى طلبات من ألفي مرشح لمنصب قضاة ومدعين عموم و200 مرشح لمنصب قضاة إداريين و700 مرشح و200 قاض إداري و700 مرشح لمنصب قضاة ومدعين عموم من مهنة المحاماة و100 مرشح لمنصب القضاة من مهنة المحاماة وذلك بعد الخضوع لاختبار مسابقة الكتابة وإجراء مقابلة.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.