لا يعول الفرقاء المعنيون بالأزمة السورية على المشاورات الروسية – الأميركية المستمرة وآخرها الاتصال الذي رُصد يوم أول من أمس، بين وزير خارجية موسكو سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري، لإطلاق عجلة العملية السياسية مجددًا لحل الأزمة في سوريا، لاقتناعهم بأن أي حراك جدي في هذا الإطار لا يمكن أن يبصر النور قبل تبلور ملامح الإدارة الأميركية الجديدة وتحديد سياستها الخارجية.
ولم يتعاط أي من أطراف النزاع السوري مع إعلان كيري الأسبوع الماضي تفاهمه مع لافروف، وبعد 12 ساعة من المحادثات الماراثونية، على «إجراءات ملموسة» لإنقاذ الهدنة ومحاربة «الجماعات المتطرفة» في سوريا دون الكشف عن تفاصيل الاتفاق، من منطلق أنّها ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الطرفان عن اتفاقات لا تلحظ أي تطبيقات عملية. فبحسب مصدر في الوفد المفاوض في جنيف التقى أخيرًا مسؤولين أميركيين في واشنطن قال: «قد بات محسومًا أن أي تحرك جدي لحل الأزمة في سوريا مؤجل لما بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية»، لافتًا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى إمكانية انطلاق جولة جديدة من المفاوضات في حد أقصاه شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، «وهو ما يسعى إليه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، من دون أن يكون هناك أي شيء نهائي في هذا الإطار». وأضاف المصدر: «باتت هناك قناعة لدى كل الفرقاء وخصوصًا لدى دوائر الأمم المتحدة أن لا جدوى من العودة إلى المفاوضات، إذا لم تكن الانطلاقة الجديدة جدية وقوية ومبنية بشكل أساسي على تفاهمات واضحة روسية – أميركية».
وكان دي ميستورا، أعلن في وقت سابق أن المفاوضات بين النظام والمعارضة ستستأنف في شهر يوليو (تموز) الحالي، إلا أنه عاد ليُطالب بتوضيح عدة أمور تتعلق بالملفين الإنساني والسياسي، وذلك لتحديد موعد لجولة محادثات السلام المقبلة.
وانتهت في أبريل (نيسان) الماضي الجولة الأخيرة من مفاوضات السلام السورية في جنيف، التي استمرت لنحو 14 يومًا، وشهدت انسحاب وفد الهيئة المعارضة للمفاوضات احتجاجًا على الوضع الأمني والإنساني. وتتركز الخلافات بشكل أساسي بين الوفدين السوريين حول مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد، والانتقال السياسي في البلاد. ويبدو أن المعارضة السورية تعول على فوز هيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطي بالانتخابات الرئاسية الأميركية، من منطلق أنّها تمتلك رؤية لحل الأزمة في سوريا، بخلاف منافسها مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، وهو ما أشار إليه مدير (المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية) بواشنطن رضوان زيادة، مشددًا على وجوب أن تكون هناك «أفكار جديدة لدى الإدارة الأميركية المقبلة للتعاطي مع الملف السوري بعد حالة العجز المتمادية لدى الإدارة الحالية». وقال «زيادة» لـ«الشرق الأوسط»: «تصريحات ترامب السابقة بخصوص الملف السوري مخيفة، خاصة وأنّه قال بتسليم الملف لبوتين، كونه يتعامل بشكل أفضل مع الإرهاب في سوريا، وهو كلام إذا نمّ عن شيء فعن عدم معرفة وجهل». وإذ رجّح «زيادة» أن يستمر الوضع السوري في حالة المراوحة المستمرة منذ نحو عامين، بحيث لا تقدم حقيقي لأي من طرفي الصراع وبالتالي لا تغيير جوهريا يؤسس لمتغيرات كبيرة، أعرب عن أسفه الشديد لكون ذلك سيؤدي لمزيد من الاستنزاف لسوريا والمدنيين. وأضاف: «الحملة العسكرية التي يقودها الأسد إن كان في حلب أو داريا لن تتكلل بالنجاح، والمعارضة ستبقى محافظة على الروح المعنوية العالية التي ستتيح لها الصمود».
واستبعد «زيادة» أن يكون هناك أي تغيير في الموقف التركي من الملف السوري، مشددا على أن أنقرة «تبقى الحليف الصادق للمعارضة، وإن كانت محاولة الانقلاب الفاشلة ستغير بعض الشيء من أولوياتها ليكون التركيز على الوضع الداخلي، سعيًا لإمساك المبادرة من جديد».
رؤية «زيادة» للموقف التركي يشاركه بها محمد سرميني مدير مركز «جسور للدراسات»، الذي أكد أن المعارضة لا تزال تعوّل على الجانب التركي وبالتحديد بلعب دور أساسي على مستوى الحل السياسي، لافتا إلى أن «المشكلات الداخلية التي ترزح تحتها أنقرة حاليا قد تعطّل دورها الخارجي، خاصة بعد التبدل الذي طرأ على موقفها، وإعراب أكثر من مسؤول تركي عن قناعتهم بأن لا حل للأزمة السورية إلا سياسيًا، وهم من كانوا يعتقدون وحتى فترة قصيرة بجدوى الحل العسكري». وقال سرميني لـ«الشرق الأوسط»: «أي حل سياسي يجب أن يقترن بخطوات تنفيذية جدية تبدأ بتوافق أميركي – روسي بالتوازي مع وجود نية إقليمية حقيقية بالانطلاق بهذه العملية، وقرار لدى الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن ليمهد كل ذلك للوصول لتوافقات مع طهران، تضع حدًا للحرب الدموية المستمرة». وأوضح سرميني أن المرحلة التي تفصلنا عن تبلور ملامح الإدارة الأميركية الجديدة ستكون وبامتياز مرحلة «تغيير النفوذ العسكري» في الميدان السوري، والتي ستنعكس لاحقًا على تغيير النفوذ السياسي على طاولة المفاوضات. وأضاف: «أما كل ما يحكى عن تفاهمات واتفاقات روسية – أميركية بالمرحلة الراهنة، فتبقى تكتيكية - آنية طالما لا اتفاق بينهما على مصير الأسد، وشكل المرحلة الانتقالية».
المفاوضات السورية بانتظار انتخاب رئيس أميركي جديد.. والمعارضة تعوّل على كلينتون
مراقبون يتحدثون عن تمدد مرحلة «تغيير النفوذ العسكري» في الوقت الضائع
المفاوضات السورية بانتظار انتخاب رئيس أميركي جديد.. والمعارضة تعوّل على كلينتون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة