ويظل السحر مستمرًا.. عالم «هاري بوتر» يعود بقوة

عبر مسرحية وكتاب و3 أفلام

مسرح «ذا بالاس» حيث تعرض مسرحية «هاري بوتر والطفل الملعون» (رويترز) - المؤلفة جي كي رولينغ وكتابها الجديد يحقق أرقامًا قياسيًا في البيع على الإنترنت قبل صدوره
مسرح «ذا بالاس» حيث تعرض مسرحية «هاري بوتر والطفل الملعون» (رويترز) - المؤلفة جي كي رولينغ وكتابها الجديد يحقق أرقامًا قياسيًا في البيع على الإنترنت قبل صدوره
TT

ويظل السحر مستمرًا.. عالم «هاري بوتر» يعود بقوة

مسرح «ذا بالاس» حيث تعرض مسرحية «هاري بوتر والطفل الملعون» (رويترز) - المؤلفة جي كي رولينغ وكتابها الجديد يحقق أرقامًا قياسيًا في البيع على الإنترنت قبل صدوره
مسرح «ذا بالاس» حيث تعرض مسرحية «هاري بوتر والطفل الملعون» (رويترز) - المؤلفة جي كي رولينغ وكتابها الجديد يحقق أرقامًا قياسيًا في البيع على الإنترنت قبل صدوره

شهدت أمس في لندن وبقية عواصم العالم عودة العالم السحري الذي خلقته المؤلفة البريطانية جي كي رولينغ في سلسلة رواياتها الشهيرة «هاري بوتر»، ففي لندن افتتحت مسرحية «هاري بوتر والطفل الملعون» (هاري بوتر آند ذا كيرسد تشايلد) رسميا، وكانت المسرحية قد فتحت أبوابها لعروض مبدئية خلال الشهر الماضي. كذلك شهدت المكتبات في شوارع بريطانيا وأميركا المشاهد المعتادة والمرتبطة بكل إصدار من السلسلة عبر عشرة سنوات، فاصطف هواة بوتر خارج المكتبات وأقام بعضها الخيام قبل منتصف الليل لفرصة الحصول على النسخ الأولى من الكتاب الذي يضم نص المسرحية.
مشاهد معتادة ولكنها مليئة بالحماس والترقب، وأيضًا تشير إلى قوة ظاهرة الفتى النحيل ذي النظارات المستديرة، كما يشير إلى براعة راولينغ في التسويق والتحكم في ملايين المتابعين لرواياتها، فهي منذ صدور آخر أفلام السلسلة في عام 2009 أطلقت موقعا لعشاق الرواية الذين أحزنهم انتهاء القصة، وعبر «بوترمور» استطاعت أن تحتفظ باهتمام قرائها السابقين واللاحقين وعمدت على كتابة بعض القصص القصيرة المرتبطة بروايتها الأشهر، كما استخدمت وببراعة صفحتها على «تويتر» لاستضافة قرائها وتغذية ولعهم بكل ما له علاقة بهاري بوتر.
أثبتت الكتب والأفلام الثمانية أن فرص الاستغلال التجاري لهاري بوتر تتعدى المبيعات الوقتية وهكذا تعددت المشاريع التي استغلت هوس الجماهير، فأقيمت في أورلاندو الحديقة الترفيهية «عالم بوتر السحري» داخل يونيفرسال ستوديوز وتبعها أخريات في هوليوود واليابان. أما الألعاب الإلكترونية فنالت نصيبها من العالم الساحر وكذلك كتب التلوين والبضائع التي تحمل الأسماء والشخصيات.
وقال أندرو سيمز (27 عاما) أحد مؤسسي موقع هايبابل المخصص لمحبي هاري بوتر «يبدو أن (رولينج) حصلت على الاستراحة التي كانت تحتاجها وهي مستعدة الآن للعودة بقوة إلى عالم بوتر».
وتابع: «الناس الذين قرأوا الكتب وهم أطفال أو مراهقون باتوا الآن في العشرينات أو الثلاثينات من أعمارهم. كبرنا جميعنا مع هاري والحفلات التي ستقام لمناسبات مثل صدور كتاب ستكون بمثابة عودة لطفولتنا».
ومع عرض المسرحية والتي أطلقت عروضا مبدئية منذ شهر يونيو (حزيران)، بدا أن تأثير الساحر الشاب لم يخفت، وتوافدت أجيال جديدة من عشاق الروايات لحضور المسرحية ونفدت التذاكر التي طرحت في العام الماضي. ونالت المسرحية إطراءً كبيرا ممن حضروا العروض المبدئية ومن النقاد، حتى أن بعضهم قال إنها أنجح عرض مسرحي على خشبة مسارح «الوست إند» في لندن لسنوات طويلة. ولكن بعض عشاق بوتر لجأوا للمؤلفة للشكوى من عدم القدرة على رؤية المسرحية، سواء بسبب نفاد التذاكر أو بسبب وجودها في لندن، وبالأمس أعلن أن المسرح سيصدر 25 ألف تذكرة جديدة هذا الأسبوع ومن المؤكد أنها ستنفذ كلها في ساعات قليلة خاصة بعد التقييمات الأولية الإيجابية للمسرحية.
المسرحية تدور بعد سنوات من نهاية الجزء السابع من الرواية، ويظهر فيها هاري بوتر في شخصية الأب والزوج، يحاول التعامل مع سيرته وإرث العائلة السحري مع أبنائه الثلاثة وأصغرهم «ألبوس».
* الكتاب الجديد
توالت الطلبات على مواقع المكتبات العالمية وعلى موقع «أمازون» لشراء نسخ مقدمة من كتاب «هاري بوتر آند ذا كيرسد تشايلد»، فاحتل المركز الأول والثاني بالتناوب في قائمة أكثر الكتب طلبا على موقع «أمازون». أما موقع مكتبة «بارنز آند نوبل» الأميركية فيتوقع أن يسجل الكتاب أعلى مبيعات العام، وسجل موقع مكتبة «واترستونز» البريطانية بيع 100 ألف نسخة مسبقة.
وفي العالم الحقيقي سيستغل هواة بوتر الإصدار لإقامة حفلات استقبال للكتاب وذلك في فروع المكتبات المختلفة.
* ثلاثية سينمائية جديدة
وحتى لا يغيب السحر وأيضًا الأرباح المرتبطة به، أعلن في عام 2013 عن إنتاج ثلاثة أفلام عن كتاب «فانتاستيك بيستس» الذي تدور أحداثه داخل عالم السحرة. وسيعرض فيلم «فانتاستيك بيستس أند وير تو فايند ذيم» في نوفمبر (تشرين الثاني) وكتبت رولينج السيناريو له. ويضم الفيلم شخصيات جديدة وتدور أحداثه في نيويورك عام 1926.
* بالأرقام:
- 4.5 مليون نسخة من كتب هاري بوتر بيعت في أميركا الكتب السبعة ترجمت لـ70 لغة
- ثمانية أفلام سينمائية معتمدة على السلسلة حصدت 7.7 مليار دولار
- 12 ألعاب فيديو مستمدة من أحداث السلسلة
- 250 ألف تذكرة جديدة لمسرحية «هاري بوتر آند كيرسد تشايلد»
- تستمر المسرحية لخمس ساعات
- 10 آلاف فعالية ستقام في نيويورك بمناسبة صدور الكتاب الجديد
- 450 مليون نسخة مبيعات الأجزاء السبعة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)